لم تكن حكومة رجب طيب أردوغان في أنقرة لتتدخل بشكل صريح، إلى جانب الميليشيات المسلحة في معارك شمال اللاذقية، لولا أن خيارات أخرى متاحة بين يديها، خاصة بعد الهزائم الاخيرة التي منيت بها الميليشيات المتشددة. دمشق (فارس) فما توضح من خلال استهداف المضادات الجوية التركية لطائرة مقاتلة سورية في أجواء الريف الشمالي للاذقية، وما سبقه من تغطية الهجوم الذي شنته الميليشيات المسلحة انطلاقا من يالاداغي، عبر سلاح المدفعية للجيش التركي، أن حكومة أردوغان أصبحت أكثر خشية من هزائم جديدة تسجل على لائحة الميليشيات المتشددة. فمثل هذه الهزائم، كما جرى في يبرود وقلعة الحصن، من شأنها على الصعيد الإقليمي أن تخسر تركيا ثقلا لناحية المهمات التي تقوم بها ضمن محور الحلف الغربي، وربما يكون الشمال السوري إذا تم تأمينه من جانب الجيش السوري، عاملا في حصر تركيا في موقف صعب تجاه حلفائها الغربيين من جهة، ومن جهة أخرى قطع يدها الداخلة في الحرب على سوريا، ما يؤدي إلى إنهاء تكليفها تجاه الملف السوري من الجانب الغربي. وآخر ما تنتظره حكومة أردوغان التي تواجه مشكلات داخلية، أدت لانحياز الرئيس التركي عبد الله غل عن تغطيتها، بسبب إجراءات القمع التي نفذتها مؤخرا، هو أن تفقد ثقلها على صعيد الملف السوري الأكثر سخونة في المنطقة، والأهم بالنسبة لمستقبل إقليم الشرق الأوسط، نظرا لما سيتحدد دوليا وإقليميا وعربيا على ضوء نتائج الحرب على سوريا. وفيما تعاني الحكومة التركية أثقالا اقتصادية، وفضائح فساد، واحتجاجات شعبية لا تهدأ رغم عمليات القمع، هذا إلى جانب عدم رضا غربي واضح من خلال التعامل مع تركيا من جانب الاتحاد الأوروبي، يبدو أن أنقرة التي حاولت إثبات أهميتها في الوجود على ساحة الصراع، لم يعد بين يديها لتقدمه سوى التدخل المباشر والصريح إلى جانب الميليشيات المسلحة حتى لو أفضى ذلك إلى حرب إقليمية. ومن رد دمشق عبر وزارة خارجيتها، بتوجيه أنقرة لعدم إدخال الجيش التركي في معمعة الميليشيات، يتضح تحذير مبطن من أن استمرار أنقرة بدعم الميليشيات من شأنه أن يفتح أبواب النار على المنطقة برمتها، وأن دمشق التي عانت منذ ثلاث سنين من عمر الأحداث، من تدخل استخباراتي ولوجستي من الجانب التركي في أزمتها، لا يمكن أن تسمح بوصول التدخل إلى هذا الحد. وإذا كانت الحكومة التركية لا تملك خيارات أخرى، والميليشيات في وضع سيء، فدمشق واضحة أكثر في هذا المجال، في أن لا خيار تتبعه سوى القضاء على المجموعات الإرهابية بدءا من مناطق تمركزها الرئيسية، خاصة التي تمثل منابعا للإرهاب وقاعدة لتمركزه فيها. وعلى سياق هذا التطور الجديد، فيبدو أن الحرب على سوريا دخلت مرحلة جديدة، مع مراعاة أن "اسرائيل" تحاول إيجاد منفذ للتدخل هي الاخرى من الجانب الجنوبي لسوريا، وربما تكون المرحلة الأخيرة التي سيضع فيها جميع الأطراف ثقلا غير مسبوق لتوجيه كفة الميزان فيها. /2926/ وكالة الانباء الايرانية