لا ندفن رؤوسنا في الرمال، ونهرف بما لا نعرف، من الأفضل لنا أن نفكر في كيفية تفادي الخطر، ولكن عبارة: (هذه القضية لا ترتقي إلى كونها ظاهرة)، عبارة بعيدة عن الواقع، والسؤال المطروح: تُرى ما الذي يجعل تفكيرنا وعقولنا تُشدِّد على أن الابتزاز ليس ظاهرة؟! والجواب: أن هناك حلقة مفقودة قلّما تنبّهنا لها، وهي: أن من يقول إن هذه القضية ليست ظاهرة، يعيش انغلاقًا، ولم يُدرك، بل لم يفقه بأنه بدأت بوابات الشفافية والمكاشفة، والصراحة والحوارات الجادة، كل ذلك جسور وقنوات تجعل من تفكيرنا؛ ينطلق نحو طروحات للمصلحة العامة، فهذه القضية تحتاج إلى جدية وقوة وجرأة، وهذه الجدية تكمن في الطرح الذي يستند إلى الثقة، وثوابت بعيدًا عن النظريات.. هذه القضية أصبحت ظاهرة، فنزوات الساقطين في الشهوات والمتحرشين والمبتزين تصل بهم إلى الدونية والحضيض، ونحن نقرأ بين الفينة والأخرى عبر الصحف والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي عن قضايا ابتزاز، ثم يخرج علينا من يقول: إن هذه القضية لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة. ومن هنا لا بد من سن قانون مُلزم يُحرِّم ويُجرِّم الابتزاز، وكنت قد قرأت قبل مدة تحقيقًا موسعًا بصحيفة الوطن عن قضية الابتزاز الإلكتروني.. جريمة متصاعدة، وطالعتُ في ثنايا التحقيق نماذج لآلية الابتزاز، كما فتحت عكاظ الملف مشكورة الشهر الماضي وقد حمل عنوان: "الابتزاز.. جريمة أخلاقية وفوضى تقنية".. فمن يقول إن قضية الابتزاز ليست ظاهرة؛ عليه أن يرجع إلى هذا التحقيق (عكاظ – الجمعة 21 ربيع الآخر 1435ه). وبما أن الابتزاز جريمة، بل هو من الجرائم الخطيرة، ولأنها أصبحت منتشرة بشكل كبير، وانتشار هذه الظاهرة بسبب تطور التقنية ووسائل التواصل، فتم مناقشة القضية بطريقة تستحق الإشادة – بداية أعجبتني كلمات الدكتورة "هيا عبدالعزيز المنيع"، وقد تناولت القضية من عدة جوانب.. تقول: إن ابتزاز الفتيات سلوك انحرافي بكل المقاييس، ويكشف عن ضعف الطرفين، معتبرة أن ضعف الفتاة هو المحطة الأولى التي ينطلق منها الشاب لابتزازها.. مشيرة إلى أن الابتزاز لا يأتي فجأة ويهطل كالمطر في الصيف من سماء الفتاة، بل تسبقه نسائم ومد وجزر، ثم تزداد الأتربة، فلا يرى أحدهما الآخر، وتتحرك حقيقة المشاعر وتنكشف الأقنعة، لتجد الفتاة نفسها وقعت رهينة سوء تقديرها للأمور.. انتهى. أجزم أن جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجاله لهم دور كبير في القبض على هذه الشرذمة.. ففي مقدمة التحقيق ورد الآتي: قبض مركز هيئة الأمر بالمعروف في حي السامر بجدة على شاب من جنسية عربية ابتز فتاة بعد حصوله على صورها ومقاطع فيديو خلال تواصلها معه في وقتٍ سابق عبر الواتساب، ومن ثم شرع في تهديدها بفضحها ما لم تُمكّنه من نفسها.. فتقدّمت الفتاة بشكوى خطيّة إلى رجال الهيئة بمركز هيئة السامر لتخليصها من الشاب المبتز، وبعد التحريات والتثبُّت من الشكوى، تم الإيقاع بالمبتز بالجرم المشهود، وتمت إحالته لجهة الاختصاص تمهيدًا لمحاكمته والتحقيق معه شرعًا.. انتهى. الحقيقة أن الهيئة عينٌ ساهرة تقف جنبًا إلى جنب مع رجال الأمن، ولديها وحدة مكافحة جرائم الابتزاز.. تقول الأخصائية الاجتماعية بقسم توجيه وإرشاد الأسر بمجمع الأمل "هيا العبيد": إن 88 % من قضايا الابتزاز تقف خلفها الفتيات، واقترحت على وحدة مكافحة الابتزاز توفير خط ساخن للوحدة.. وقالت: آخر الإحصائيات عن حالات الابتزاز المنشورة في موقع هيئة الأمر بالمعروف فاقت عدد الحالات الأخلاقية خلال 8 سنوات وبما يقارب الضعف.. انتهى. أخيرًا.. لا بد أن تتحرك المياه الراكدة، فالقضية أصبحت واقعًا واضحًا لا يمكن أن نتجاهله، ومن يقول غير ذلك يرى أنه يعيش في مدينة أفلاطون. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (54) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة