غرداية: تكاد تكون مدينة غرداية في الجنوبالجزائري بلا حياة، لان قلبها النابض متوقف منذ ثلاثة اشهر، وهو سوقها التاريخية، التي كانت مسرحًا لمواجهات مذهبية بين العرب السنة المالكيين والميزابيين الأباضيين. سوق غرداية، التي تعد معلمًا سياحيًا، ويعود تاريخها الى مئات السنين، بدت خالية الأحد والاثنين من أي حركة تجارية، بعدما كانت تنبض بالحياة، قبل اندلاع الأحداث الأولى في كانون الاول/ديسمبر. معظم محال العرب، وهي ليست كثيرة في سوق يسيطر عليها الميزابيون، تعرّضت للحرق. وكانت النيران ما زالت مشتعلة حتى مساء الأحد، ما استدعى تدخل الحماية المدنية لإخمادها. اشهر محل تعرّض للتخريب "متجر الرحالة"، الذي لم يتوقف عن العمل منذ 1950، وقد تحوّل الى حطام، كما صرح مالكه الحاج مبروك زهواني لوكالة فرنس برس. وقال "لا أغلق محلي إلا عندما تشتعل الأحداث، وبمجرد أن تهدأ أعود إلى فتحه... لكني هذه المرة فقدت المحل بما فيه". وأوضح أن زبائنه يقصدونه من كل المناطق الجنوبية الصحراوية للبلاد. فتجارته متنوعة، يبيع كل ما تيسر من الأواني المنزلية إلى الألبسة والأخذية، وهي حال معظم تجار السوق. أما صهره، ويدعى الصديق، وهو موظف في الحماية المدنية، فاستغل تواجد الدرك الوطني في المكان، ليقف على الخسائر التي لحقت بمصدر رزق العائلة. وأكد أن هذا المتجر من أقدم المحال في المدينة، وموقعه يجعل منه أهم محل في سوق غرداية، وقيمته تفوق 50 مليون دينار (حوالي 500 ألف يورو). في الشارع الرئيس وسط المدينة، شارع أول نوفمبر، حيث الغالبية العربية، كل المحال مغلقة، سواء كان اصحابها من المالكيين او الاباضيين. "بنو ميزاب لا يسكنون وسط المدينة، لكنهم يمارسون التجارة هنا فقط"، كما اكد موسى الموظف في البريد، وهو في الثلاثينات من العمر. يمكن بكل سهولة التعرف إلى محال "بني ميزاب"، فمنها ما تعرّض للحرق، وما بقي منها سليمًا بفضل التواجد الكبير لقوات الشرطة، كتبت عليه عبارة "إرحل" أو "هذا محل ميزابي". حتى بعض المقاهي، التي فتحت ابوابها صباح الاثنين، لا تبيع إلا الشاي، لأن مخزون القهوة نفد بعد اسابيع عدة من إغلاق محال الجملة في سوق غرداية، بينما اكد مالك مقهى أن لديه مخزونًا لاسبوع واحد فقط من القهوة. واكد احد ضباط الشرطة المتمركزين في شارع اول نوفمبر انه يعمل هنا منذ ثلاثين سنة، ويستطيع ان يجزم ان غرداية لا يمكن ان تستمر بلا تجارة. حتى ان ازدهار السياحة ناجم من ازدهار التجارة، لان الناس يقصدون السوق لشراء زرابي غرداية وحلي غرداية. اما المعالم السياحية في المدينة المصنفة في سجل التراث العالمي لليونيسكو فما كانت لتبقى لولا استقرار السكان فيها بفضل التجارة. ويقول استاذ الحقوق في جامعة غرداية صالح الشيخ، وهو ميزابي، ان الاحداث اكبر من غرداية وهناك طرف ثالث يحركها.والطرف الثالث بالنسبة إليه هي "الجماعات الاجرامية" التي يشكو منها الميزابيون كما العرب. وهي التي تسببت في غلق المحال وشل النشاط التجاري في المدينة بسبب كثرة الاعتداءات. وقال "نحن نشهد منذ عام كثرة الإجرام، لدرجة مقلقة، مثل سرقة المحال التجارية والدراجات النارية (500 دراجة نارية سرقت خلال 2013) وانتشار المخدرات مع ان هذه المنطقة معروفة بانها محافظة جدا". واوضح ان غرداية كانت "مركز عبور للمخدرات فتحولت الى مركز استهلاك". لكن بالنسبة إلى العرب، فان الحديث عن المخدرات "مفتعل" لأن المخدرات "موجودة في كل مدن الجزائر، فلماذا لم يحدث فيها ما يحدث في غرداية؟". وقال موسى موظف البريد ان "الصاق التهم بان المدمنين على المخدرات هم من يخربون المدينة غير صحيح. فالمخدرات موجودة في المدن الكبرى، وخاصة المدن الحدودية، اكثر من هنا، فلماذا لم تشتعل هذه المدن؟". وقال علي، الخمسيني سائق حافلة لنقل المسافرين "لقد تركنا لهم التجارة لعقود، ورحنا نعمل في الادارات او النقل كما هو حالي، ولما قرر بعضنا ولوج التجارة انزعجوا منا". علي كان يجهز نفسه ليل الاحد الاثنين لقضاء ليلة في حراسة حافلته وسيارات وشاحنات جيرانه في موقف للسيارات في حي مرماد. وحي مرماد هو الذي يقطن فيه الاشخاص الثلاثة الذين قتلوا مساء السبت في حي الحاج مسعود عندما اندلعت مواجهات بين العرب والميزابيين فسقط القتلى ابراهيم مطهري وعز الدين بن طالب ومحمد بكاي. وبذلك بلغ عدد القتلى منذ اندلاع الاحداث قبل حوالى ثلاثة اشهر ثمانية اضافة الى مئات الجرحى. ليل الاحد الاثنين بدا هادئا في غرداية سوى بعض المناوشات المتفرقة تعرض خلالها شرطي في شارع اول توفمبر للرشق بحجر اصاب ظهره ونقل الى مستشفى المدينة وحاله ليست في خطر، بحسب مصدر في الشرطة. لكن حالة التوتر ارتفعت الى درجة ان اعيان الشعانبة العرب رفضوا الاجتماع مع اعيان الميزابيين في حضور رئيس الوزراء ووزير الداخلية الاحد. وقال رئيس مجلس مؤسسات الشعانبة لوكالة فرنس برس "الظرف لا يسمح في الوقت الحالي بالاجتماع فلقد فقدنا ثلاثة شهداء".وغرداية هي عصب التجارة بالنسبة إلى كل جنوب البلاد الصحراوي وتجار المدن الجنوبية اصبحوا لا يتنقلون الى الشمال، حيث الموانئ الكبيرة التي تدخل منها كل السلع المستوردة ويتزودون من غرداية بوابة الصحراء الجزائرية. ايلاف