الشارقة- أحمد البيرق: أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أن الاختلاف في العقائد والأديان، والألوان، والثقافات بين الشعوب لا يعني أبداً صدام الحضارات، ولا صراعها، ولا إفناء إحداها للأخرى، بل يعني التعارف الذي نص عليه القرآن الكريم، قبل أربعة عشر قرناً من الزمان حيث قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" . جاء ذلك في كلمةٍ لسموه خلال حفل كشف الستار عن النصب التذكاري للشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية - المنطقة العربية ،2014 مساء أمس في الحديقة المقابلة للمدخل الرئيسي للمدينة الجامعية في الشارقة من أمام مبنى دارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية، إيذاناً من سموه بانطلاق احتفالات الإمارة بهذا الاستحقاق الكبير وذلك بحضور سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي ولي العهد ونائب حاكم الشارقة . وبعث صاحب السمو حاكم الشارقة عبر كلمته جملة من الرسائل التوجيهية التي ترسخ لمنهج إسلامي وسطي قال فيها: إن الحوار هو منهج الخطاب في القرآن الكريم للمسلمين وغير المسلمين، ولم يكن ذلك مجرد نظرية، بل طبقه النبي صلى الله عليه وسلم، في أرض الواقع، ومثل حجر الزاوية في بناء الحضارة الإسلامية . وأن حضارة الإسلام بوجه خاص، هي حضارة تعارف، وليست حضارة نفي أو استبعاد، وأن نصوص الوحي المقدس الذي صاغ هذه الحضارة، وشكل منطلقاتها، وحكم تصرفاتها نصوص تكرس وحدة الأصل، بين الإنسانية جمعاء، فالناس جميعاً في فلسفة هذه الحضارة أبناء أبٍ واحد وأم واحدة والناس جميعاً إخوة متساوون، ومعيار التفاضل بينهم، معيار واحد، هو العمل الصالح، المنضبط، بضوابط التقوى، ومراقبة الله تعالى، في كل التصرفات . وأضاف سموه: "إن الإسلام دين الصفح والتسامح، دين العفو والرحمة، وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" فالغلظة والفظاظة والتشدد، كل ذلك ليس من الإسلام في شيء" . وشدد صاحب السمو حاكم الشارقة على حقيقة كون الإسلام ديناً عالمياً، يفتح أبوابه على مصاريعها لكل عناصر الحب، والخير، والجمال، مهما اختلفت مواطنها، وتعددت مصادرها . وحضارة الإسلام مفتوحة على العالم، تعاملت مع الديانات والثقافات الأخرى، بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام والتفاعل والتواصل . وقال سموه: "فلتبدأ أيها المسلم بذاتك، فتتفاهم مع إسلامك، ثم تنتقل بعد هذا إلى التفاهم مع المسلم الآخر، وحينئذ يسهل عليك أن تتفاهم مع الآخرين" . واختتم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كلمته بدعوة صادقة صالحة من نبع وفيض رب العالمين ومنهل القرآن الكريم حين رتل قوله تعالى: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب" . وكان الحفل قد بدأ بوصول صاحب السمو حاكم الشارقة حيث استقبل بالأهازيج والفنون الفلوكلورية لعدد من الفرق الشعبية المحلية والعربية والإسلامية الذين قدموا أمام سموه لوحات من الرقصات الشعبية، وقد كان في استقبال سموه كل من الشيخ عصام بن صقر القاسمي المستشار بمكتب سمو الحاكم، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام رئيس اللجنة التنفيذية للشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، والشيخ خالد بن سلطان بن محمد القاسمي رئيس مجلس التخطيط العمراني، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، والشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، والشيخ صقر بن محمد القاسمي رئيس دائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والشيخ خالد بن عصام بن صقر القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ محمد بن عبد الله آل ثاني رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ سعيد بن صقر القاسمي نائب رئيس مكتب سمو الحاكم في مدينة خورفكان، والشيخ هيثم بن صقر القاسمي نائب رئيس مكتب سمو الحاكم في مدينة كلباء، والشيخ فاهم بن سلطان بن خالد القاسمي . كما حضر الحفل عدد من وزراء دولة الإمارات ووزراء الثقافة في الدول العربية