أحمد فودة منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري في مصر، اتخذت قناة الجزيرة موقفا يساند الشرعية ويعارض هذا الانقلاب، وذلك توافقا مع الموقف المبدئي للقناة في مناصرة الثورات العربية، إضافة إلى الموقف العلمي الذي يعرف ما حدث في مصر بأنه انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية كما يحاول كثيرون أن يصفوه. وحاولت القناة خلال الشهور التالية للانقلاب، أن تكون صوت الشرعية الذي انطلق يهتف في كل شوارع مصر مناديا بعودة إرادة الشعب التي تم اغتصابها، والمتمثلة في الرئيس والبرلمان المنتخبين والدستور المستفتى عليه. وتفوقت القناة على نفسها، حينما مزجت بين نقل الفعاليات الاحتجاجية وبين البرامج الحوارية التي كانت تستضيف من خلالها مؤيدي الشرعية وكذلك مؤيدي الانقلاب، وذلك لإظهار مدى ضعف حجتهم في مساندة الانقلاب. وكان من الطبيعي أن يستهدف الانقلابيون القناة على موقفها هذا، فشن الإعلام الموالي له حملة شعواء عليها بحجة أن موقفها يعد تدخلا في الشأن الداخلي المصري.. كما بدأ في ترويج الأكاذيب حول علاقة موقفها بالدور الأمريكي الإسرائيلي المعارض للانقلاب، وهذا على عكس الحقيقة التي أثبتتها الأيام وهي أن أمريكا وإسرائيل هما من الفاعلين الأساسيين في التخطيط للانقلاب وتنفيذه بعد أن وجدوا أن الرئيس مرسي وجماعة الإخوان يمثلون خطرا داهما على مصالحهم في المنطقة، بل وعلى وجود إسرائيل ذاته. وأعلنت وزيرة الإعلام في حكومة الانقلاب عن وقف ترخيص عمل القناة في مصر ومعاقبة كل من يشارك في برامجها.. ووصل الأمر إلى رفع دعاوى قضائية لنزع الجنسية من ضيوفها المصريين بتهمة الخيانة العظمى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى اعتقال طواقم القناة من مراسلين ومصورين سواء في قناة الجزيرة مصر مباشر أو حتى الجزيرة الإخبارية والجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية. وتوجيه تهم متعددة لهم أبرزها دعم الإرهاب واستخدام معدات دون ترخيص وبث أخبار كاذبة بغرض بلبلة الرأي العام وحيازة لقطات مصورة مضللة. حيث أكدت النيابة العامة أن المتهمين "أسسوا شبكة إعلامية تخصصت في اصطناع مشاهد مصورة وبثها على خلاف حقيقتها عبر قناة الجزيرة القطرية، وشبكة CNN الأمريكية، بهدف تشويه سمعة مصر أمام الدول الأجنبية والمجتمع الدولي". ورغم أن القضاء المصري قام بتبرئة بعض من إعلامي القناة، إلا أن الحملة ما زالت مستمرة ضدها من قبل الانقلابيين، الذين قاموا مؤخرا بتسريب فيديو يظهر لحظة اعتقال صحفيي قناة الجزيرة الإنجليزية في القاهرة أواخر ديسمبر الماضي، بشكل فيه محاولة لشيطنة الصحفيين. وذلك قبل المحاكمة المرتقبة لهم خلال الأيام القادمة، بعد قيام النائب العام بإحالة عشرين من صحفيي القناة إلى محكمة الجنايات. وقد واجهت حملة الانقلابيين ضد القناة انتقادات من منظمات دولية مختلفة، أبرزها: "لجنة حماية الصحفيين"، و"المادة 19"، و"مؤشر الرقابة"، و "مراسلون بلا حدود"، الذين قالوا في بيان نشره الموقع الإلكتروني لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، إن البيئة "المتدهورة التي لا تسمح للصحفيين بالعمل بأمان وحرية تشكل مصدر قلق بالغا"، وإن "القتل المتعمد لحرية الإعلام والتعبير من خلال الاعتقال وتجريم الصحافة المشروعة يحمل كل السمات المميزة لمصر الاستبدادية من عهد مبارك". كما دعت "مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان" لإطلاق سراح الصحفيين الأجانب، المحتجزين في مصر.. وأكد روبرت كولفيل المتحدث باسم المفوضية، أن المنظمة تشعر بقلق كبير على وسائل الإعلام العامة. أما منظمة العفو الدولية، فقد وصفت قرار إحالة صحفيي الجزيرة للمحاكمة، ب"النكسة الكبيرة بالنسبة إلى حرية الصحافة في مصر"، مطالبة بالإفراج عنهم فورا ودون شروط. ورغم كل هذه الانتقادات والمناشدات، مازالت الحكومة الانقلابية مصرة على المضي قدما في انتهاك كل حقوق الإنسان في مصر، ليس فقط لهؤلاء الإعلاميين ولكن أيضا لكل إنسان يعيش في هذه البلاد من أجل كسر إرادتهم وفرض أمر واقع جديد يسمح لهم بالسيطرة على السلطة بشكل مطلق دون أدني معارضة. لكن مع استمرار وصمود المحتجين ضد الانقلاب وكذلك استمرار الجزيرة في نقل فعاليتهم وصوتهم إلى العالم، فلن يستطيع الانقلابيون فرض إرادتهم. ايلاف