GMT 2:00 2014 السبت 29 مارس GMT 16:47 2014 الجمعة 28 مارس :آخر تحديث "ارتياب" هو عنوان الرواية الجديدة للروائي السعودي بدر السماري الصادرة عن دار أثر للنشر، وتمتد فصولها السبعة عبر 400 صفحة. حين قُدمت الرواية قبل شهرين، قُدمت بوصفها رواية تفتح نافذة للرواية النفسية الغائبة عن الرواية السعودية كما يُقال، إذ ترتكز ثيمة العمل على الأبعاد النفسية للأبطال، وكيف انعكست هذه الثيمات وظهرت بجلاء في صراعاتهم وعلاقاتهم العاطفية وكذلك النهايات. لتمنح القارئ عالماً مليئاً بالدهشة يبحث ما بين التفاصيل عن مكنونات ورغبات أبطال الرواية. كما تتميز هذه الرواية بالخوض في الحياة المحلية في السعودية بكافة تفاصيلها ومناحيها كافة، مكوَّنة نسيجاً روائياً متجانساً عبر تعدد الشخصيات والأبطال في الرواية، لتجمع كل أطياف المجتمع السعودي. هذه الرواية تعد الإصدار الرابع لبدر السماري بعد روايته المشتركة الأولى بعنوان: "ابن طرَّاق"، وكذلك مجموعته القصصية "ما سقط من أفواه الرواة"، وكتابه الأخير "حديث الروائيين". بدر أيضا يترجم بصفة متقطعة، ويكتب المقال الثقافي وجل ما يكتبه يتعلق بفن الرواية. عبر لقاء معه للحديث عن هذا العمل، نقلنا له بعض التساؤلات حول ارتياب: ** من عتبة النص وعنوان الرواية "ارتياب". هل يأخذنا هذا العنوان إلى البعد النفسي كما طرح في تقديم الرواية؟ أم هل يسمح لنا في المضي نحو البعد الفلسفي للارتياب والشك؟ ** لا أستطيع أن أزعم أنها رواية نفسية، وليس بمقدوري نفي ذلك أيضاً.. الرواية بشكل عام لها مستويات متعددة من القراءة، كما أن الرواية الحديثة مزدوجة الأبعاد كما تعلم من نفسية، وجدانية، تأملية، تاريخية، فلسفية... إلخ.. ولو نظر القارئ إلى كل بعد على حدة، سوف يجد أن الرواية تنمو في هذا الاتجاه. القارئ البسيط يبحث عن الحكاية ومتعة القص، وهذا أيضا حق مشروع للقارئ، ويجب أن يكون شرطاً أولياً للرواية، وهناك قراء يبحثون عن معانٍ أبعد ومضامين أعمق، وفن الرواية بشكل عام يستجيب مع اشتراطات القارئ النوعي.. لهذا أتمنى فعلاً أن تمضي "ارتياب" مع تعدد مستويات القراءة، ولعلها تجلب المتعة، وتعطي أبعاداً أخرى للقراء بمختلف رغباتهم، ولو عدنا لنظرية الألماني "شيلر" عن الشاعر التلقائي والشاعر المتدبر، وما ينطبق عليه من الروائي التلقائي والروائي المتدبر أو المتفكر والتي أشار لها أورهان باموك، هناك أيضاً القارئ التلقائي والقارئ المتدبر، ليس بمقدورنا أن نشترط ماذا نريد من كل قارئ، لا يجب أن أعترض على أي قارئ يكتفي بالمتعة، أو آخر يهوى التأويل. قضيَّ الأمر، والرواية صارت ملك القارئ حين يشتريها، حتى لمن يكتفي بالمتعة عبر الحكايات، وفي واقع الأمر، القص وسرد الحكايات هي حيلة الروائي لقول ما لديه. ** لو مضينا في استدعاء البعد النفسي، دعني أتساءل، هل ما زالت الرواية بقيمتها العامة مدخلاً جيداً لعلم النفس كما حدث قبل قرن من الزمان أو أكثر في ظل التقدم العلمي؟ ** الروائي حين يكتب فهو يمضي في رحلة بحث. نعم، هو لديه حكاية، لكن في ذات الأمر لديه تساؤلات، ويود أن يختبرها، والبعد النفسي كان أحد التساؤلات الأساسية للرواية طيلة كتابتها، وهو مسوغ لمحاولة تفكيك شخصيات الرواية.. يقول الروائي العالمي أورهان باموك؛ "إن أعظم نتائج فن الرواية تأتي بفضل فهمنا للناس وتنوع البشر، لا بالأحكام التي نصدرها عليهم".. وبصراحة أتفق معه في هذا المبدأ، بل أؤمن أن النفس البشرية بكافة أطيافها لا تُفهم سوى بالقص الجيد الصادق. هل هذا يعني اكتشافات جديدة في علم النفس؟ بصراحة لا أعلم، هذه ليست مهمة الروائي، لكن الرواية منهل ومصدر جيد جداً لتلك الاكتشافات. ** هل هذا يقتضي من الروائي كشف الحجاب عن أبطاله؟ هل الهدف تعريتهم؟ وهل هذا يقودنا لمسألة الحديث عن كشف المستور؟ ** مسألة كشف المستور لم تعد ذات أهمية، نحن في عصر تسجيلي عجيب، وهذه المواقع الإلكترونية تسجل وتعرض كل شيء، بلا مواربة. الروائي في عصرنا الحاضر له مسئولية كشف ما وراء القص، إذ حين تحكي رواية ما عن قصة ثائر أو قصة قاتل، فليس الغرض هو عرض الحالة، بل عرض ما وراء الحالة بدءا من الغاية، والدافع والرغبات، والهوى.. الروائي يختبر كل ذلك عبر أبطاله. ** لنعد إلى ارتياب، ذيبان، مبارك، ابن معتاز وغزيّل.. وهو ما يعيدني إلى شخصيات ابن طرَّاق، جبل، فردوس... اختيارك للأسماء في نصوصك، أنت تختار أسماء شخصيات مختلفة. لا يمكنني أن أقول إنها غريبة على اللسان ولكنها ليست دارجة، فهل يخضع اختيار الأسماء لمزاج معين؟ ** شخصياً، أولي أهمية لكل مكونات النص، وأحاول دوما العناية برسم شخصيات الرواية، والاسم هو أحد هذه الأشياء. لا يمكنني أن ألصق بشخصية مَّا أول أسم يتبادر إلى ذهني وقت الكتابة، لابد أن أتمهل في الاختيار، أحب بالطبع أن تكون الأسماء تنتمي لبيئة البطل وهذا أمر لا مفر منه، لكن يجب أن يكون للاسم دلالات وأن يتناسب مع الشخصية، الأمر يتطلب الكثير من التفكير، أنه يشبه أن تلتقي شخصاً للمرة الأولى وحين تتعرف على أسمه تقول في نفسك "فعلاً، لقد أصاب والديه الهدف بهذا الاسم". بالمناسبة، أرى أن معظم الروائيين المهتمين بتفاصيل نصوصهم يولون ذات الاهتمام، لا شيء يُكتب دون تدبر، وعربياً تعلمت الكثير من الروائي الراحل عبدالرحمن منيف في هذا الشأن واختياراته لأسماء أبطاله، من يتذكر منيف فحتماً سيتذكر أسماء أبطاله، وكذلك الحال مع الروائي السوداني أمير تاج السر، لا توجد رواية جيدة دون العناية بكافة تفاصيلها بدءا من أسماء الشخصيات. ** ماذا عن ملامح الشخصيات التي تنتقيها بخلاف أسمائهم؟ ما الذي يجمع بين ذيبان ومبارك وابن معتاز وغزيّل؟ هل تشترط عدم كلاسيكيتها؟ ** ليس بالضرورة ألا أختار شخصاً كلاسيكياً، قد أختار شخصية كلاسيكية لضرورة النص، لكن في الغالب أحب اختيار الشخصيات المغايرة، التي يكون لها وجهة نظر تستطيع عرضها والدفاع عنها، وجهة نظر لا تنسخها من غيرها، أحب الشخصية التي لا تنساق خلف تيار المجتمع، ليس بالضرورة أن تكون شخصية ثائرة كما يحرص الكثير من الروائيين، بل ربما تكون شخصية في غاية المُسالمة، لكنها شخصية لها رؤية خاصة بها، مختلفة وتستطيع إيجاد معانٍ متعددة لأشكال الحياة. أعتقد أن خلق شخصية في النص هي أحد أصعب مهام الروائي، وعليه بعد تشكيل ملامحها أن يجعلها أو بالأصح يتركها تتصرف في محيط تفكيرها، عليه أن يسمح لها بالنمو في الرواية، وهكذا تتشكل معالمها وتُنحت بشكل جيد. ** الصراع في الرواية أو العداء بين مبارك وذيبان، هل يشبه الصراع في رواية ابن طرّاق؟ ** لا وجود للشبه، ابن طرّاق كانت قائمة على الصراع تحت مظلة الرمز السلطوي، أما هنا في رواية ارتياب، فهو عداء يدخل تحت مظلة الارتياب، أو فيما يشبه العداء الزائف.. ولعل القارئ يكتشف أبعاداً أخرى حين القراءة. في واقع الأمر، كل ما في الرواية دخل تحت فحص الارتياب والشك، بدءا من الصراع، للحب، للعلاقة العاطفية، للوجدانية .. إلى ما لا نهاية، كانت محاولة لإخضاع كل شيء تحت الشك، الارتياب والشك والريبة أشياء ثمينة للاكتشاف والمعرفة واليقين. ** هل تتعمد الإطالة في أعمالك الروائية؟ إذ لاحظت أن ابن طرَّاق وارتياب تتجاوز الأربعمائة صفحة؟.. ألا ترى أن الإطالة ندرت في هذا الزمن؟ ** بالطبع لا أتعمد ذلك، مسألة طول النص أو قصره عائدة لحاجته الفنية بالدرجة الأولى، ولك أن تعلم أن رواية ارتياب بشكلها المطبوع قد تم حذف أكثر من 150 صفحة منها عبر مراحل كتابتها. ثم أن 400 صفحة لا تعد رواية طويلة مقارنة بما يحدث عالمياً، في العام الماضي حصلت رواية "اللامعون" على المان بوكر العالمية وهي تتجاوز ال 800 صفحة. طول الرواية يجب أن يتماهى مع حاجة النص فقط، وارتياب رواية فيها تعدد للشخصيات، هي لا ترتكز على شخصية واحدة، لدي على الأقل خمس شخصيات رئيسية، والعديد من الشخصيات الثانوية وكذلك الهامشية، كما أنها ترتكز على أبعاد كثيرة نفسية وفلسفية، وحكايتها تمتد من نهاية الستينات الميلادية حتى عصرنا الحاضر، وحين أنهيت مراجعة العمل، كان لدي قناعة أن النص الذي نُشر لا يحتاج أضافة ولا حذف، وصلت لقناعة تامة أن كل ما كُتب لضرورة فنية. ** بعد فراغك من "ارتياب"، ماذا تنوي أن تفعل في الكتابة؟ ** لدي العديد من الأفكار لكني في هذه الفترة، أحب أن أقرأ بلا انقطاع.. أود من خلال القراءة أن أضمن عدم تكرار شخصياتي ومشاهدي الروائية مرة أخرى، بالطبع أدون أفكاراً وملاحظات، وربما مقالات هنا وهناك. لكني أحب الاطلاع بشكل مكثف في كل ما يخص الرواية والفن الروائي، لعلي أترجم شيئاً في هذه الفترة، حتى تبدأ فكرة ما أو شخصية ما بالضغط على رأسي لبدء الكتابة، ومنها أقرر ملامح مشروعي السردي القادم. ايلاف