والإسلامية والدكتور عبدالعزيز التويجري مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم (الايسيسكو) وأعضاء المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة رؤساء الدوائر الحكومية وعدد من السادة أعضاء المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة ومديرو عموم الدوائر والمؤسسات والهيئات المحلية والاتحادية ورؤساء المجالس الإدارية للمراكز البحثية والعلمية المحلية والدولية وجمع غفير من ممثلي وسائل الإعلام المختلفة المحلية والدولية والفنانين من ممثلين وملحنين ومطربين ونجوم ومشاهير الإعلام العربي ونخبة من المثقفين والنقاد والأدباء . وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بإزاحة الستار كاشفاً عن اللوح التذكاري لنصب الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية - المنطقة العربية ،2014 كما تعرف سموه ومرافقوه من الشيوخ وضيوف الإمارة من الوزراء ورؤساء المراكز البحثية والعلمية وكبار الشخصيات حضور الحفل النصب وأجزاءه الذي يرتفع عن مستوى سطح الأرض ب 42 متراً، وتبلغ مساحة المنصة التي أقيم عليها مشروع النصب التذكاري 650 متراً مربعاً، وتبلغ مساحة القاعدة التي يرتفع أعلاها عمود النصب 50 متراً مربعاً، كما يبلغ القطر السفلي للعمود 3 .3 متر، فيما يبلغ القطر العلوي 6 .2 متر، وتغطي المنصة ثلاثة أنواع مختلفة من الجرانيت، بينما قاعدة العمود مغطاة بالخرسانة المسلحة بالألياف الزجاجية والجرانيت . أما العمود الرئيسي فهو مغطى بالجرانيت الأخضر، والشريط الحلزوني الذي يحيط بالعمود مصنوع من الألمنيوم بتشطيبات مختلفة لخلق نوع من التباين لتسهيل قراءة ما كتب عليه من آيات كريمة يصل عددها ل 28 آية من القرآن الكريم تحمل في معناها إجلال العلم والدعوة إلى التعلم وفضل العلماء . كما يضم الجزء العلوي للنصب التذكاري 12 عموداً يربط بينها 12 قوساً تعلوها قبة ذهبية . وبهذه المناسبة، ألقى الدكتور عبدالعزيز التويجري مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الايسيسكو كلمة بهذه المناسبة جاء فيها: يسعدني أن أتحدث إليكم في الافتتاح الرسمي لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام ،2014 ويسعدني في البداية، أن أتقدم بالشكر والتقدير إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على الدعم الكريم الذي يقدمه للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - ايسيسكو، إيماناً منه بالرسالة الحضارية الإنسانية التي تنهض بها في إطار العمل الإسلامي المشترك . إن الاحتفاء بالشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام ،2014 عن المنطقة العربية، يدخل في إطار برنامج الايسيسكو العشري لعواصم الثقافة الإسلامية، الذي اعتمده المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة المنعقد في الجزائر العاصمة سنة ،2004 وجدد في المؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الثقافة المنعقد في باكو عاصمة أذربيجان في سنة 2009 . نصب "عاصمة الثقافة الإسلامية" ذكرى تمكث في الأرض الشارقة - إيمان عبدالله: تخلد الشارقة احتفالاتها باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية بنصب تذكاري يبقى شاهداً على ثمار غرس صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة منذ عقود ليمنح الإمارة بهاءها وهويتها الخاصة . وككل ملامح التفرد في الإمارة، جاء النصب البالغ ارتفاعه 42 متراً، وإذا اقتربت منه لا تدري بأي شيء تعجب، أبجودة المواد المستخدمة كالغرانيت الأخضر، أم بالخط الديواني المذهب وجماله، أم بتأمل معاني الآيات القرآنية العظيمة، أم بالزخارف ودقتها وألوانها التي تدفعك للمزيد من التأمل . وأكثر ما يثير الاهتمام شعار عاصمة الثقافة الإسلامية، الذي نالته الشارقة باستحقاق هذا العام، وهي المناسبة التي يستهدف النصب إبقاءها في الأذهان طويلاً . بمجرد وقوف الزائر بجانب النصب التذكاري، الذي تكلف 8 ملايين درهم، يجد نفسه محاطاً بمخزون فكري معرفي، ومعالم تاريخية بأبعادها الثقافية والفكرية والإسلامية، فوجود