مواضيع ذات صلة د.عوض السليمان من نافلة القول إن الغرب تفرج على الشعب السوري وهو يقتل على مدار عشرين شهراً، ولم يحرك ساكناً لرفع الظلم عنه، قصفت بيوته بالبراميل المتفجرة، وغمست لقمته بالدماء، وذبح أطفاله بالسكاكين. ليس لم يحرك الغرب ساكناً فحسب، بل تصرف بأسلوب خبيث بحيث يطيل عمر نظام الأسد، بقصد إنهاك سوريا وتحضير البديل المناسب الذي يتمكن من خدمة الكيان الصهيوني على وجه الخصوص. اليوم تتغير الأمور على الأرض، فقد استطاع الجيش الحر أن يصل إلى دمشق ويسيطر على بعض أجزائها، وتتحرك قواته في الغوطة الشرقية كلها بمنتهى الحرية، وقد يستطيع السيطرة قريباً على مطار دمشق الدولي. أميركا بمخابراتها وأقمارها الصناعية، أدركت أن النظام السوري انتهى وأن الغلبة الآن للثوار، وأن النصر قريب لا محالة. ولما كانت هذه الثورة قد انتصرت وحدها دون مساعدة المجتمع الدولي، وبالتالي فلن يسمع الثوار أحداً، ولن يطيعوا أميركا أو غيرها أراد الغرب أن يدخل بسرعة على خط الثورة السورية ليكون له نصيب فيها ويستطيع التحكم بها. إشارتان واضحتان تؤكدان ما أذهب إليه، الأولى تصريحات كلينتون بأن الإدارة الأميركية تعتبر جبهة النصرة منظمة إرهابية. والغريب في هذا أن جبهة النصرة تقاتل جيش العدو الأسدي في سوريا، ولا تقاتل أميركا ولا تتعرض لمصالحها، ولا تهدد سفاراتها أو تستهدف مدنييها. وفوق ذلك فكيف تعتبر أميركا أن الأسد فاقد للشرعية ويقتل شعبه وتعتبر في الوقت نفسه أن الجبهة المدافعة عن الشعب السوري والمقاتلة باسمه منظمة إرهابية. ثم من أولئك الذين اشتكوا لأميركا من جبهة النصرة ومن تصرفاتها، وما المصالح العالمية أو الإقليمية التي هددتها هذه الجبهة أو اعتدت عليها. جبهة النصرة تفتح الأفران في سوريا من أموالها، وتوزع أكثر من عشرين ألف ربطة خبز يومياً، وتعالج المصابين، وترسل الحالات الخطرة على حساب أعضائها إلى خارج البلاد ليحصلوا على العلاج. وباختصار فإن الولاياتالمتحدة أرادت من هذا الإعلان، أن تستبق نصر السوريين الذي أسهمت فيه جبهة النصرة مساهمة فعالة، بطريقة تمكنها من التدخل عسكرياً وسياسياً حال سقوط النظام لتضمن مصالحها في البلاد من خلال اعتبار جبهة النصرة خطرا على مصالح أميركا في المنطقة. الحديث اليوم عن إرهاب جبهة النصرة معناه بشكل واضح أن الولاياتالمتحدة ستبدأ قريباً بالإشارة إلى إرهاب الجيش الحر كله، ثم ستقف ضده وتقاتله وتألب العالم عليه، فليس الجبهة في خطر بل الجيش الحر برمته, ولهذا وجب على قادة الكتائب جميعهم رفض هذه التصريحات واستنكارها. الإشارة الثانية، هي تلك التصريحات المحمومة التي تعبر عن الخوف من استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية. والحقيقة فإن الغرب يفضح نفسه بهذه التصريحات فهو يقول: إنه يجوز قتل الشعب السوري بالطائرات والمدفعية ويجوز ذبحه بالسكاكين ولكن ليس بالسلاح الكيماوي. قد يكون صحيحاً أنه لا يوجد أصلا لدى بشار الأسد أية أسلحة من هذا القبيل، وإلا لاستخدمها منذ اللحظة الأولى. وقد يكون صحيحاً أنه استخدمها في الخالدية وبابا عمرو في بداية الثورة، حيث غضت أميركا الطرف عنه. لكن الصحيح الثابت أن أميركا توحي للعالم أنها ستكون مضطرة للتدخل في حال الاقتراب من خطها الأحمر الجديد لحماية الشعب السوري، وما تريد بذلك إلا اختطاف الثورة من أصحابها. وأعتقد أن التقارير التي تنشرها الصحافة الأميركية حول تجهيز الأسد لغاز السارين، هي مقدمة ذلك التدخل، وقد توحي أميركا للأسد أن يفعلها ثم تنقلب عليه وتجد حجة التدخل. مرة أخرى لا نستغرب الأمر من أعدائنا، ولكننا نستغرب خاصة أن ائتلاف قوى المعارضة لم يصدر بيانا,واضحا حتى اللحظة يستهجن فيه تصريحات الإدارة الأميركية حول جبهة النصرة، وحول مغزى الحديث عن الأسلحة الكيماوية الآن, في الوقت الذي صمتت فيه أميركا عن تذبيح الشعب السوري كل هذه المدة.