من حديث عن الدخول في محادثات سرية إلي تهديدات بقرب ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المشروع النووي الإيراني. ومن التلويح بتنازلات إلي إظهار التشدد في المواقف أمام العالم في منتدي سابان للسياسات الأمريكية الإسرائيلية الأسبوع الماضي في واشنطن, حددت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية خريطة الطريق للتعامل مع طهران كما لو كانت تفكر الإيرانيين أنهم يواجهون جبهات عديدة مفتوحة, فقد اسهبت في تحميل النظام الإيراني مسئولية العنف في المنطقة من تهريب الصواريخ إلي قطاع غزة إلي مساندة نظام الأسد المسئول عن مقتل الآلاف من السوريين مرورا بالقطع بالمسئولية عن تهديد أمن إسرائيل, حيث مازالت هيلاري كلينتون تؤكد أن أمريكا لا تعمل من خلال إستراتيجية الاحتواء تجاه إيران ولكنها تعتمد اليوم سياسة المنع وأن اوباما في مستهل فترته الثانية في يناير المقبل لن يقبل المراوغة أو تمتد المساومة مع حكومة طهران إلي أمد غير معلوم. وفي مسعي واشنطن لاستمرار تطويق التحالف الدولي المؤيد للعقوبات المشددة الحالية ضد إيران التي ضربت اقتصادها المحلي بعنف في الشهور الأخيرة, تنتهج الدبلوماسية الأمريكية إستراتيجية التخويف من اتساع الفوضي العالمية التي تتبناها حكومة أحمدي نجاد بلعب دور في الصراعات الداخلية في مختلف دول الشرق الأوسط ورعاية عمليات إرهابية ضد أمريكا وحلفائها كما تستمر الولاياتالمتحدة في اتهام نجاد بإفشال كل جهود التقارب والحوار التي دعا إليها الرئيس باراك أوباما في العامين الأولين من حكمه. وقد اتفق السياسيون الأمريكيون والإسرائيليون في اجتماعاتهم ولقاءاتهم بوسائل الإعلام علي هامش المنتدي علي أن واشنطن وتل أبيب لم تصلا بعد إلي نتيجة مفادها أن إيران ترفض التعاون تماما بشأن برنامجها النووي وأنه مازالت هناك طاقة صغيرة يمكن أن تحقق قدرا من التقدم في المحادثات التي تقودها مجموعة(5+1) الخاصة بالاتصال مع طهران قبل أن يقرر الجانبان الأمريكي والإسرائيلي أن العمل العسكري بات حتميا وأن إسرائيل يمكن أن تشرع في ضربة للبرنامج الإيراني. وكانت تقارير قد تحدثت في الأيام الأخيرة عن عمليات تجسس أمريكية واسعة ضد مفاعل بوشهر في غرب البلاد وهو ما دفع طهران للتقدم بشكوي إلي الأمين العام للأمم المتحدة قبل أسبوعين عن اختراق طائرات أمريكية بدون طيار لمجالها الجوي. وفي خط مواز لعمليات التجسس لجمع أكبر قدر من المعلومات عن القدرات النووية الإيرانية, يزيد الكونجرس من ضغوطه بقرار جديد لجولة ثالثة من العقوبات المشددة ضد طهران تطول قطاعات جديدة إلا أن الإدارة الأمريكية ترفض تشديد العقوبات في الوقت الحالي وتري أن الجولة الثانية من العقوبات نجحت في ضرب الاقتصاد الإيراني في مقتل, ويقاوم البيت الأبيض نزعة الكونجرس خشية انفراط عقد التحالف الدولي المؤيد للعقوبات والتي قللت من صادرات البترول الإيراني بمقدار مليون برميل يوميا وهبطت بقيمة العملة إلي ما دون نصف قيمتها قبل عام. السيناريو القائم لعدة سنوات علي حاله: عقوبات متصاعدة ومطالبات أمريكية بإجراءات إيرانية لبناء الثقة والدخول في مفاوضات جادة والجديد هو التطورات الإقليمية التي يمكن أن تدفع إيران إلي سيناريو صدامي عنيف في حال دفاعها عن سقوط الأسد في سوريا بالتورط في حرب أوسع نطاقا يكون رأس حربتها حزب الله اللبناني ومواجهات في الخليج العربي علي خلفية الاتهامات الأمريكية المتواصلة لطهران بالتورط في إثارة القلاقل في اليمن والبحرين مؤخرا.. أو تتجه إلي سيناريو تصالحي ترضي من خلاله بتراجع المكانة الإقليمية في منطقة الشام وخسارة الحليف الأهم في العالم العربي في مقابل تسويات مع الولاياتالمتحدة بشأن البرنامج النووي وتخفيف العقوبات الدولية لتجنب صراعات داخلية يمكن أن تضرب عصب النظام لو استمر تراجع الاقتصاد الإيراني إلي مستويات لا يمكن للسلطة أن تحتوي اثارها السلبية. التوقعات الحالية في واشنطن بعد انحسار المواجهة بين إسرائيل وحركة حماس التي كانت إيران تأمل أن تشتت الانظار عن الوضع في سوريا تدور حول بقاء مساحة للمناورة بين واشنطنوطهران بسبب الحرب الراهنة في سوريا ومحاولة الحكومة الإيرانية عقد صفقات في المرحلة الأخيرة من حكم الأسد تضمن مكانة حزب الله في لبنان.. والأرجح هو استخدام القنوات الخلفية من أجل تحقيق مكاسب تحفظ للنظام ماء وجهه في مواجهة ضغوط الداخل مقابل تقديم تنازلات معقولة بشأن البرنامج النووي.