النصب بجانب دارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية بقرب المدينة الجامعية، يعكس المفهوم الحقيقي لاختيار الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، فكل ما فيها يوحي بالعلم والمعرفة . وعن اختيار المكان، يقول الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس اللجنة التنفيذية لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية: منطقة الدارة تركز على الثقافة الإسلامية والعربية، والخليجية على وجه الخصوص، والكنز المعرفي في الدارة يمنحها قيمة أعلى، ليجد كل من يزور النصب أنه أمام عمل تذكاري يخلد إنجاز الشارقة، وحوله كل ما يوحي بالفكر والمعرفة والثقافة، لينهل من هذه المعرفة العظيمة، والهدف من تصميم النصب أن يظل ذكرى للمناسبة، ويذكر الجيلين الحالي والقادم بإنجاز الشارقة، وإبراز عظمة الثقافة الإسلامية ونشر معارفها وأهدافها، وفكرة التصميم تحث على العلم والمعرفة باختيار آيات قرآنية تدعو إلى التفكر، وكتابتها باللغتين العربية والإنجليزية، لتصل رسالة الشارقة إلى العالم بأسره، من خلال منتج ثقافي وفق قيم وأهداف نبيلة، لتأكيد الدور الثقافي البارز للإمارة . اتخذ النصب التذكاري من العمارة الإسلامية والزخارف وسيلة للبناء، ويمزجها بأحدث التقنيات العصرية، ليبقى مرتبطاً بالفن العربي الإسلامي، فالقاعدة عريضة وتملؤها الزخارف الدقيقة الملونة، ليرتفع النصب ويقل عرضه تدريجياً، ليظل منارة للعاصمة الثقافية الإسلامية، ومعبراً عن السمو والرقي، لأن الثقافة هي الانطلاقة وقاعدة تعتمد عليها الأمم للتقدم، وعن التصميم، يحدثنا الفنان العالمي كارلوس مارينا منفذ العمل: يرتفع النصب 42 متراً، وصنع من الغرانيت الأخضر باستخدام 4800 قطعة، وكتبت الآيات القرآنية بالألمنيوم البارز باللون الذهبي، واستخدمت الأساسات العميقة داخل الأرض للحفاظ على هذا المستوى من الارتفاع، ويعلو النصب 12 عموداً تحمل قبة، ووضع الشعار الذي يعبر عن هذا الحدث الكبير، مع تطعيمه بالزخارف البسيطة التي تضفي على الطراز المعماري بعض الجماليات، ويوضح أن هذا العمل يوصل رسالة انبثقت من رؤى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لنترجم أفكار سموه بنموذج تذكاري يخلد هذا الإنجاز العظيم . الآيات الكريمة المدونة على النصب تحث على العلم، ففي أحد الجوانب قرأنا "علّمه شديد القوى" الآية 5 من سورة النجم، "ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم" الآية 52 من سورة الأعراف، و"ذلكما مما علمني ربي" الآية 37 من سورة يوسف، "واعلم أن الله عزيز حكيم" آية 260 من سورة البقرة، "وقل رب زدني علماً" الآية 114 من سورة طه، وعلى الجانب الآخر نجد نفس الآيات ترجمت إلى اللغة الإنجليزية لتصل رسالة الإسلام إلى العالم أجمع، وكتبت بطريقة حلزونية على مدار النصب، مثال على ذلك: know that allah is mighty and wise , lord,increase me in knowledge وكتب تلك الآيات العظيمة الخطاط خليفة الشيمي ويقول: الآيات القرآنية والخط العربي والزخارف والتصميم وبريق الألوان جسدت هذا العمل الفني البديع، لترجمة فكرة الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية، لتشرح للزائر تلك المعاني والرسالة لتلامس وجدانه، والنصف يحمل 28 آية قرآنية باللغتين العربية والإنجليزية، والكتابات من الألمنيوم البارز، المعالج بلون ذهبي لامع، إضافة إلى شعار عاصمة الثقافة الإسلامية، واستخدمت الخط الديواني بعد أن حدد صاحب السمو حاكم الشارقة الآيات وجميعها تحث على العلم، وترتفع الكتابة مترا لتكون واضحة، واستخدمت الزخارف الإسلامية البسيطة للفصل بين الآيات، ويعلو النصب قبة بها أعمدة إسلامية وهي رأس العلم والثقافة لتغطي هذا الصرح العظيم، والرسالة أن العلم أساس كل شيء . الخلاصة أن الشارقة من خلال هذا المعلم تتيح فرصة للعالم ليتأمل شيئاً من بدائع الفن العربي الإسلامي، وليتأمل الآيات القرآنية العظيمة التي كتبت عليه بمنتهى الدقة والرشاقة والجمال الزخرفي، وليتلقى رسالة مفادها أن العلم أساس كل مجد . الخليج الامارتية