GMT 0:05 2014 الأربعاء 26 مارس GMT 9:01 2014 الأربعاء 26 مارس :آخر تحديث محمد المزيني لم يحظ العرب منذ أن غزت الجيوش الإسلامية العربية الفرس وحتى يومنا هذا باحترام الفرس لهم، إذ احتفظت الأدبيات العربية بتلك النظرة الشعوبية الاحتقارية للعرب وكذلك الأدبيات الفارسية التي لا تزال تؤكد تميز العرق الفارسي، حتى وإن خبت في فترات تاريخية معينة فإنها متلبثة في ذهنيات كثير منهم، بل وقد تشربت قلوبهم هذه العداوة في شكل واضح مع صعود النجم الفارسي أو الشعلة الفارسية المندسة تحت عمائم وعباءات ملالي طهران اليوم، الذين لا يرون في عالمنا العربي إلا تاريخاً مليئاً بهزائمهم منذ معركة ذي قار الشهيرة وحتى اللطمة الأخيرة التي تلقوها في نزاعهم مع الجيش العراقي الصدامي، هذه التجارب المريرة علمتهم حكمة ضبط النفس الطويل، وعدم اقتحام الخصومات التي يثيرونها هناك في شكل مباشر، بل من خلال وكلاء يجند من أجلها قادة من ذوي الولاءات الخاصة والسرية جدا، حتى وإن تردد كثيراً استعداد إيران للدخول عسكرياً إلى العراق لحماية المالكي، مما يتعرض له - كما تدّعي - من ضغوطات خارجية وداخلية من أجل إسقاطه، إلا أن هذا يصادق عليه الواقع، إذ يحلو للإيرانيين دعم الميليشيات الأخرى للقيام بذلك نيابة عنها، وقد يجد بعض العرب المخدوعين من هؤلاء الوكلاء أو المنتمين إلى الجهاز المخابراتي الإيراني (السافاك) بالعمالة أنهم يؤدون أعمالاً عظيمة حتى لو أدى ذلك إلى سلخ المعنى الحقيقي لانتماءاتهم الطبيعية المرتبطة بالأرض والتاريخ، تستخدم إيران لذلك الحيل ذات الصبغة المنطقية لو أنها دولة ترعى حقوق الإنسان الحقيقي. كما أنها تجزل عطاءها وتغدق على أتباعها أموالاً طائلة لتحقيق مآربها ذات البعد الاستراتيجي وتحفر لها نفقاً يصل بها إلى عمق الجزيرة العربية بعدما أغلقت دونها الخريطة من جهاتها الشمالية والشرقية التي لا ترى فيها مطمعاً يحقق لها رغباتها التوسعية، مكتفية بتصدير الثورة شعاراً، أما من الجهتين الغربية والجنوبية فلا تتوقف من دون تحقيق مآربها بدعم لوجستي مباشر. وقد عزز ثقتها بنفسها دخولها لاعباً رئيساً في العراق من خلال لعبة الروليت الطائفي، حيث تلقى على رقعتها أشلاء الضحايا، مع علمنا الأكيد أنها ليست اللاعب الوحيد في هذا المضمار، إلا أن ما يميز اللاعب الإيراني قدرته - كما أسلفنا - على ضبط النفس، واستخدامه العمق المذهبي الطاغي على الأجندة العربية، وقدرته على التواري، أو بمعنى آخر التستر تحت عباءات الشيعة العرب عند أي إدانة قد تلحق به، وإيران في حال دائمة من الاستنفار والتمظهر الإعلامي لأنها الدولة الأقوى في الشرق الأوسط التي يجب أن يُحسب لها ألف حساب، يخدمها في تأكيد هذه الصورة المرعبة مفاوضاتها المستمرة مع الدول العظمى حول أنشطتها النووية وما لها هيبة ورعب في دول الجوار. لقد كشفت الأعوام المرة التي عصفت بعالمنا العربي النوايا الإيرانية المبيتة التي لا يجب التهاون بها، فإيران ذات النفَس