من زائرة محبة لحديقة الصفا إلى سيدة أعمال داخل الحديقة، تلك الجملة تلخص الفكرة المطروحة في هذا التحقيق، إذ استطاعت الفتاة الألمانية ميلاني، أن تؤسس لنفسها موقعاً مهنياً من خلال فكرة بدأتها وسرعان ما ارتقت لتشرف عليها، قبل أن تتوسع في أفكار وليدة في مواقع أخرى في دبي. في ابريل 2008 اقترحت ميلاني على إدارة الحدائق في بلدية دبي، أن تسمح لها بإقامة سوق شهري للأدوات المستعملة «فلي ماركت»، تحت أشجار حديقة الصفا، فوافقت البلدية، واليوم أصبحت هذه الفتاة رائدة ال «فلي ماركت» في الإمارة، وتتولى تنظيم معارض متواصلة تقيمها في أماكن عدة. ملل التسوق ميلاني، الشابة الطموحة، التي دخلت في الإسلام من حبها لدبي والعرب وقناعتها بالمسلمين، أكدت أن فكرتها التجارية تلك، وهي سوق الأدوات المستعملة، نبعت من كرهها للتسوق في المولات، وحالة الملل التي تشعر بها تجاه هذه الظاهرة المحبطة والمنتشرة بكثرة في مجتمع الإمارات، ولدى مختلف الجنسيات. وحتى لا تصبح الماركات والأدوات الكثيرة أقرب إلى حاوية النفايات تقدمت بفكرتها لتمنح السكان من مختلف الجنسيات متسعاً للاستفادة من أدوات بإمكانهم اقتنائها وبأسعار رمزية، وفي ذلك فائدة متشعبة، لها وللأسر التي تبحث عن سلع أرخص، ولسواها التي تبيع ما لا حاجة لها به، وللبيئة بوجه عام. منذ 6 سنوات في حديقة الصفا، تستمر فكرة بيع الأدوات المستخدمة منذ 6 سنوات، وذلك السوق الذي يقام أول يوم سبت من كل شهر، اتسع سريعاً وزادت أركان البيع فيه من 50 إلى 300 ركن، وتمددت مساحته الإجمالية تحت الأشجار وارفة الظلال، إلى نحو 5 آلاف متر مربع، وأصبح محط أنظار الكثيرين من الأجانب والآسيويين والعرب والمواطنين، وبحسب تأكيد المسؤولين في الحديقة، فإن عدد زوار السوق في بضع ساعات من يوم واحد شهرياً، يصل إلى 15 ألف زائر، يقصدون الحديقة مبكراً للبحث عن كل شيء يريدونه. ميلاني صاحبة الفكرة، التي تهوى الأفكار غير التقليدية وتحمل شهادة ماجستير في «البزنس»، أكدت أن أكثر الزائرين للسوق والمشاركين فيه، من الأوروبيين ثم الفلبينيين فالعرب والآسيويين، وقليل من المواطنين، وهي تتولى تأجير أركان البيع في السوق الذي يتبع شركتها الخاصة مقابل مبلغ شهري، وكل البائعين يجنون مبالغ وفيرة. فكرة ارتجالية وأشارت إلى أنها تمتلك اليوم بفعل فكرة ارتجالية بدأتها قبل بضعة أعوام، شركة خاصة، اسمها «فلي ماركت»، تتولى إقامة معارض متنوعة لبيع الأدوات المستعملة. وبالإضافة إلى حديقة الصفا، لديها معرض آخر في «أب تاون مردف» يقام في ثاني جمعة من كل شهر، ومعرض ثالث في «ابن بطوطة مول» ثاني سبت من كل شهر، إضافة إلى يوم الأمهات الذي يقام في حديقة زعبيل أول يوم أربعاء من كل شهر، والذي يختص بالنساء والأطفال، وكل هذه المعارض لا تبيع جديداً قط. عمير الباكستاني واحد من بين البائعين في «فلي ماركت الصفا»، يبيع أحذية مستعملة وبعض الإكسسوارات، أكد أنه في أقل من ساعة يستطيع تغطية تكاليف استئجار الطاولة، وأن أقل ربح يحققه في بضع ساعات يفوق الألف درهم، موضحاً أن جميع الأدوات التي يبيعها، جلبها من البيت، ولا حاجة لأسرته فيها اليوم. وأشار إلى أنه سمع عن الفكرة عن طريق صديق، ومن «فيس