في جلسة على قمة جبل، جهز سيف راشد الدهماني المصنف خبيراً في «سنع القهوة»، مكاناً خاصاً لعرض كل الخطوات المتعلقة بالبن وصنع القهوة، ليجسد أحد أشهر الأماكن لدى أهل الإمارات فيما يعرف بالحضيرة، الاسم المشتق من كلمة الحضور حين يحضر الأهالي إلى المكان، ليحصلوا على جانب من الكرم العربي، باعتباره صفة فطروا عليها، من دون الرجوع إلى مستوى الثراء أو الفقر، فالكرم هنا يتمثل في تقديم ما يمتلك أصحاب المكان، وكان أول ما يقدم القهوة لضيوفهم ثم لأنفسهم، ليتشارك الجميع في تناولها، موزة خميس (الفجيرة)- يؤكد الآباء والأجداد أن مشاركة الضيوف تشعرهم بتوافر الخير داخل البيت، بالإضافة إلى الرغبة في وجودهم، أما اقتصار تقديم القهوة على الزوار فقط، فمن شأنه أن يزعجهم ويشعرهم بعدم الرغبة في وجودهم واستعجال رحيلهم، سواء في الزيارات المعتادة أو أيام الأعياد والمناسبات. وصعوداً إلى الجلسة العربية فوق الجبل بمنطقة الميدق، التابعة لإمارة الفجيرة للاستماع إلى حديث الدهماني، حيث يخبرنا بأن الجميع في بلادنا يحرصون على تقديم القهوة لأنفسهم ولضيوفهم، حيث تشترى احتياجاتها مع مؤن البيت دائماً، ولذلك تعود الناس على توافرها في كل بيت، موضحاً أن عملية الشراء تمر بمراحل عدة، يتجلى فيها ذوق الأسرة وتكثر فيها المشاورات بين أفرادها عند اختيار «دلة القهوة» وهي الإناء الذي تقدم من خلاله، فتجد من يفضل اللون النحاسي المطعم بألوان الفضة أو العكس، وتكون الأم طرفاً أصيلاً في عملية الشراء، وغالباً ما تترك بناتها يتشاورن لشراء ما يردن، ثم تتقدم هي بخطى واثقة لتختار الدلة المطلوبة، وتترك ما اختارته البنات للاستخدام داخل المنزل، وتخبرهن لماذا اختارت نوع «الدلة»، الذي يصلح لأن تقدم من خلاله القهوة إلى الضيوف، ليتعلمن الاختيار الصحيح في المرات المقبلة، حيث لا يعرفن أنه هناك سبع دلال يتم تداولها في المنطقة الخليجية، أشهرها وأندرها الحساوية، وهناك العمانية والحايلية من منطقة حائل في المملكة العربية السعودية، والنجدية من نجد، والقرشية نسبة لبني قريش، ودلة رسلان لبلاد الشام، وفي الإمارات تستخدم العمانية وغيرها مما يأتي من الجزيرة العربية. معلومة لا تعرفها البنات كما لا تعلم البنات الصغيرات أن تلك الدلال إن تعلق الأمر بعدد كبير من الضيوف، لا بد أن تكون بثلاثة أحجام منها على الكوار أو موقد النار الذي يوقد بالحطب ويتحول لجمر، وهي دلة اللقمة التي يتم تلقيمها بالقهوة، التي توضع على الماء الحار، وهناك الخمرة وهي دلة لا بد أن تكون حاضرة دائماً ولا تخلو أبداً من الماء الساخن الذي يغلي بهدوء على حر الجمر القريب منها، وتبقى المزلة وهي الدلة التي تصب فيها القهوة بعد أن تجهز في دلة اللقمة، ومن المزلة إلى الفنجان مباشرة، وتعد القهوة بالنسبة للخليجي «كيف ومزاج» كما يقال لتقريب المعنى، ودلة الكيف تكون سادة مقتصرة على البن المحمص والمدقوق أو المطحون، أما دلة المزاج فهي القهوة التي يضاف للبن فيها قناد، وهي التوابل من الهيل والزعفران والقرنفل حسب الذوق. وبين رفض وقبول من قبل البنات لنصائح الأم، تخبرهن أن المهمة لم تنته بعد، وتتجول بين أركان المكان تتفحص أنواع «الفناجين»، التي تناسب شكل الدلة التي وقع عليها الاختيار، وتعيد الكرة مع بناتها، فتجد أن بعضهن بدأ يترجم توجيهاتها بشكل أفضل من المرة السابقة، وهنا كما يوضح الدهماني تفرح الأم وتبدو عليها علامات الرضا، وتتقارب خطاها من خطى بناتها، كأنها تود أن تحتضنهن، وتسير الأسرة إلى صندوق الحساب، ويدور بين الجميع حديث هامس عن أفضل طريقة لتجهيز القهوة، ومن منهن ستسرع لحظة وصولها إلى البيت، نحو تجهيز فنجان القهوة ليتذوقه الأب مع ضيوفه؟. ويتواصل حديث الدهماني من فوق الجبل، مشيراً إلى أن هذا ما تتبعه أسر كثيرة في بلادنا، حيث تعتبر ذلك مهمة تقوم بها الأسرة كل فترة، من دون الارتباط بمناسبة أو عيد، فدائماً تحرص ربة الأسرة على تجديد دلة القهوة والفناجين، بالإضافة إلى تغيير نكهة القهوة التي تعودت عليها، في حين تلتزم أخرى بمبدأ الثبات، وترى أن ذلك طابع يميزها، وتفرح كثيراً حين تسمع كلمات الإعجاب من الضيوف أو الأصدقاء والمقربين بمذاق القهوة، التي عرفت منذ البدايات في المنطقة العربية، ولها ذكريات في مجالس الآباء والأجداد، التي حرص الدهماني على أن يقيم أحدها فوق الجبل، حيث يشعر الزائر بأنه أمام «ديكور» فيلم سينمائي، لتصوير مشاهد لفيلم يسرد فصلاً من تاريخ المنطقة، لكنه بمجرد الاقتراب، تختلف الصورة ويشعر بانطباع آخر. ... المزيد الاتحاد الاماراتية