الطويل تسعى إلى حفر جيوب لها في جسد العالم العربي بقوة النار من خلال تنمية الحس المذهبي باللعب على أوتار العاطفة الدينية، وشره القادة الدينيين إلى المال الذي تمنحه لهم بكرم مدروس، فكما استطاعت أن تؤسس قاعدة شيعية متينة في لبنان وتجعل لها كلمة طولى، فهي اليوم تسعى جاهدة لمحاولة إعادة الكرة مرات ومرات، غير عابئة بسيادة الدول والمخاطر التي ستنجم عنها من تدمير للإنسان ولقيم الحضارة ومعالم التاريخ، ولاسيما متى تعلق الأمر بعالمنا العربي، فالإيرانيون الفرس يكشفون عن وجوههم سافرة في طرق تعاملهم البشعة مع عرب الأهواز، سواء أكانوا شيعة أم سنة، تصل إلى التصفيات الجسدية العلنية. أدركت إيران جيداً منذ انطلاقة ثورتها أنها لن تتمكن من اختراق عالمنا العربي إلا من خلال «قم» وسيطرتها على النجف بكل مرجعياته لجعله في مرتبة تالية له، على رغم فشلهم الذريع بانتزاع الاعتراف بولاية الفقيه، حتى من بعض مراجعها الذين ألزمتهم الصمت بالقوة، هذا الفشل أوجد هوة من نوع ما في علاقاتها مع الشيعة العرب الذين أصبحوا اليوم يتحسسون عروبتهم ويمنحونها أولوية خاصة، وهو ما يسبغ عليهم ميزة اقترابهم من آل البيت - رضي الله عنهم - أكثر من ارتباطهم بملالي إيران الفارسية، وقد عبّر عن هذا التوجه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بمحاولته فتح حوار مع الدول العربية قائلاً: «لا أجد أذناً صاغية»، أمام هذا الخطر الداهم اتجه النظام الإيراني أخيراً بالضغط على الوتر الحساس والزج بالموالين في مواجهة مباشرة مع مخالفيهم بإلقاء التهم عشوائياً. كل ذلك كي لا يفقد ارتباطه بالصراع أو سيطرته على مكتسباته الجغرافية في العالم العربي. يحدث هذا في ظل تشتت عربي وتبدد الحلم بتأسيس قاعدة قومية عربية تنهض على وشائج اللغة والدم بين شعوبه، فكانت فرصة سانحة تاركة للتوجهات الثيوقراطية البرجماتية، التسلل إلينا وإحداث العطب في جسد أمتنا العربية. تتسع الفجوة من بعض ممارسات الدول العربية بتأسيس نماذج مذهبية مناطقية مماثلة فتورطت بها لتجد نفسها في مواجهة مع أنظمة دينية أخرى. إزاء هذا الخلل وللخلاص من تبعات الماضي المرتبط بالدين الممذهب فإنه من الأجدر بنا اليوم العودة إلى الداخل، أعني داخل أمتنا العربية، وترتيب الأوراق بمفهوم مختلف ينهض على مركزية اللغة أولاً واستثمار القيم العربية الأصيلة وصياغة الأنسب منها، وفق تصورات الدين الإسلامي وقيمه البنّاءة، ولن يتم ذلك إلا بتحريك الاتجاه المكي النجفي نحو الالتقاء كمحور قومي وديني وعرقي مشترك، للوقوف صفاً واحداً إزاء الانتهاكات الإيرانية المستمرة، وستكون اللغة الهُوية ذات الخصائص التي تعبّر عنها كقيم العادات والتقاليد المتينة ضمانة أكيدة لمجابهة هؤلاء الأغراب. ولتعزيز العلاقات بينها، والبحث عن كل القواسم المشتركة ذات الصبغة العربية في كل أقطار العالم ودعمها، والترويج لآدابها وثقافتها، فلن ننال الاحترام إلا بها. وبها سنقطع دابر كل الدخلاء. ايلاف