بوك»، وبادر في التسجيل إلكترونياً، ووجد فيها فائدة كبيرة، اجتماعياً ومادياً. الجميع قادر أما ميلا عطار بائعة سورية، فقالت إنها تشارك في السوق باستمرار، مع مجموعة صديقاتها، اللواتي يحملن معهن أدوات متنوعة من بيوتهن، ويعرضنها للبيع بأسعار زهيدة جداً، لاسيما ملابس الأطفال وبعض الهدايا والألعاب، موضحة أنها تشعر بإيجابية كبيرة لأن الجميع هنا قادر على شراء كل ما يريد، مهما كانت نوعية الماركات المعروضة، وتلك فكرة إيجابية من شأنها أن تعود بفوائد جمة، على الجميع طبعاً. المغربي زكريا عميرة، أضاف إنه حريص على المشاركة في هذا السوق شهرياً، ليبيع فيه إلكترونيات وأدوات تقنية مستعملة، تبدأ أسعارها من 5 دراهم وتنتهي ب 500 درهم، وتلقى إقبالاً كبيراً من الزوار، الذين بإمكانهم أن يحصلوا على كل ما يحتاجون بأقل سعر ممكن. فتى مواطن في أروقة السوق، وقف فتى مواطن يبيع ألعاباً قديمة وبعض الإكسسوارات والهدايا، يدعى عبدالله أحمد بن الشيخ، ابن الرابعة عشرة، وهو طالب في مدرسة البحث العلمي في دبي، لديه مع مجموعة أصدقاء مسابقة علمية، وعليه أن يوفر لها رعاية بطريقة مبتكرة دون مساعدة والده، فلم يجد أفضل من هذا السوق، لأن يعمل فيه لمدة محددة، ويجني التكاليف اللازمة للقيام بمشروعه، وأضاف: تلك فكرة جميلة ومفيدة، وأنا أدعو المواطنين خصوصاً، لأن يحجزوا لأنفسهم طاولات هنا، كما هو حال مئات الأجانب الذين يبيعون كل شيء هنا، فما أكثر الأدوات التي لا نريدها وتذهب بلا فائدة!. قصة إسلامها عام 2005 انتقلت ميلاني إلى دبي للعمل في شركة للمعارض، وسريعاً بادرت بزيارة مركز الهدى للتعرف على الإسلام برفقة عدد من أصدقائها، بقيت لثلاثة أعوام ثم سافرت إلى أميركا خلال الأزمة المالية، وهناك شعرت بفرق كبير بين أهل الإمارات وسكان أميركا، وظلت تقارن بين الثقافة والدين والعادات والتقاليد، لتجد هنا الراحة والثقة والأمن والأمان والمحبة بين الناس، فقررت العودة إلى دبي، وبمجرد وصولها أشهرت إسلامها، وهي تشعر اليوم بسعادة كبيرة، بحكم صداقتها المتينة مع العرب والمسلمين من جنسيات مختلفة. التسجيل إلكتروني والدفع في الحديقة والبيع متاح للجميع يستطيع المشاركون في سوق الأدوات المستعملة الشهري في حديقة الصفا، بيع كل ما لديهم من أدوات وأجهزة ومستلزمات، بثقة تامة وبالسعر الذي يرضي الطرفين، وكل ما عليهم القيام به، كما يوضح شعيب عبدالجليل مصبح مشرف حديقة الصفا، التسجيل عبر الموقع الإلكتروني الخاص بشركة «فلي ماركت»، والقدوم إلى الحديقة في أول سبت من كل شهر لتثبيت التسجيل ودفع الرسوم للشركة الخاصة بالفعالية، والتي تبلغ 270 درهماً لكل ركن، ثم المباشرة في بيع أي أدوات يحملها البائع معه. وسائل التواصل ورغم التسهيلات التي توفرها خدمة بيع الأدوات المستعملة في حديقة الصفا، إلا أنه يُمنع على البائعين أمران محددان؛ الأول بيع أية سلع صحية أو أدوات تجميل وأدوية وما شابه، والثاني بيع أي شيء جديد، فالفكرة تقوم على بيع المستعمل وليس الجديد، ولا بد من التقيد بها، كما يؤكد شعيب. وأضاف إن ميلاني، وهي الفتاة الألمانية صاحبة المشروع، بدأت فكرتها قبل 6 سنوات بجهود ذاتية، وباشرت التطبيق الفعلي للمشروع مع مجموعة أصدقاء لها، وسرعان ما توسعت دائرة المشاركة بفعل الأشخاص الذين يتحدثون عن الفكرة، ونتيجة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للمشروع، وفي فترة قصيرة جداً أصبحت حديقة الصفا محط أنظار عشرات آلاف الزبائن والباعة من مختلف الجنسيات، ممن يجدون في الأدوات المستخدمة هدفاً لهم، والمشروع يتواصل كل شهر بإشراف مباشر من شركة «فلي ماركت» وإدارة حديقة الصفا، التي تتابع البائعين والمواد التي يعرضونها للبيع، وتجبر الجميع على الالتزام بالقوانين والشروط. القدوم مبكراً وأكد شعيب مصبح أن المشروع يجد إقبالاً متزايداً من كافة شرائح المجتمع، والتسجيل يضيق أمام الأعداد المتزايدة، والمساحة المخصصة له تتمدد باستمرار، والزائرون أيضاً في ازدياد، موضحاً أن البائعين والزبائن ينحدرون من جنسيات مختلفة، والسلع المتوفرة تمنح المتسوقين القيمة النفسية والشرائية في كل احتياجاتهم. أما عبدالله علي، مراقب إداري في حديقة الصفا، فأشار إلى أن السوق يشهد في الفترة الصباحية حالة ازدحام غير طبيعية، تستمر إلى الساعة 12 ظهراً، وبعدها بساعتين يكون الجميع على وشك المغادرة، لافتاً إلى أن بعض الباعة يشترون منذ الصباح الباكر، من باعة آخرين أدوات وأجهزة معينة بأسعار قليلة جداً، ثم يعرضونها على طاولاتهم للبيع بأسعار أعلى، وتلك مشكلة نلحظها أحياناً، لذا على المعنيين بالشراء من هذا السوق التبكير في القدوم إلى الحديقة قدر الإمكان، للحصول على فرص شراء أكبر وأفضل، وأقل قيمة مادية، وفي المقابل ربما يكون التسوق ملائماً ومجدياً في فترة النهاية قبيل الإغلاق، لأن الجميع يريد أن يبيع. [ تخلت الألمانية ميلاني، عن وظيفتها التقليدية في التسويق والمعارض، وبدأت حياتها المهنية في «البزنس» الخاص، من زاوية مهملة كما يلاحظ الجميع، وهي بيع الأدوات القديمة والمستعملة أو «الخردة» كما تعرف عربياً، وبذلك أصبحت تدير شركة متخصصة في إقامة المعارض ومعها اليوم 11 متعاوناً في هذا المجال. بحكم أنها توفر 4 معارض كبيرة شهرياً، في الحدائق والمولات، وفي قاعات المركز التجاري حينما لا تسمح ظروف الحرارة في إقامة المعرض في الهواء الطلق. مهنياً؛ ظفرت ميلاني بتجربة تجارية وإدارية متميزة، قوامها الفكرة وحسب، وأصبحت تدير أعمالها بحرفية متزايدة كل شهر، أما حديقة الصفا، فباتت هي الأخرى محط أنظار الجميع بحكم الخيارات التي توفرها لقاصديها. بعد فكرة ال «فلي ماركت» انفجرت فكرة مشروع غذائي آخر تحتضنه الحديقة «رايب ماركت»، وهو عبارة عن يوم غذائي صحي ضمن مبادرة أسبوعية توفرها الحديقة كل يوم جمعة، وفي هذا اليوم تُباع الفواكه والخضار العضوية وبعض الوجبات والأكلات الصحية، في أجواء عائلية مميزة. كما يؤكد شعيب مصبح مشرف حديقة الصفا. خلاف هذه الفكرة، أضحت حديقة الصفا بفعل الفعاليات الكثيرة التي تفتح أبوابها لها، المكان المفضل لإقامة الحفلات والمناسبات الاجتماعية المختلفة، وكل هذه الملامح تمنح الحديقة ميزة أكثر إيجابية، وسمعة وجماهيرية كبيرة، لدرجة أن المئات لا يجدون لأنفسهم متسعاً لإيقاف السيارة على مسافة مئات الأمتار في محيط الحديقة، وتحديداً أيام نهاية الأسبوع، الخميس والجمعة والسبت. البيان الاماراتية