الخميس 03 أبريل 2014 04:15 مساءً في هذه البلاد هنالك ثمة افكار ليبرالية يعوزها الدولة اولا وتاليا الناظم المجسد لهذه الليبرالية وفي واقع مجتمعي مثقل بمخاوفه وهواجسه وحتى استرابته وتخلفه إذ لم نقل برفضه وممانعته لكل اشكال التعاطي مع المفاهيم الوافدة إليه من الخارج . فقليلا ونادرا ما تم التعامل مع هذه المفاهيم العابرة للحدود باعتبارها ضرورات حضارية يصعب اغفالها او رفضها ؛ فما من مفهوم حداثي عصري إلا وتم مواجهته زمنا وبمبررات واحجية اثبتت التجربة بفشلها وعجزها عن مقاومة هذه المفاهيم الحضارية الإنسانية الآخذة الآن بالتوسع والانتشار رغم أنف السيادة والاستبداد والجهل والتخلف . ما افهمه هو ان الليبرالية مذهب فلسفي يعني في الاساس الحرية المطلقة التي لا تحدها حدودا او تمنعها سدودا إلَّا ما كان فيها تجاوز الاخرين على قاعدة " تنتهي حريتك حيث تبدا حريات الاخرين " 1. وفقا لعبد الرحيم صمايل السلمي مؤلف كتاب " الليبرالية .. نشأتها وتطورها ومجالاتها " فإن هذه الليبرالية جوهرها الاساس " الحرية " المبدأ والمنتهى ، الباعث والهدف ، الاصل والنتيجة في حياة الانسان ، كما وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تقطع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر وشرح اوجهه والتعليق عليه . " نشأت في المتغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوروبا بدءا من القرن السادس عشر كردة فعل إزاء تسلط الكنيسة والاقطاع في العصور الوسطى ؛ لكنها لم ترتق الى نظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع سوى في عصر النهضة الاوربية وتحديدا في اوائل القرن التاسع عشر حين صارت الليبرالية فلسفة سياسية وان بصور وقوالب مختلفة الاشكال " . فالليبرالية في المجمل " نظرية الحرية " ففي بريطانيا تستعمل الكلمة بالمعنى الاقتصادي بينما في ايطاليا فتستعمل بالمعنى السياسي والديني " 2 . فما هو مؤكد بان هذه الليبرالية كمصطلح يتم تعريفه بحسب الوظيفة التي يؤديها فهناك ليبرالية اقتصادية وليبرالية سياسية وثالثة دينية . فكما تم اختزال هذه الليبرالية بجملتين هما " دعه يعمل " كدلالة على الحرية الاقتصادية و" دعه يمر " كدلالة على الحرية السياسية ٍالتي يعد جون لوك من اوائل فلاسفتها الليبراليين . وللزيادة في الفائدة فالليبرالية مفهوم شمولي جوهره ارادة الانسان وحريته في تحقيق هذه الارادة ، فيما هذه الليبرالية نوعين كلاسيكية ومعاصرة . الاولى لا تتدخل الدولة في الحريات بل الواجب عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصاية عليه . إما الاخرى المعاصرة فترى بضرورة تدخل الدولة لتنظيم الحريات ولإزالة العقبات التي تكون سببا في عدم التمتع بتلك الحريات . إذن هي حرية الفرد في التعبير عن افكاره ومعتقداته وفي سياق عام ناظم وكافل للحرية الفردية ضمن اطار مجتمعي تحكمه وتنظمه منظومة شاملة من القيم والمبادئ والتقاليد الليبرالية التي لم تكن نتاج لحظة او قرار سياسي وانما هي نتاج حقبة تاريخية من الممارسة والتطبيق لقيم ووسائل هذه الليبرالية المشاهدة اليوم في اوروبا وامريكا واستراليا وحتى القارة الاسيوية التي تأثرت بعض دولها وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة التي فتحت بلدانها وتعامل ساستها مع هذه الليبرالية وادواتها وخلال ظرفية لا تتعدى بضعة عقود . النخب الحزبية لم يرتق اداءها بعد لمستوى الايديولوجية الفكرية الناظمة لتوجه التنظيم السياسي المنضوية تحت عباءته ؛ فكيف سيكون حالها مع ليبرالية كفكرة ونهج متحرر من الولاء العصبي الايديولوجي السياسي التنظيمي النفعي . نعم مازال الوقت مبكرا كي نسترسل في جدل بيزنطي حول مسألة يردها الباحثين الى ديمقراطية اثينا في القرن الخامس قبل الميلاد والى حركة الاصلاح البروتستانتية . قرأت مؤخرا كتابا للباحث والمؤرخ العراقي رشيد الخيُّون والذي عنونه ب" عمائم سُود في قصر آل سُعود " والكتاب عبارة عن انطباعات ومشاهدات شخصية من نجد والحجاز ودونها صاحبها بأسلوب ممتع وشيق اقتفى ادب الرحلات أثر زيارته الاولى للسعودية للمشاركة في مهرجان الجنادرية 2010م . فبرغم ان السعودية لا يوجد بها احزاب معارضة او حاكمة فضلا عن تخلف نظامها مقاربة بتعددية دول الجوار إلا ان الشيوعي القديم المعارض للرجعية والامبريالية من العراق ومن ثم من اليمن الديمقراطي ومن عاصمتها عدن المنفي إليها ورفاقه في الحزب الشيوعي العراقي لم يخف اعجابه ودهشته بوجود حراك ليبرالي سعودي قوامه نخبة من المفكرين والكتاب والاعلاميين الحاضرين بقوة في وسائل الاعلام وفي المنتديات وفي النقاشات والحواريات الجدلية وفي نظام حُكم يتماهى تدريجيا مع واقع العصر وان على استرابة وخشية من القادم المجهول . ومن والافكار الليبرالية الكاسرة لرتابة الجمود السلفي المذهبي المتخشب عند صراعاته وخلافاته الفقهية الممتد جذرها للقرن الاول والسابع الهجري والى الوقت الحاضر الذي مازالت المملكة ودول المنطقة عامة في خضم جدل عقيم لا يبدو انه سينتهي على المدى القريب ما بقيت مجتمعاتنا اسيرة لثاراتها وصراعاتها وخلافاتها القديمة ، وما بقيت ايضا هذه الاوطان منغلقة ممانعة لكل اشكال التطبيع والتلاقح الحضاري الانساني . وما بقيت مجتمعاتها ممزقة وهنة غير قادرة على التعاطي الخلَّاق والايجابي والفاعل مع محيطها العولمي الحضاري الذي هي جزءا منه وعليها ان ترتقي بنفسها الى مصاف هذه الحضارة الانسانية العلمية الاقتصادية الليبرالية التكنولوجية وإلا فإنها ستبقى شعوبا متخلفة ضعيفة مستهلكة غارقة في صراعاتها العنيفة وفي خلافاتها المذهبية الطائفية الشعوبية الفقهية القاتلة لنهضتها وتطورها واستقرارها . عدن الغد