قيصري: طالبت والدة متظاهر في التاسعة عشرة من العمر ضرب حتى الموت خلال الحملة الاحتجاجية ضد الحكومة التركية في حزيران/يونيو الماضي بإحقاق "العدالة" لابنها، مع بدء محاكمة ثمانية اشخاص متهمين بقتله في قيصري (وسط)، بينهم اربعة شرطيين. وفي قاعة محكمة، حوّلتها قوات الامن الى ما يشبه قلعة حصينة، توجهت امل قرقماز منذ بداية المحكمة الى المتهمين الثمانية، وهي ترفع صورة لابنها، لتسألهم "كيف استطعتم ان تقتلوا علي؟، كيف استطعتم ضربه؟، الا تخجلون من انفسكم؟". وتابعت "لقد ارسلت علي لتلقي الدراسة في اسكيشهير، واعيد إليّ في نعش، نحن هنا للمطالبة بالعدالة، ولا شيء غير العدالة". وانتشر حوالى الفي شرطي مجهزين بخراطيم المياه في محيط قصر العدل لاحتواء مئات الاشخاص الذين جاؤوا يعبرون عن تضامنهم مع الضحية علي اسماعيل قرقماز في هذه القضية التي تعتبر رمزا للقمع العنيف الذي امر به رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ضد المحتجين. وقرأ المدعي العام مرة جديدة التهمة الموجّهة الى المشتبه فيهم، وهي "القتل المتعمد"، مطالبًا بعقوبات بالسجن تتراوح بين ثماني سنوات ومدى الحياة. وانتشرت قوات ضخمة، ضمت مئات العناصر من شرطة مكافحة الشغب مجهزين بدروع في محيط المحكمة، حيث تحتوي مئات المتظاهرين، بينهم حوالى ثلاثمائة محام، جاؤوا لدعم شقيق الضحية، وهو من زملائهم، وقد تجمعوا مطالبين ب"العدالة من اجل علي اسماعيل"، بحسب شعار كتب على احدى لافتاتهم. وحظرت حكومة قيصري بشكل حاسم اي تجمع في المدينة "لاسباب امنية"، ومنذ مساء الاحد منعت حافلات عدة تنقل عشرات الاشخاص، بينهم العديد من الطلاب، من دخول المدينة، وتم ابقاؤها عند ابوابها، على ما افادت جمعيات دعت الى التظاهر. وفي الثاني من حزيران/يونيو الماضي، تعرّض علي اسماعيل قرقماز لضرب مبرح بايدي مجموعة من الاشخاص، فيما كان يحاول الهرب من هجوم للشرطة اثناء تظاهرة تطالب باستقالة اردوغان في مدينة اسكيشهير الجامعية الكبرى في غرب تركيا. واصيب الطالب بجروح بالغة ونزيف في الدماغ، وفارق الحياة في العاشر من تموز/يوليو، بعد غيبوبة استمرت 38 يوما. وصورت كاميرات مراقبة المتهمين الثمانية، وبينهم اربعة شرطيين باللباس المدني، وهم ينهالون بالضرب على الشاب المطروح ارضا بعصي بيسبول وهراوات. ولم تنتظر اطراف الحق المدني بدء المحاكمة لتندد بنقلها الى مسافة اكثر من 500 كلم من مكان حصول الوقائع، مشددة على البعد "السياسي" للملف. واعلن احد المحامين الخمسين عن عائلة الضحية اوزغور اونغيل امام الصحافيين "حاولوا السيطرة على القضاء من خلال نقل مكان المحاكمة، اليوم سنعيد وضع العدالة على السكة". وقال احد زملائه ايهان اردوغان "لا يمكن فصل هذا الحادث عن تظاهرات جيزي، السلطة تخشى ان تفقد شرعيتها الدستورية، وامرت بقمع مكثف للحكومة من قبل قوات حفظ النظام". وقضية قرقماز هي من الملفات القضائية النادرة التي تفتح بحق قوات الامن التركية بعد حملة احتجاجات حزيران/يونيو 2013. وبحسب رابطة اطباء تركيا، فان الاحتجاجات التي انطلقت من ساحة تقسيم في اسطنبول، وامتدت الى سائر ارجاء البلاد، اوقعت ستة قتلى واكثر من ثمانية الاف جريح. كما اعتقل الاف الاشخاص. ومن المقرر اجراء اول محاكمة لمتظاهرين في الربيع المقبل في اسطنبول، وتشمل 255 متهمًا، وقد وصفهم اردوغان ب"المخربين". وتراجعت صورة رئيس الوزراء بشكل كبير اثر قمع المتظاهرين، الذين كانوا ينددون بالتوجه "التسلطي" لاردوغان ورغبته في "اسلمة" المجتمع التركي. واردوغان الذي يحكم تركيا بدون منازع منذ العام 2002 يواجه مأزقا جديدا يطاول صورته وصورة حكومته جراء فضيحة سياسية مالية غير مسبوقة تستهدف عشرات المقربين منه في عدد من التحقيقات بالفساد. وقبل شهرين من الانتخابات البلدية تسببت هذه القضية باستقالة ثلاثة وزراء، وفرضت اجراء تعديل حكومي. ومع اقترانها بهشاشة الاوضاع المالية في الدول الناشئة، ادت الى تسريع تدهور العملة التركية، وحركت مخاوف الاسواق بشان المستقبل الاقتصادي للبلاد. ايلاف