د. فهد بن سعد الجهني علمُ التاريخِ ومنه علمُ التراجم ،بمعنى: ذكر سيرِ العلماء والنبلاء والفقهاء والشعراء والأدباء والخلفاء ،وغيرهم ممّن له أثرٌ أو بصمةٌ في تاريخه ،علمٌ جميلٌ ومفيدٌ وممتع للغاية ، يقول الأديبُ المِصري الكبير الرافعي رحمه الله(إن كتب التاريخ ضربان: ضربٌ تقعُ العنايةُ فيه بذكر الملوك والحروب ونبأ البلدان والحوادث ..وضربٌ: يكون المقصدُ فيه بيان أحوال أهل العلم وفضلاء الرؤساء وأهل المقامات الشريفة والسير المحمودة ..) وقد عُني المتقدمون من أسلافنا أجزل الله لهم الرحمةَ والمثوبة بهذا النوع من التأليف، وأبدعوا والله أيما إبداع! ومن أبرزهم مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله في موسوعتهِ الفريدةِ الماتعةِ العظيمة(سِير أعلام النبلاء) والذهبي كان آيةً في سعة المدارك والمعارف والاطلاع على أحوال الناس ، وما أجمل ماوصفه به تلميذه تاج الدين السبكي في طبقاته حيث قال عنه(أستاذنا أبو عبدالله فبصرٌ لانظير له إمام الوجود حفظا وذهبُ العصرِ معنى ولفظا،كأنما جُمعت الأمةُ في صَعيدٍ واحدٍ فنظرها ثمّ أخذَ يُخبرُ عنها إخبارَ منْ حضرها ) طبقات السبكي(9/101) وهو كتاب في نظري يعدُّ مدرسةً ومَعلماً ومُعلِّمِاً في الإنصاف والعدل في حق أهل العلم والفضل مهما كانت درجة الخلاف معهم! ومن كتب أهل العصر الموسوعة العظيمة (الأعلام) للأديب السوري الكبير خير الدين الزركلي رحمه الله، وكنتُ أحسبُ أن هِمَم أهلِ هذا الزمان والأوان فترتْ عن الخوض في هذا المهيع الواسع والذي يحتاج لسعة مدارك ومعارف وجهد علمي كبير ، حتى شرفتُ وسَعِدتُ بإهداءٍ عزيز من عالمٍ عزيز وفي نوعٍ من التأليف عزيز! وأعني تلك الموسوعةَ التاريخية الفريدة في بابها (تاريخُ أمةٍ في سِيَرِ أئمة) لمؤلفها وجامعها معالي شيخنا الحبيب والأديب د.صالح بن عبدالله بن حميد وفقه الله وشكر له هديته وقد طُبع هذا المُصنف في خمسة مجلدات احتوت على 2256صفحة! ترجمَ لطبقةٍ غاليةٍ كريمةٍ هم كحبات اللؤلؤ المنثور على صفحات التاريخ، ترجمَ لأئمة الحرمين منذ الإمام الأول والسيد الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه! يقول الشيخ صالح (قد جعلتُ الكتاب على قسمين:الأول: في تراجم أئمة المسجد الحرام،ومن فروع هذا القسم: من حجّ بالناس وأئمة التراويح ومنْ نابَ في الإمامةِ أو الخطابة ، والثاني:في تراجم أئمة المسجد النبوي ...) والكتاب مشحون بالفرائد والفوائد والغرائب والنُكات وجديد الأخبار والمعلومات،ومن لطائف الكتاب: تتبعه لعوائل وأسر علمية نبيلة كان لها حضور كبير في إمامة الحرم المكي ولعقودٍ طويلة من الزمان،من أمثال:بنو الفاسي،وبنو ظهيرة وبنو فهد ،ومن أشهرهم الطبريون المنتسبون إلى مدينة طبرية بالشام،واستمر وجودهم عشرة قرون من القرن الثالث الهجري وحتى الثالث عشر! ومن ذلك أيضاً : كثرة من يعينون للخِطابة في الحرم في الوقت الواحد حتى أن الواحدَ منهم لا تصل نوبتَه إلا بعد سنة!! وهذه الموسوعةُ فوق مقصدِها وموضوعِها الرئيس (تراجم الأئمة ) إلا أنها تحكي في ثنايا هذه التراجم واقعاً علمياً واجتماعياً وفكرياً يمكن الإفادة منه،ويمثل مادة خصبة ثرية للباحثين. لقد خدم الشيخ صالح بن حميد العلمَ والباحثين وخدمَ تاريخ الحرمين وأئمته خدمةً علميةً غير مسبوقةٍ على هذا النحو ، فجزاه الله كل خير على هذا المُؤّلف الماتع العظيم ولوقدّرَ اللهُ والتقيتُ معالي الشيخ لأخبرتُه بفوائد وفرائد اقتنصتُها ووجهات نظرٍ دَونتُها! وآمل أن يأخذَ الكتابُ حقّه، ويُقدَّرَ قدْرَه، في العناية والنشر والاهتمام. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (67) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة