من منّا لا يتذكر أغنيات الطفولة ومن منّا لم يتناقل هذا المأثور الغنائي الجميل في لحظات الصفاء الحالمة، بداية «بالمها واه» وهي أغاني المهد كما يسمّيها أهل الإمارات العربية المتحدة وصولاً إلى أغاني الألعاب الشعبية الشهيرة، بالحكايات الشعبية والخرافية. إن أغنية الطفل الشعبية من أروع ما قيل في المأثور الشفهي، كقيمة ثقافية وتربوية، فهي الانتماء والخصوصية الرائعة، وأغاني الأطفال الشعبية تعتبر من أهم الأجناس الأدبية في التراث الشعبي باعتبارها صوتاً له إيقاع ووزن ومعنى يستجيب لمواقف بعينها. وهي لا تقوم بوظيفة جمالية فحسب، ولا تستجيب لمقتضيات التعبير الفني فقط، لكنها تقوم بدور تربوي وتثقيفي بل وتعليمي، إلى جانب العمل على زرع المبادئ الدينية والأخلاقية والاستجابة للوجدان الجمعي أسرياً كان أو قبلياً. نكتشف هنا بأن الإمارات بيئة وافرة الخصوبة لنشأة مثل هذا النمط من الأغاني الشعبية، نظراً لاتساعها وتعدد بيئاتها الجغرافية، فنجد طبيعتها الجغرافية تنقسم إلى مدن ساحلية وقرى بدوية وقرى زراعية وقرى جبلية، علاوة على الجزر الكثيرة المنتشرة في مياه الإمارات. كانت الكلمة وما زالت عماد الإبداع الأدبي، وبالكلمة ترسم المشاعر والأحاسيس، وبها تصاغ أجمل التعبيرات عن المودة والانتماء، وبها توصف البلاد والأحوال والعديد من الأمور المتعلقة بحياة الإنسان وشؤونه وشجونه، وأغاني الأطفال الشعبية برغم أنها تصاغ من أبسط الكلمات العامية الدارجة، إلا أنها تحمل بين ثناياها أروع المعاني. وهي أي أغاني الأطفال الشعبية تتسم بأن مؤلفها مجهول، هذا لا يعني بالطبع عدم وجود مؤلف، لكن هذا تصنيف وضعه الدارسون للتراث الشعبي، لكنها أي الأغنية تتضح فيها اللمسات الدقيقة للشاعر المؤلف والتي تتجلى بين الحين والحين لتبرز روح ذلك الشاعر وأحاسيسه. يتضح ذلك أكثر في النصوص الغنائية المشتركة بين مناطق الإمارات المختلفة حيث نجد كل منطقة تستخدم الأغنية ذاتها ولكن بشواهد وأسماء مختلفة مع الإبقاء على الإيقاع الغنائي (اللحن) والوزن والقافية. الباحث في أغاني الأطفال الشعبية يكتشف أن هذه الأغاني في مجملها مبنية على منهج تربوي وتثقيفي دقيق، أما أهم مفرداتها الآتي: * الأم / الأب /الأخ / العمة / الخالة. * الحيوانات والطيور / الأشجار / الظواهر الطبيعية / أدوات زينة المرأة. * مناطق المقيظ (المصايف)، وبعض المناطق الشهيرة. * ذكر بعض الأسماء التي قد يكون لها ارتباط تاريخي وسياسي بأهل الإمارات من النماذج الجميلة في ذلك أغنية المطر: طاح المطر بيد الله كسّر حوي عبدالله طاح المطر برعوده كسّر حوي سعّوده نموذج آخر جمعته من منطقة الهير عام 1990: يا ليتني قطيّه وارابع القطاه واشرب من الظحظاحي وامعاشي الحصاه أما الخريريفيات فهي الحكايات الخفيفة المغناة، وهي نمط فريد من القصص القصيرة جداً المغناة، وتتميز بوزن وقافية إضافة إلى البناء القصصي. الملاحظ هنا أن القاسم المشترك بين هذه النصوص الغنائية هو اللمسة الأنثوية التي تتجلى المعرفة بها من خلال الكم الكبير الذي تحظى به الفتيات دون الفتيان من هذه الأغاني، وكثرة الأغاني التي تدافع عن حقوق المرأة والتهويل في الأمور البسيطة. الشاهد أن أغاني الأطفال الشعبية في مجملها تحث على ذكر الله والتمسك به والتسليم بقدره والقسم باسمه تعالى، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على النزعة الدينية التي يتسم بها أهل الإمارات، وشدة تمسكهم بالله عز وجل، وهذا يعتبر من أسمى معاني التربية والتثقيف الديني. كان بودي أن أستعرض نماذج أكثر في هذه الزاوية، لكن المساحة لا تكفي، وأنا أعد القراء بدراسة مستفيضة مستقبلاً إن شاء الله. [email protected] The post أغاني الأطفال الشعبية appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية