بيروت- نعيم محمد أكد رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني خلدون الشريف أن «الأصولية» الموجودة في عاصمة الشمال طرابلس وجدت لتواجه «الأصولية الإيرانية» في لبنان ولو اختلف الشكل والمضمون، خاصة أن الشعور بالمظلومية لناحية أن متطرفاً آخراً يقف على الضفة الأخرى يولد تطرفاً، مشيراً الى أن الشبان الذين قتلوا في سورية ذهبوا بناء على قناعات شخصية، وهم كانوا يعتقدون أنهم يقاتلون قوى الظلم والطغيان، لذلك يعرفون انهم «مشاريع شهادة». وقال الشريف في حديث خاص ل «النهار» أن حكومة نجيب ميقاتي باقية لعدة أسباب: أولاً، هناك صعوبة في تشكيل حكومة جديدة في حال رحيلها. ثانياً، في حال استقالة الحكومة، فإنها ستكلف تصريف الأعمال، وبالتالي لن تستطيع إجراء الانتخابات النيابية. ثالثاً، إذا تحولت الى حكومة تصريف الأعمال، يصبح عندها اتخاذ القرارات المهمة مستحيلاً. رابعاً في سبيل التوصل الى صيغة لتأليف حكومة جديدة تجري الانتخابات وفق قانون يتفق عليه، مؤكداً أن الحل يكمن بالاتفاق على قانون انتخابات جديد يؤدي الى ولادة حكومة جديدة يكون من أولوياتها إجراء الانتخابات، خاصة أن « 15 عاماً من الحوار أفضل من 12 ساعة حرب». وأشار الشريف الى أن الوضع في سورية « خطير جداً»، والصراع أصبح متكافئاً سلباً، لذلك فإن بلاد الشام دخلت فعلاً في آتون الحرب الأهلية، مؤكداً أن الأفق العام لأي صراع عسكري يكمن بالتسوية السياسية، لذلك يجب أن تتوقف المعارك في سورية، وأن يجلس الجميع على طاولة الحوار السياسي للوصول الى نتيجة سياسية معينة، خاصة أن الرئيس الأميركي باراك اوباما تعهد بأن عهده لن يحمل أي حرب جديدة... وفيما يلي نص الحوار كاملاً: يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري أن لبنان يتحول الى عصفورية. وتداعيات مقتل عدد من الشبان الطرابلسيين في سورية ما زالت مستمرة. وقوى 14 آذار تريد رحيل الحكومة. أي واقع يعيشه لبنان حالياً؟ لبنان دخل في مرحلة يمكن وصفها ب «الخطيرة جداً»، خاصة أن الغيوم السوداء التي تجمعت في سماء هذا البلد الصغير بدأت تنهمر مطراً من هنا وهناك. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي استطاعت أن تجنب لبنان ما كان مخططا له منذ زمن طويل، وبالتالي تمر في لحظة تحدي لناحية هل تستطيع الاستمرار في الحفاظ على السلم الأهلي المهدد أصلاً بكل أنواع التوتر المذهبي والطائفي والمناطقي أم لا. لغاية الآن، فإن الحكومة العتيدة تمرر كل قطوع على حدى، لكن ماذا يخبئ لنا المستقبل؟ لا أعرف. لماذا وصل لبنان الى هذه المرحلة المهترئة كما يصفها البعض؟ ومن أين أتت هذه الغيوم السوداء التي تتحدث عنها؟ لبنان وصل الى هذه المرحلة المعقدة سياسياً وأمنياً بسبب الظرف الإقليمي الحساس الذي تمر به كل منطقة الشرق الأوسط. لبنان لا يملك حدوداً إلا مع سورية، وبالتالي فإنه الأكثر تأثراً بما يجري في بلاد الشام حالياً. الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يردد دائماً بأن «لبنان لا يحكم من دمشق، ولا يحكم ضدها»، لذلك فإن ما تشهده سورية من صراع تحول مع الزمن من صراع سياسي الى صراع مذهبي وطائفي يستجر توترات مذهبية وطائفية ليس فقط في لبنان بل في كل المنطقة. من يعمل برأيك على جر لبنان حالياً الى صراع مذهبي وطائفي؟ من يعمل على إشعال الصراع المذهبي والطائفي أو الفتنة «الشيعية- السنية» تحديداً هم أعداء البلد. منطقة الشرق الأوسط برمتها تتجه نحو صراع مذهبي وطائفي، وهو ما حذر منه الملك عبدالله الثاني عندما تحدث عن «الهلال الشيعي». كيف قرأت مقتل عدد كبير من الشبان الطرابلسيين في سورية؟ والى ماذا يؤشر هذا الأمر الخطير؟ هؤلاء الشباب ذهبوا للقتال في سورية بناء على قناعات شخصية، وهم يعتقدون أنهم يقاتلون قوى الظلم والطغيان، وبالتالي يعرفون أنهم «مشاريع شهادة»، وهو أمر يحدث حالياً في معظم بلدان المنطقة العربية بدء من العراق وليبيا مروراً بتونس وصولاً الى سورية وأفغانستان. من الطبيعي أن يؤدي الإحتقان الذي يعيشه لبنان على كل المستويات منذ فترة تحديداً الى هذه النتيجة. من يعمل أيضاً على إرسال الشبان للقتال في سورية؟ وهل هناك جهة حزبية تقف وراءهم؟ بصراحة، لا أعرف. ما تداعيات «كمين تلكلخ» والتخبط الحاصل حول أعداد القتلى والجرحى والمفقودين على عاصمة الشمال طرابلس؟ الوضع في طرابلس متأزم ومتوتر، وكل الأمور واردة. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والجيش اللبناني والقوى الأمنية تتابع الأمور ساعة بساعة في طرابلس، وتواكب ما يجري على الأرض عن كثب، وبالتالي تحاول إطفاء النار الملتهبة، في حين أن القوى السياسية الأخرى أو قوى 14 آذار تعمد الى رفع مستوى التوتر في المنطقة، خاصة بالنسبة للخطاب العالي النبرة الذي صدر في المهرجان الذي أقامته هذه القوى في ذكرى مرور 40 يوماً على استشهاد اللواء وسام الحسن. هل تنتقد دور تيار «المستقبل» في طرابلس تحديداً؟ وهل الأمور ستصل الى ما لا تحمد عقباه؟ دور تيار « المستقبل» في طرابلس حالياً « سلبي» للغاية. الخوف من تطور الأمور الميدانية في طرابلس موجود دائماً، وأنا أردد دائماً بأن «الحفلة» لم تنته بعد. ما يجري في عاصمة الشمال بين باب التبانة وجبل محسن مرتبط الى حدٍ كبير بما يحصل في سورية، خاصة أن ردة الفعل على مقتل عدد من الشبان اللبنانيين في سورية حصلت على الأراضي اللبنانية، وبمعنى آخر، هناك ربط مباشر لمحور باب التبانة- جبل محسن بالمحور السوري، وبالتالي عندما تنتهي الأمور في سورية ستنتهي الأزمة في طرابلس. وماذا بالنسبة إلى تسجيلات النائب عقاب صقر التي أكدت تورطه في الأزمة السورية؟ ولماذا رد ميقاتي بالقول «يحق لصقر أن يفعل ما يحلو له»؟ عقاب صقر يتحمل المسؤولية في هذا الخصوص. أما بالنسبة الى رد نجيب ميقاتي عليه، فالنائب غير متواجد على الأراضي اللبنانية، وبالتالي ليس للبنان الرسمي مسؤولية عن هذا التصرف. الحكومة اللبنانية أقرت في إحدى جلساتها تطبيق سياسة «النأي بالنفس» عما يجري في سورية، في حين أن تيار «المستقبل» يتهرب مما قام به صقر، لذلك يجب وضع هذا الأمر في سياقه الطبيعي. لماذا لم ينجح لبنان في تطبيق سياسة «النأي بالنفس»، وبالتالي يعمد الى التدخل في شؤون غيره؟ هناك العديد من القوى السياسية اللبنانية لا تطبق هذه السياسة، في حين أن «الصح» يفرض عليها التقيد بما أقرته الحكومة، واحترام «إعلان بعبدا». من يُمسك حالياً بالوضع اللبناني الذي يسير نحو «الهاوية» كما يؤكد البعض؟ أولاً، من الجيد وجود حكومة في لبنان بغض النظر عن توافق أو إختلاف الشعب اللبناني حولها، وبالتالي هناك قدرة حكومية على اتخاذ القرارات المناسبة في اللحظة المناسبة. ثانياً، هناك إجماع دولي على ضرورة تجنيب لبنان الإنزلاق الى صراع مع سورية. ثالثاً، إن التوتر المذهبي والطائفي في لبنان مغطى بأفق سياسي، لذلك نراهن على وعي القوى السياسية لناحية حماية البلد من الفتن. تتحدث عن وعي القوى السياسية اللبنانية في حين أن المعلومات الصحافية تؤكد تغلغل الأصولية في بعض المناطق؟ الأصولية الموجودة في طرابلس مثلاً وجدت لتواجه الأصولية الموجودة في مكانٍ آخر أو بمعنى آخر «الأصولية الإيرانية» ولو اختلف الشكل والمضمون. التطرف لا يجر إلا التطرف بغض النظر عن الموقف والنظرة السياسية، والشعور بالمظلومية لناحية أن هناك متطرفاً آخراً يقف على الضفة الأخرى، يولد تطرفاً. ألا يعرف حزب الله هذه الحقيقة المرة؟ وكيف يمكن تجنيب البلد المواجهة بين هاتين «الأصوليتين» كما وصفتهما؟ حزب الله يعرف هذه الحقيقة، وهو موضوع يتطلب حواراً بناءً بين أبناء الشعب اللبناني لناحية كيفية تقديم تطمينات للبنانيين جميعاً على قاعدة أنهم متساوون في الحقوق والواجبات. تطالب بالحوار الوطني في حين أن قوى 14 آذار ترفض الفكرة أساساً؟ قوى 14 آذار مخطئة في هذا الخصوص. وزير خارجية الاتحاد السوفييتي السابق غروميكو كان يقول « أن 15 عاماً من الحوار أفضل من 12 ساعة حرب». بالنسبة لقوى المعارضة، فإن الأمور تتبلور إيجاباً لناحية موافقتها على عقد إجتماع اللجنة التي ستدرس قانون الانتخابات النيابية في منزل أحد نوابها، وهو طرح جديد قد يؤدي الى فتح «الباب» مجدداً. هل أفهم من حديثك بأن قوى 14 آذار ستوافق في النهاية على الجلوس الى طاولة الحوار الوطني على الرغم من ربط الموضوع باستقالة الحكومة؟ لقد وصلنا الى مرحلة محددة تتطلب درس قانون الانتخابات النيابية في المجلس النيابي، لذلك إذا استطاع الأخير التوصل الى صيغة ترضي كل الأطراف في لبنان، يصبح الأمر سهلاً للغاية. أما إذا توافقت القوى السياسية على قانون عصري على أساس تشكيل حكومة حيادية جديدة غير مرشحة للانتخابات، فإن حكومة ميقاتي جاهزة للرحيل. ذكرت أنه من الجيد وجود حكومة حالياً في حين أن قوى 14 آذار تريد رحيلها بأي ثمن. هل الحكومة باقية حتى موعد الانتخابات النيابية؟ حكومة نجيب ميقاتي باقية لعدة أسباب رئيسية: أولاً، هناك صعوبة في تشكيل حكومة جديدة في حال رحيلها. ثانياً، في حال استقالة الحكومة، فإنها ستكلف تصريف الأعمال، وبالتالي لن تستطيع إجراء الانتخابات النيابية. ثالثاً، إذا تحولت الى حكومة تصريف الأعمال، يصبح عندها اتخاذ القرارات المهمة مستحيلاً. رابعاً في سبيل التوصل الى صيغة لتأليف حكومة جديدة تجري الانتخابات وفق قانون يتفق عليه. برأيك، لماذا اتخذت قوى 14 آذار هذا الموقف السلبي من حكومة ميقاتي، خاصة بعد اغتيال اللواء وسام الحسن؟ لم يسبق أن تم تسييس عملية اغتيال على غرار عملية اغتيال اللواء الشهيد الحسن الذي كان الغائب الأكبر في معظم تصريحات قوى المعارضة النيابية خلال المهرجان الذي أقامته في طرابلس مؤخراً. استطراداً، على ماذا تراهن قوى 14 آذار؟ على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد مثلاً؟ أم على متغيرات معينة في المنطقة؟ ما الذي سيتغير في لبنان في حال سقوط الأسد أم لا؟ وهل سقوط الرئيس السوري سينعكس إستقراراً على سورية خلال 24 ساعة؟ يجب تجنيب لبنان « السم» الذي يشربه كل جواره الآن. ما الحل للخروج من المأزق؟ الحل يكمن بالاتفاق على قانون انتخابات جديد يؤدي الى ولادة حكومة جديدة يكون من أولوياتها إجراء الانتخابات النيابية مطلع عام 2013، وبعد ذلك لكل حادث حديث. تتحدث عن الانتخابات النيابية وكأنها ستجري غداً، في حين أن بعض القوى السياسية بدأت تلمح الى تأجيلها أو إلغائها؟ يجب أن تجرى الانتخابات النيابية في موعدها، والحديث الذي يدور حالياً عن إمكانية إجراءها في يوم واحد ممتاز. أما بالنسبة الى القانون الانتخابي، فهو من مهمة المجلس النيابي. ما يقلقني هو ما يخبأ للبنان لناحية الدخول في آتون حرب أهلية جديدة نتيجة الصراعات العبثية التي لن تؤدي الى أي نتيجة، خاصة أننا جربنا الحروب في السابق. علينا أن نجلس حول طاولة الحوار الوطني في سبيل الاتفاق سياسياً على تجنيب لبنان أي معركة. أي قانون انتخابي سيقر في لبنان، خاصة أن قوى المعارضة تمتنع عن حضور الجلسات النيابية؟ ما زال لدينا متسع من الوقت، وهو ما أكده الرئيس نبيه بري. الانتخابات النيابية لن تجري وفق قانون العام 1960 بل وفق قانون أكثر تمثيلاً. كيف قرأت مواقف النائب وليد جنبلاط الذي تحمل الضغوط في سبيل عدم الخروج من الحكومة؟ ما ذكرته منذ بداية حديثي حول ضرورة الحوار الوطني والاتفاق السياسي بين القوى اللبنانية مستمد من قراءة جنبلاط، خاصة أن نتيجة الدخول في حرب جديدة سيكون مؤلماً على الجميع. «زعيم المختارة» رفض الخروج من الحكومة والدخول في الفراغ والصراعات، لذلك هو متمسك أكثر من غيره بالإستقرار والسلم الأهلي. وماذا بالنسبة الى الوضع في سورية؟ وهل دخلت بلاد الشام في آتون الحرب الأهلية؟ الوضع في سورية «خطير جداً»، والصراع أصبح متكافئا سلباً، لذلك فإن بلاد الشام دخلت فعلاً في آتون الحرب الأهلية. في ظل كل ما تقدم، كيف ترى مستقبل المنطقة ككل؟ وماذا عن لبنان؟ الأفق العام لأي صراع عسكري يكمن بالتسوية السياسية. يجب أن تتوقف المعارك في سورية، وأن يجلس الجميع على طاولة الحوار السياسي للوصول الى نتيجة سياسية. لقد تعهد الرئيس الأميركي باراك اوباما بأنه لن يحمل عهده أي حرب جديدة، وبالتالي لا يهتم بمن سيربح أو سيخسر، في حين أن الموقف الروسي يتطور في سبيل الوصول الى تسوية. أما بالنسبة الى مستقبل لبنان السياسي، فهو مرتبط بأدائنا، والقواعد الوطنية التي نخضع لها، وبالتالي كلما نأينا بأنفسنا عن الصراعات كلما حمينا لبنان.