لم يكن صباحاً عادياً الذي حمل خبر وفاة الملازم أول طارق الشحي، كان صباحاً جديراً بالحزن والألم والقسوة التي تركها رحيله في قلوب أبناء الإمارات، كم تبلغ إذاً مسافة اللحظة بين انقباضة القلب الأخيرة وإغماضة العين إلى الأبد، التي أقام إثرها كل إماراتي في قلبه جنازة لوفاة الشحي؛ إذ إن طارق لم يكن ضابطاً عادياً يرسم صورة صادقة في أداء الواجب الوطني عبر رسالة الإمارات في الدفاع عن الأشقاء والأصدقاء في البحرين فحسب، بل كان فارساً امتطى صهوة جواده البطولي وشهر بندقيته في صدر من يعيشون خارج التاريخ وعند أطراف الجغرافيا، في صدر جماعة عشّش الجهل في سكناتهم وحركاتهم ويقظتهم ومنامهم بعد أن جبلوا على تلوين الحياة بلون الدماء، مستغلين تقلبات الطقس البشري وسذاجة عقل شباب إلى الهاوية يجري. منذ أن رحل طارق عن دنيانا وأنا أرصد الموقف عبر الصحف وشاشات التلفاز، فرأيت كيف تحلقت حول بيته أسرته الكبيرة من شعم إلى السلع في صورة معبرة عن الترابط الإماراتي الأسري البديع، إلا أن صورة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالأمس القريب وهو يطبع قُبْلَة على جبين نجل الشهيد طارق الشحي استوقفتني وأشهد الله سبحانه وتعالى أن عيني اغرورقت بالدموع وأنا أرى المثل والقيم الفاضلة التي ربى عليها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد عياله تجسدت في هذه الصورة والتي تكررت من سموّه ومن أصحاب السموّ إخوانه في مواقف عدة ما بين الجلوس بين يدي شيخ مسن، أو مداعبة طفل بريء، أو عيادة مريض، كلها صور تتحدث عن الإنسانية المجسدة في سموّه وإخوانه وهذا ما جعلني أقف أمامها كثيراً؛ لأنها استبدلت بمشاعر الحزن والألم التي استولت على قلوب أسرة الشهيد مشاعر لها فعل السحر أضاءت القلوب الملتاعة، وأنارت الأفئدة الحزينة. ولم لا؟ وهو ابن زايد صانع القيم والمثل العليا في جهات الأرض الأربع، زايد حكيم العرب مؤسس المجد والجود والكرم، لم لا؟ والحكايات التي تُسرد وستظل عن زايد الخير ها هي مكارم نيرة يُجسدها عياله اليوم، وها هو محمد بن زايد طينته حرة وعرقه كريم ومغرسه طيب ومنشؤه محمود، غذي في النعمة وعاش في الغبطة ونهل من التأديب، وخامره الأدب وجرى فيه ماء الحياء فأصبحت أفعاله كأخلاقه وأخلاقه كأعراقه. ها هو يذهب إلى شعم حيث مسقط رأس طارق الشحي ساعياً إلى انتشال أهله من معاناتهم وآلامهم، مشيداً بكرم خلقه ونبل أصله وسعة أفقه بيتاً من الحب والود، ليؤكد أن البيت متوحد، وها هي الصور المبهرة التي لا تعد ولا تحصى تتوالى من عيال زايد في كثير من المواقف التي تنم عن التفاني في إنسانيتهم من أجل إشعار الآخر أن البيت متوحد من السلع إلى شعم. ها هم تجدهم قناديل تضيء المكان باتجاه صناعة المجد بجرأة الأفذاذ، ساعين لتعطير القلوب بعبق الحنان الأبوي والأخوي، بل بشمائل أهل الخير والجود والكرم، فلا يحلون في مكان إلا ويكتسي بحلل البهجة والأمل، فلا يتوارى القمر صباحاً، ولا تغيب الشمس مساء، لأن الحوار بين القيادة متمثلة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات والشعب حوار الأهل والعشيرة حتى تجاوزوا بأفعالهم وكريم خصالهم الزمان والمكان، لذا فإن العطاء الإنساني يكون مردوده إنسانياً أيضاً، لا يقل جمالاً وإبداعاً، وكل يوم وراء يوم يُصبح الفعل الإنساني لأبناء زايد جزءاً من شخصياتهم يلبسهم ويلبسونه فأصبح كل واحد منهم زايداً اسماً وفعلاً وسلوكاً. نعم، عيال زايد هم أجمل الكواكب المعلقة في سماء أحلام أبناء الوطن فهم الذين يُعطون للهواء الكثير من رقته، وللإنسانية الكثير من لمعانها، وللمكارم الكثير من بريقها. بعد أن أمعنت النظر في صورة محمد بن زايد وهو يطبع قُبلة على جبين نجل الشهيد الشحي، وأنا لا أملك سوى القلم نوراً ونبراساً أقول لسموه شكراً؛ لقد صنعت بكريم فعلك عناقيد فل مرصعة بكلمات المواساة الصادقة النابعة من القلب الكبير حول عنق نجل الشهيد، بعدما سمعت همسات قلوب أسرته، كلمات تُنبئ عن التواصل الفكري والعاطفي. شكراً محمد بن زايد كلماتك تراتيل اندلعت في صباح البيت المتوحد، قبلة محمد بن زايد لو توقف كل فرد في أي مكان وأي زمان أمام ما تحمله من معان عظيمة وطبقها في حياته لتغير وجه الكون. إنها قبلة تعني أن قلوب عيال زايد تبقى عامرة بالحب وأفئدتهم بالمشاعر الجياشة، وعقولهم متقدة صوب تقديم كل ما يُسعد أبناء شعبهم. وها هي قلوب أبناء الإمارات تبتهج وتنطق حمداً وشكراً لله أن جعلتنا إماراتيين نحب وطننا، نحب قيادته منذ لحظة استقبال حضنه الدافئ لوجودنا الأول، وها هي الإمارات.. حب وعطاء لا حدود له، ولا ثمن ولا مقابل يجزيه، ها هي الإمارات.. تآلف وتراحم وحرص ومودة من القيادة للشعب، هذه هي مفردات الأسرة الإماراتية الواحدة في البيت المتوحد. حييتم عيال زايد في كل خطوكم، ورعاكم الله في عمر مديد، وهنيئاً لكم حضن وطنكم وحب أهلكم وشعبكم، فقد عرفتم كيف تبادلونهم حباً بحب وحناناً بحنان، ووفاء بوفاء لأسرة مساحتها وطن اسمه الإمارات. The post قبْلَة محمد بن زايد تجاوزت حدود الزمان والمكان appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية