عاجل: العثور على الرئيس الإيراني وطاقمه بعد سقوط مروحيتهم والكشف عن مصيره ووكالة فارس تدعو "للدعاء له"    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادي الإصلاحي عبده سالم يتحدث عن الصراع الدولي على النفوذ في هذه المنطقة ويقول: القرن الأفريقي منطقة صراع مفتوحة وهناك مؤشرات تقول إن اليمن ستواجه مشكلة حول السيطرة على باب المندب
نشر في التغيير يوم 09 - 07 - 2008

ولد عام 1961 في إحدى قرى القبيطة, ودرس الثانوية في تعز قبل أن يتخرج, عام 1986, من جامعة صنعاء حاملا بكالوريوس في الشريعة والقانون.
في الوسط السياسي, يحضر عبده سالم اليوم كأحد القيادات الوسطى المنفتحة للتجمع اليمني للإصلاح, إلى جانب حضوره كصاحب رأي ومتابع مهتم للأحداث.
الأربعاء الماضي استضافته "الشارع" في مكتبها, حيث دار معه حوار طويل حول تطورات الصراع في القرن الأفريقي, والتجمع اليمني للإصلاح ومواقفه من حرب صعدة وسعي بعض قياداته الدينيين إلى إنشاء هيئة للدفاع عن الفضيلة. في هذا الحوار يتحدث عبده سالم, عضو مجلس شورى تجمع الإصلاح, عن قضايا هامة.
* يقال اليوم إن هناك مشاكل في القرن الأفريقي تهدد اليمن؛ ما طبيعة هذه المشاكل؟
- من المعروف أن اليمن لم ترسم حدودها البحرية حتى الآن مع جمهورية جيبوتي ولا مع الصومال، بل إنها لم ترسم حدودها البحرية مع ارتيريا، لأن الحكم الدولي لليمن بجزيرة حنيش لا يعني ترسيم الحدود، كون الجزر لا تمثل عمقاً حدودياً لأي دولة.
هناك انعكاسات خطيرة محتملة للصراعات التي تدور في مناطق لا تزال مفتوحة. الآن هناك صراعات مفتوحة في القرن الأفريقي ربما تنعكس سلباً على اليمن، خاصة في ظل الحمى الانتخابية بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا، على اعتبار أن هذه الانتخابات تستند على تقرير كل حزب عن نشاطه في هذه المنطقة وغيرها. أعتقد أن منطقة القرن الأفريقي من المناطق الساخنة جداً.. وبحسب علمي فإن حمى الانتخابات الأمريكية انعكست على الانتخابات في كينيا وعلى الانتخابات في زيمبابوي، وهاتان المنطقتان من مناطق النفوذ البريطاني لما يسمى بدول الكومنويلث، التي منها جنوب اليمن مروراً بالمحيط الهندي وصولاً إلى باكستان. والعجيب أن هذه الدول مراكز لحرب الإرهاب، خاصة كينيا وباكستان. أعتقد أن الصراع الأمريكي – الإيراني في المنطقة قد يخرج عن نطاق العراق، وربما تكون إيران لها علاقة ضمن التسابق على النفوذ في القرن الأفريقي، وخاصة بعد زيارة الرئيس أفورقي إلى طهران مؤخراً، وحملته على الأمريكان.. ناهيك عن أن منطقة القرن الأفريقي تعتبر منطقة استقطاب لكل ما يسمى بمخرجات الإرهاب، وضمن ذلك اليمن، حيث تهريب السلاح وتهريب الأفراد.. وربما تكون اليمن مكشوفة من هذه المنطقة بشكل أكبر.
أتوقع أن تصريحات رئيس الوزراء الجيب،تي حول تأثيرات هذه المنطقة وإشارته إلى (أطماع للسيطرة على جزء من) باب المندب، لها علاقة باليمن ضمن استحقاقات تنبني في ضوء ترسيم الحدود ما بين جيبوتي واليمن والصومال واليمن مستقبلاً، وكذلك استكمال ترسيم الحدود مع إرتيريا.
* كلامك هذا يفترض أن اليمن ستواجه مشكلة حول الحدود البحرية مع هذه الدول، هل هناك مؤشرات أخرى لذلك غير تصريح رئيس وزراء جيبوتي؟
- المؤشرات كثيرة. طالما والحدود لم ترسم تاريخياً. نحن نعلم أن اليمن أعلن بعد 94 أن مجاميع مسلحة صومالية احتلت جزيرة عبد الكوري حينها. هذا مؤشر. هناك مؤشر آخر يتعلق بالإرهاب، والإشارة لليمن باعتبارها منطقة ترانزيت للإرهاب، والتصعيد الأخير في العلاقات اليمنية الأمريكية.. ربما هذه مؤشرات على أن القادم يحمل ما هو أسوأ لليمن، وأعتقد أن المسألة أكبر من مؤشرات، لكن يبدو أن السلطات والمسؤولين في اليمن لا يقرؤون الحقائق، ناهيك عن قراءتهم للمؤشرات.
أمريكا وإيران.. صراع لتوسيع النفوذ
* ما علاقة الولايات المتحدة وإيران حول التوتر الحاصل في القرن الأفريقي, ووضع الحدود البحرية وباب المندب والمشكلات المترتبة التي تتوقع أن تصيب اليمن جراء ذلك؟ وهل هناك دول أخرى ضمن هذا الصراع؟
- أعتقد أن علاقة الولايات المتحدة وإيران بهذا الصراع قد لا تكون مباشرة، لكن تنازع النفوذ الأمريكي الإيراني في العراق تنازع قائم، وأمريكا تشعر الآن بورطة في العراق حيث ميزان إيران يكاد يكون متفوقا.. أعتقد أن هذا التنازع سيؤدي في النهاية، إلى تسوية أمريكية إيرانية. إيران من مصلحتها أن تفتح جبهات أخرى لأمريكا في مناطق بعيدة عن العراق وعن الخليج الفارسي، حتى تصبح عملية التسوية في المستقبل لصالح إيران. بمعنى أوضع, في حال حدوث تسوية: يمكن أن تتنازل إيران عن قضايا أو نفوذها في القرن الأفريقي أو مناطق أخرى مقابل احتساب الفاتورة كاملة في المنطقة المتاخمة لها. وأعتقد أن الزيارة الأخيرة للرئيس الإرتيري لإيران، واهتمام إيران بمنطقة القرن الأفريقي لها علاقة بهذا الموضوع.
* هل تظن أن ذلك، إضافة إلى تصريح رئيس الوزراء الجيبوتي مؤشر على أن اليمن قد تواجه مشاكل حول حدودها البحرية؟
-في الوقت الحاضر؛ أعتقد أن المسألة مسألة صراع انتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا. كل الدول لا تتعامل مع أمريكا في مرحلة الصراع الانتخابي؛ لأن التعامل معها سيكون تعاملاً ضمن الاستخدامات الانتخابية. اليمن؛ أتصور أنها ضمن الأوراق التي يمكن أن يستخدمها الجمهوريون أو الديمقراطيون كورقة استقواء. يمكن الديمقراطيون يقولون إن الجهود الأمريكية في اليمن فشلت في مكافحة الإرهاب، ليس بقصد إدانة اليمن ولكن بقصد إدانة الجمهوريين انتخابياً.
العجيب أن المسؤولين في اليمن لا يتعاملون مع الوضع الانتخابي الأمريكي بجدية. وقد سمعت إشارة عن هذا الصراع في مقابلة الرئيس الأخيرة مع الصحيفة الأمريكية, "نيويورك تايمز"..
* هل تعتقد أن أمريكا تدعم وتساعد قوى في القرن الأفريقي للعمل ضد اليمن، رغم أن علاقتها جيدة مع صنعاء؛ باستثناء الأزمة الأخيرة في علاقة البلدين حول تسليم متهمين بالإرهاب؟
- التعاون الأمريكي مع اليمن، أو مع غيرها، هو تعاون انتهازي، ولهذا أنا أعتقد أن حتى العداء الأمريكي الحالي لإيران، ربما ينبني عليه علاقات استراتيجية جديدة، كون إيران موجودة في خارطة الواقع. العلاقة بين أمريكا واليمن لا تكفي أن تكون ندية، لأن الأمريكيين يريدون أن تتحول اليمن إلى دولة ضامنة للسياسة الأمريكية في المنطقة، وأعتقد أن اليمن، بظروفها الحالية واقتصادها المنهار ومشاكلها الداخلية، ليست مؤهلة لتكون دولة ضامنة حتى لسياستها هي، ناهيك عن سياستها تجاه الآخرين.
رأس المال الحضرمي والقضية الجنوبية
* هناك حراك سياسي واجتماعي واسع نحو التغيير في القرن الأفريقي.. ما علاقة اليمن بهذا الحراك؟
- طبعاً معلوم تاريخياً أن اليمن ضمن المستعمرات البريطانية بما فيها كينيا وزيمبابوي وباكستان، وأتوقع أن علاقة اليمنيين في القرن الأفريقي، كبنى اجتماعية، وهي علاقة اليمنيين الجنوبيين، ستلعب دوراً.. اليمني الجنوبي في هذه المناطق أكثر حضوراً وأكثر قبولاً، ثم إن رأس المال الحضرمي يكاد يكون الآن هو المسيطر في منطقة شرق أفريقيا. حين تحولت إثيوبيا من الاشتراكية إلى الاقتصاد المفتوح، كان التجار الحضارم هم الذين اشتروا القطاع العام بأكمله.
من هذا المنطلق أقول بأن اليمنيين من حضرموت هم ركيزة من ركائز الحكم في أفريقيا؛ إذا ما اعتبرنا الحكم مصدر القوة والثروة والسياسة. ولا أتصور أن الأمور السياسية تسير بمعزل عن التأثيرات الاقتصادية؛ من هذا المنطلق، لا يستبعد أن يكون للحضور الاقتصادي الحضرمي، في المنطقة بشكل عام، تأثير في الانتخابات الأمريكية، كون الشركات المالية هي الدينمو المحرك للانتخابات الأمريكية. وربما ينعكس هذا على المفردات السياسية اليمنية وعلى القضية الجنوبية بكاملها.
* يعني رأس المال الحضرمي قد يستخدم قوته من أجل القضية الجنوبية؟
- لا. الحضور الجنوبي الحضرمي في القضايا الدولية, كركيزة اقتصادية, يمنح للقضية الجنوبية حضوراً دولياً.
موقع السعودية من الصراع
* تتحدث عن صراع نفوذ في القرن الأفريقي، بالذات في الحوض المائي بين الأخير واليمن، وتقول إن إيران جزء من هذا الصراع رغم بعد هذه المنطقة عن النفوذ الإقليمي المعتاد لإيران (الخليج الفارسي).. على فرض صحة ذلك؛ هل بالإمكان أن يكون هناك صراع أمريكي - إيراني في هذه المنطقة بعيداً عن دور سعودي، بالذات والسعودية قريبة جداً من هذه المنطقة؟
- الحضور الإيراني في هذه المنطقة قد لا يكون امتداداً لنفوذ استراتيجي. قد يكون حضوراً تشكل في منطقة تقاطع لتضرر المصالح الإيرانية مع تضرر مصالح أطراف في منطقة القرن الأفريقي، *
فتضرر السياسة الإرتيرية، بقيادة أفورقي، من السياسة الأمريكية في المنطقة, يشكل منطقة تقاطع أفريقي مع إيران في مواجهة أمريكا.
تدخل السعودية في لبنان والعراق، بحسب اتهامات إيران لها، قد يكون دافعاً لإيران لتشتيت هذا التدخل السعودي عبر بناء تحالف في القرن الأفريقي، لكن ستظل المنطقة الاستراتيجية بالنسبة للسعودية هي منطقة العراق والخليج العربي..
* (مقاطعاً) هل هناك نفوذ سعودي في هذا الصراع الذي تقول إنه حاصل في القرن الأفريقي..؟ وهل من المعقول أن السعودية ستسمح لإيران بالانتقال من شرق الجزيرة العربية إلى غربها؟
- النفوذ السعودي نفوذ حتمي وتاريخي، لكن السعودية تخشى أن يؤدي الصراع الأمريكي الإيراني إلى تسوية على حساب السعودية كدولة سنية، لهذا تسعى السعودية الآن إلى تقوية دورها في المنطقة لمواجهة أي تضرر قد ينجم جراء حدوث تسوية أمريكية – إيرانية مستقبلية، لذلك تبحث السعودية الآن عن نفوذ؛ فهي تهتم اليوم باليمن، إذا صح ذلك، ناهيك عن اهتمامها بالقضية الصومالية ودعوة الأطراف الصومالية لها.
أعتقد أن السياسة السعودية تعطي للمنطقة الأفريقية أهمية كبيرة، لكن السياسة الأمريكية في المنطقة تمثل الآن مشكلة. لا توجد لأمريكا سياسة خاصة تجاه اليمن، وليس هناك موقف أمريكي خاص تجاه اليمن، لأن للولايات المتحدة سياسة عامة تجاه المنطقة، واليمن جزء من هذه المنطقة، وأعتقد أن السعودية دولة بارزة في هذه المنطقة يفترض أن تلعب هي الدور المؤثر في كل الأحوال.
* دار كلام كثير حول بناء جسر يربط جيبوتي باليمن، يربط الجزيرة العربية بالقرن الأفريقي براً.. هذا الجسر ستقيمه شركة سعودية أو رأس مال سعودي.. هل معنى هذا أن السعودية تحاول تقوية دورها في القرن الأفريقي؟
- لم أسمع عن هذا الجسر من مصدر رسمي ولم توقع فيه اتفاقية رسمية، وأتوقع أنه ما يزال مشروعاً في التفكير أو في الخيال أو في الوهم، سمه ما شئت. لكن السعي السعودي لإيجاد نفوذ في المنطقة هو استراتيجية ثابتة لدى الرياض. أتصور أن تسريب فكرة الجسر تم من أجل إخفاء أزمة حدود, ربما تنشأ ما بين جيبوتي واليمن, سيتم تحاشيها بهذا الوهم: ما دام الجسر قائماً فلا داعي للانشغال بقضايا الحدود. في كل الأحوال ستظل الحدود بين جيبوتي واليمن حدوداً دولية: لا يوجد حتى مساحة يمكن أن تحتفط بها جيبوتي كعمق بحري معين في المنطقة المائية (منطقة باب المندب).
الفاتورة المترتبة على التدخل
* خسرت اليمن حلفاءها في الصومال، المحاكم الإسلامية أو الرئيس عبدالله يوسف، وصعد الدور الإثيوبي في الصومال.. هل تعتقد أن هناك فاتورة مترتبة على اليمن بسبب لعبها دوراً في القرن الأفريقي..؟ وهل تقوية النفوذ الإثيوبي سيكون على حساب اليمن؟
- أريد أن أقول إن المشكلة ليست أن هناك تقوية نفوذ إثيوبي على حساب اليمن، أو أن هناك زحزة لليمن لإخراجها من لعب دور في المنطقة. المشكلة الأساسية أن اليمن تتدخل كمبادر للصلح بين أطراف متصارعة، وهي لا تمتلك قوة الدولة الضامنة لتنفيذ موقفها.. لا يكفي أن يكون لليمن موقف حميمي تجاه المحاكم الصومالية أو عبدالله يوسف، لأن القضايا الودية ليس لها ميزان في السياسة.
إثيوبيا إذا تدخلت في الصومال فهي دولة ضامنة، لأن لها عمقاً استراتيجياً داخل الصومال. السعودية ومصر إذا تدخلتا يمكن أن تكونا دولتين ضامنتين. اليمن ليس لها عمق استراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، ولا تمدد اجتماعي، وليس لها قوة اقتصادية؛ لهذا فدخولها كراع في المصالحة الصومالية، ربما استحسن الغرب ذلك في ما يخص جمع معلومات عن الإرهاب، لا أقل ولا أكثر.
* هل تلقت المعارضة معلومات رسمية من السلطة في صنعاء عن هذه المخاطر؟
- أريد أن أقول إني لا أعلم مواقف المعارضة بشكل كامل. إذا قلت إن النظام اليمني غير مستشعر هذه الأخطار يعني أني أجرده من وطنيته.
* (مقاطعاً) قد يكون عدم الاستشعار ناتجاً عن قلة معلومات لا علاقة له بالوطنية.
- القرار السياسي أو الأدوات السياسية في اليمن، يبدو أنها لم تفعل التفعيل الصحيح, وربما لم تقرأ الأوضاع بشكل جيد. الإعلام الرسمي دائماً يتحدث عن مؤامرات وأخطار تهدد النظام السياسي، لكن ذلك ترديد لاسطوانة دائمة ينقصها التحديد. والنظام يستخدم هذا الخطاب لتعويم الأوضاع الداخلية واستخدامها ضمن المناكفات والصراعات الداخلية، وليس بقصد مواجهة الأخطار ذاتها.
لو كان النظام تحدث للمعارضة عن هذه الأخطار، فلا أتوقع أن المعارضة تنقصها الوطنية لتتردد عن الوقوف لمواجهة هذه الأخطار، لكن أتوقع أن ذلك لم يطرح ويناقش بشكل مباشر بين السلطة والمعارضة، إلا إن كان حدث ذلك في اللقاءات الأخيرة، وهذا أمر لا يستبعد، خاصة بعد تأزيم الوضع وحدوث اشتباكات في القرن الأفريقي، وتأزم العلاقة بين الولايات المتحدة واليمن بشأن الحرب ضد الإرهاب.
الفشل الذي جعل اليمن دولة غير مأمونة بالنسبة للأمريكيين والأوروبيين
* إعلامياً يقال اليوم إن الخلاف بين صنعاء وواشنطن انحصر حول تسليم 2 من المطلوبين لواشنطن, لكن هناك معلومات تقول إن الخلاف يدور أيضاً حول أشياء أخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب والجوانب الأمنية والعسكرية. إلى أي مدى تعتقدون أن هذا الخلاف عميق؟ وهل لديكم معلومات حول هذا الخلاف؟
- أتوقع أن الوضع في اليمن لا يؤهلها لأن تكون محل خلاف مع أمريكا ولا يؤهلها أن تكون محل سلام مع أمريكا لأنها لا تضيف شيئاً إلى السلم الأمريكي أو الدولي, في حالة لو تصالحت, ولا تضيف أيضاً أي تهديد. أنا أقول إن مشكلة اليمن حاليا هي أنها مصنفة ضمن الدول المنهارة تقريبا أو الدول الفاشلة أو الدول غير المستقرة بشكل أوضح, أي أنها تسير نحو الانهيار أو الفشل, وأية دولة مصنفة على هذا النحو أتوقع أنه ليس من مصلحة أي دولة أن تكون علاقتها معها غاية في الود.
* لكن الاستراتيجية الأمريكية واضحة خاصة بعد 11 سبتمبر. اليمن دولة فاشلة, لكن لها دوراً مهماً في مكافحة الإرهاب, ضمن هذه الاستراتيجية, ودوراً مهماً جداً أكده المسؤولون الأمريكيون في أكثر من لقاء.
- ربما اليمن لم تعق الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب, وتركت للجانب الأمريكي حريته ليختار الأسلوب الذي يحارب به الإرهاب, ويبدو أن أمريكا ينقصها المعرفة التفصيلية بالمنطقة، خاصة وأنها لأول مرة تخوض فيها حرباً على الإرهاب من هذا النوع. أمريكا لا تريد أن تطلق يدها فقط بل تريد أن تقوم أنت بالدور نيابة عنها وإلا فأنت غير صديق. ولأن اليمن غير مستقرة فهي ليست مؤهلة للقيام بهذا الدور, ولهذا نجد أن علاقة أمريكا بدول غير اليمن في ما يخص الإرهاب, مثلاً كالأردن أو مصر أو لبنان مؤخراً, مختلفة، على اعتبار أن هذه الدول تمتلك مقومات دولة، وهي تقوم بالدور الأمريكي نيابة عن أمريكا.
* هل هذا يعني أن ما تطلبه أمريكا من اليمن مبالغ فيه إلى درجة أن تنفيذه قد يؤدي إلى انهيار النظام, لأن هذه المطالب تمس أساس تماسك النظام؟
- اليمن غير قادرة على القيام بهذه المهمة, وربما أمريكا مقتنعة بهذا أيضاً. فالخلاف ليس ناشئاً من عدم تنفيذ المهمة, ولكنه ناشئ من عدم التموضع. ينبغي أن تتموضع اليمن تموضعاً طبيعياً مستقراً لتتمكن من تأدية المهام المطلوبة منها.
* أمريكا لم تستخدم أحداثاً كثيرة للضغط على اليمن: لم تستخدم القضية الجنوبية ولا أحداث صعدة, باستثناء التصريح الأخير عن هذه الحرب المنشور في "الشارع".. فلماذا تذهب إلى اختلاق صراع في القرن الأفريقي من أجل الضغط على اليمن؟
- أمريكا لا تستخدم الوضع في القرن الأفريقي للضغط على اليمن, فالسياسة الأمريكية والنفوذ الأمريكي في القرن الأفريقي هو مطلب أمريكي استراتيجي بذاته.. الفارق أن أمريكا تريد من اليمن أن تتموضع التموضع الدولي الصحيح وأن تتشكل كدولة مستقرة لتكون منطلقاً لأمريكا لتسوية الوضع في القرن الأفريقي. يبدو أن اليمن لم تصبح منطقة مأمونة للأمريكيين أو حتى للأوروبيين للقيام بأي دور في المنطقة, في حين أصبحت إثيوبيا بكل قومياتها وتنازعاتها حاضنة أكثر لهذا الدور.
الإصلاح وحماية الفضيلة
* ما مدى صحة القراءة التي تقول إن تشكيل هيئة لحماية الفضيلة هو توزيع أدوار بين جناح الزنداني والذارحي من جهة وبين جناح ديمقراطي معتدل من جهة أخرى؟ وهل هناك تيار في الإصلاح يحاول أن يبرز أن الوظيفة التاريخية للحزب لا زالت قيد الفعل.. أعني وظيفة حماية الأخلاق؟
- حسب ما أعرف أن فكرة هيئة حماية الفضيلة والنهي عن المنكر نشأت بين الرئيس ومجموعة من العلماء, الذين التقوا به, وليس بمبادرة من الإصلاح, فالإصلاح ليس طرفاً في هذه القضية, لا من بعيد ولا من قريب, وحضور شخص أو اثنين من الهيئة العليا كان في إطارهما الذاتي والشخصي. ثم إن هذه الهيئة لم تتشكل حتى الآن ولم يصدر بها مرسوم جمهوري, وحتى يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتشكيلها ستكون القضية أوضح وسيكون الموقف منها بما يتناسب مع الأداء المراد منها. مع العلم أن الإصلاح سبق اتهامه, من جانب أطراف كثيرة, بأنه يحتكر الوظيفة الدينية, وأنه يتحدث باسم الإسلام, باعتباره حزباً دينياً.. مؤخراً كان واضحاً أن الإصلاح حزب سياسي ليس وصياً على الدين, وأيضاً ليس حزباً دينياً, ولكنه حزب يلتزم بما يعتقد أنه من أحكام الإسلام وشعائره, كغيره من الأحزاب، ولهذا فإن السعي لإلصاق الهيئة بالإصلاح, ربما هو نتاج لجهود مضادة للإصلاح تريد أن تعيده إلى ما كان يوصف به, بأنه حزب يحتكر الدين أو يمارس الوظيفة الدينية.
أما المسؤولية التاريخية للإصلاح, فلا أخفيك القول إن الإصلاح لا زال ملتزماً بهذه الوظيفة التاريخية, وتهمة قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعتقد الإصلاح أن هذا الحراك الذي يدور في الشارع, المطالب بمكافحة الفساد، والنضال السلمي الجماهيري, أرقى صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بل إنه يستهدف المفاصل الأساسية للمنكر بأشكالها السياسية. هذه المهمة التاريخية سيظل الإصلاح يناضل من أجلها باعتبارها من واجباته التاريخية.
* إلى أي مدى يمكن أن يضغط الإصلاح, بثقله السياسي والاجتماعي, على السلطة لجعل هذه الهيئة أمراً واقعاً؟
- هذه الهيئة ليست مهمة للإصلاح لا بالضغط ولا بغير الضغط, والإصلاح يعتبر أنه يمارس عملياً النهي عن المنكر والأمر بالمعروف, ضمن النضال السلمي السياسي, وهذه أولويات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو ليس بحاجة إلى هيئة دينية لتمارس ذلك, لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مهمة الدولة والشعب.
الإصلاح وحرب صعدة
* يجري اتهام الإصلاح بأنه طرف في الحرب الدائرة في صعدة.. ما رأيك؟
- عبد الملك الحوثي قال في مقابلة مع صحيفة الناس إن موقف "المشترك", بما فيهم الإصلاح, كان محايدا, وأن الدولة هي التي تريد أن تبتز هذه الأحزاب بالضغط عليهم لموقفهم الحيادي..
* تواصل الحوثيون مع "المشترك" طلبا للتقدم بوساطة لإنهاء الحرب.. إلى أين وصل الأمر؟
- أريد أن أنبه هنا إلى أني لا أتحدث باسم المعارضة, ولا باسم الإصلاح, فالمعارضة لها متحدث رسمي, والإصلاح له من يتحدث باسمه. عن التواصل لا يوجد عندي معلومات قطعية تفيد بالتواصل, لكن أريد أن أقول بأن الإصلاح في إطار المشترك يسعى إلى حلحلة هذه المشكلة باعتبارها قضية وطنية تهم الجميع.
* برأيك كيف يمكن إيقاف هذه الحرب وحل النزاع الدائر في صعدة؟
- إيقاف الحرب يحتاج توفر إرادة, ومتى توفرت الإرادة يصبح الجو متاحاً لإيقاف الحرب.
* لماذا يظهر الإصلاح وكأنه حصل، من خلال هذه الحرب، على ذراع عسكرية للتخلص من خصم أيديولوجي؟
- لم يظهر الإصلاح بأنه متمسك بخيار الحرب، بل هو يدعو الآن إلى نزع فتيل المشكلة ومعالجة آثار الحرب. ولو كان يرى أن هذه الحرب وسيلة للتخلص من خصم أيديولوجي، لما دعا, ولا يزال يدعو, إلى إيقاف هذه الحرب وحلها في إطار الحوار الوطني الشامل.
* ما الذي يفترض عمله لإيقاف هذه الحرب؟
- المعلوم طبعاً أن الفريقين اتفقا في الدوحة على إجراءات عملية لحل هذه المشكلة، ولكن لعدم توفر الإرادة ربما حدث تجاوز لما تم الاتفاق عليه. كل طرف يتهم الآخر بأنه سبب التجاوز، وهذا مرده، في الحقيقة، إلى عدم وجود إرادة حقيقية لإغلاق هذا الملف.
* أدت الحرب إلى تقوية الحوثيين، الذين هم جزء من المذهب الزيدي.. هناك من يعتقد أن ذلك يهدد الإصلاح, وهو سبب موقفه المؤيد لهذه الحرب.
- أعتقد أن الإصلاح يمتلك مشروعاً وطنياً ولا يمتلك مشروعاً مذهبياً، وأن المذهب في منظور الإصلاح، كفكر إسلامي، هو منهج فقهي وليس جغرافياً. إذا تحول المذهب الفكري إلى جغرافيا فهذا شكل من أشكال العنصرية التي يرفضها الإصلاح. ولا أعتقد أن المشكلة الآن تسير في هذا الاتجاه، وإن وجد قدر من التباين في هذه القضايا. القضية الأساسية الآن هي القضية الوطنية. ولعلكم تعلمون أن ثورة 48 الدستورية كانت نتاجاً لفكرة وطنية امتزجت فيها كل هذه التباينات وظهرت كحقيقة ثورية قائمة بدستور ثورة 48. وتبقى المسائل الخلافية أو المذهبية قضايا محل الحوار ولا تحل إلا بالحوار، وهي خلافات معتبرة، ما دامت تحت السقف الوطني.
* لكن يعتقد كثيرون, في المذهب الزيدي وهاشميون، أن للإصلاح دوراً في هذه الحرب بسبب منطلقاته المذهبية.
- الشعور وحده لا يكفي، طالما والطرف الآخر (السلطة) يتهمك بالنقيض. الإصلاح وحده هو المسؤول عن تحديد موقفه، وليس موقفه نتاجاً لحالة شعورية وهمية لهذا الطرف أو ذاك. والإصلاح قد حدد موقفه بوضوح وبشكل معلن ضمن مشروع استراتيجي لحل وطني شامل.
مقاومة التطور داخل الإصلاح
* مسألة الانتقال الاستراتيجي داخل حزب الإصلاح.. يبدو أن قيادة الإصلاح تقاوم أي بوادر لحالات التطور الطبيعي داخل الحزب, بما في ذلك بوادر محاكاة تجارب حركات إسلامية في المنطقة: انتقالها على مستوى الخطاب من خطاب جماعة مؤمنة إلى خطاب حركة حقوق وحريات.. ما الذي يقاوم هذا الانتقال؟
- أعتقد أن قضايا الحقوق والحريات هي من المسلمات سواء كان حزباً دينياً أو حزباً غير ديني. حتى الحزب الذي يوصف بأنه جماعة مؤمنة, حسب قولك, لا أعتقد أنه يقاوم مشروع الحقوق والحريات, باعتبار هذه الحقوق إنسانية مثل العدالة والحرية والمواطنة المتساوية.. هذه كلها حقوق إنسانية ليست خاصة بجماعة مؤمنة أو جماعة غير مؤمنة، ما دامت مفردات إنسانية.
الإصلاح كحزب سياسي لا يريد، في هذه القضية، محاكاة أحزاب أخرى، لأن هذه هي قضيته الاستراتيجية التي هي سر وجوده وبقائه. الإصلاح كحزب سياسي يقاوم من أجل البقاء, وليس هو من السذاجة أن يتخلى عن هذه الحقوق والحريات التي تحميه, ولا يوجد مقاومة فيه لهذا التوجه، وإن وجدت بعض التصرفات الفردية, هنا وهناك، فهي، كغيرها، نتاج لهذا الواقع اليمني المتخلف الذي يشمل كل الأحزاب، المعارضة والحاكمة.
* لا أقول إن عملية الانتقال الاستراتيجي طاقة فعل كافية للانتقال. أنت تقول إنه لا يوحد مقاومة لعملية الانتقال الاستراتيجي، ولكن الواقع يقول إن عملية الانتقال هذه كانت قد بدأت تتبلور من خلال مقولات بعينها ومصطلحات لها علاقة بالحداثة وحقوق الإنسان.. كان هذا في صحيفة الصحوة, واعتبرته بعض القيادات السلفية في الإصلاح، مثل الخميسي ومحمد الصادق، إساءة للدين وخروجاً عن خط الحزب، وانتصرت قيادة الإصلاح لهذا التيار من خلال إجراء إداري، تم فيه إقصاء قيادة الصحيفة..
- أولاً أنا لست على إحاطة بكل الملابسات التي دارت في قضية صحيفة الصحوة، مع العلم أنني، حينها، لم أكن مقتنعاً بالأسباب التي اختلط فيها الذاتي والموضوعي والفني بالفكري، وخرج على شكل ذلك التغيير الذي تقصده. كل ما في الأمر أن هذا الموضوع سابق وقديم، وليس من المناسبة أن يكون مؤشراً على ما تقول. وإذا حدث فعلاً مثل هذا التباين الذي أشرت إليه، يظل، في المحصلة، علامة على حجم الحراك ونوعيته.
* تدرك أن الإصلاح لا يملك آلية الانتقال ابتداءً، ولكن حتى إذا فكر بالانتقال، نظرياً، سيجد نفسه بلا قاعدة حزبية، لأنه يعتمد في الميدان على ناشطين متدينين بدلالة أن غالبية كتلته البرلمانية هم أصلاً خطباء جوامع.. لكنك، كأي مثقف يعود إلى خندقه التنظيمي ويبدأ بالدفاع عن الحزب، ما إن تطرح بعض مواضيع خاصة بالحزب.
- باختصار شديد؛ الانتقال الاستراتيجي للإصلاح؛ لا يعني الانتقال من وضع إلى وضع، ولكنه يعني الانتقال من مرحلة إلى مرحلة في إطار الوضع الواحد المعتمد. انتقال الإصلاح من مرحلة المشروعية التنظيمية إلى مرحلة المشروعية الشعبية والوطنية، بآفاقها السياسية، لا يعني أنه قد غادر، كلياً، مشروعيته التنظيمية السابقة، بآفاقها الفكرية والتربوية، سوى بعض المظاهر أو الأساليب التي ربما لا تتناسب مع المشروعية الجديدة التي انتقل إليها. والإصلاح لم يغادر مربع التدين ولا مربع الناشطين المتدينين، بل لا زال هذا التدين هو قوة الدفع المحركة لمرحلة المشروعية السياسية الوطنية للإصلاح، ولكن بقدر من الإصلاح المنهجي لمنهجية التدين في إطار منهجية التدين ذاتها، وليس بمنهجية وافدة عليها من خارجها. ما يحدث من تباين داخل الإصلاح، حسب ما يتراءى للبعض، هو، ربما، في إطار هذه الإصلاحات المنهجية التي هي من فقه المرحلة، ولها أصولها في المنطلقات الاستراتيجية، كمنطلقات شرعية لا خلاف حولها بقدر ما ينصب الاختلاف في منهجية الإسقاط المنهجي لمفاهيم هذه المنطلقات، مرحلياً ونوعياً، في إطار خصائص المنهج الإسلامي، الذي من خصائصه صلاحية هذا المنهج لكل زمان ومكان. والاختلاف المنهجي في نظرية الإسقاط تظل قضية موضوعية معتبرة لا تخص الإصلاح وحده بقدر ما تخص المشاريع الإسلامية في المنطقة بكاملها، بل ربما تتجاوز ذلك إلى التراث الإسلامي، كتراث ظل، فترة من الزمن، يعيش تحت طائلة الجمود. وهذه مهمة تحتاج إلى حركة إصلاحية تجديدية في الإطار الإسلامي العام.
* إلى أي مدى تعيق حركة التدين حركة تجمع الإصلاح كحزب سياسي؟
- التدين في حد ذاته، كسلوك شعائري وعقيدي وفق منهجية صحيحة، يشكل قوة دفع حقيقية لمسار الإصلاح السياسي كما أوضحت ذلك آنفاً، ولكن الذي يعيق المشروع السياسي للإصلاح هو التدين المغلوط، الذي أضر بالمشروع الإسلامي ولا يزال يضر به حتى الآن. ولا يمكن النظر إلى هذا النوع من التدين إلا كخادم حقيقي لمشاريع الاستبداد والتخلف، وهذا تحد حضاري حقيقي لا يمكن إنكاره، وربما أخطاره تتجاوز أخطار المشاريع الاستعمارية.
* لكن يبدو أن حركة التدين هذه، أو الجناح الديني، هي التي توجه وتقود حركة تجمع الإصلاح.
- واقع الحال يثبت خطأ هذه المقولة، ولو كان التدين الخاطئ هو المحدد الاستراتيجي لمسار الإصلاح، لما كان الإصلاح في هذا الحضور المعتبر على الساحة الوطنية. ومع ذلك لا يعني أن الإصلاح يتعرض لبعض هذه الآثار الناتجة عن هذا التدين المغلوط، ومهمة الإصلاح تسعى باستمرار لدفع هذه الآثار أو تخطيها أو تجاوزها، بحكم ظروفه الموضوعية والواقعية. وما لم يتم تجاوزه اليوم يصبح من مهام الغد.
* الحركات الإسلامية أنجبت أنماطاً للتفكير قامت على موازنة الأفكار المتداولة في العالم حول حقوق الإنسان. الحركة الإسلامية اليمنية، ينظِّر أحد أبرز قيادييها المؤسسين، لتكوين هيئة لحماية الفضيلة، ويخترع علاجاً للإيدز، فيما كان ممثل الجناح الآخر داخل الحزب، محمد اليدومي، قد ترك أمانة الحزب، بعد أن فرغ من تأليف كتاب يدور حول حياة البرزخ.. أين هي الأفكار الجديدة التي يقال إن الإصلاح يتمثلها، بطريقة أو بأخرى؟ أين هي هذه الأفكار إن لم تظهر في طريقة وتفكير رئيس مجلس شورى الحزب وأمينه العام السابقين؟
- بالنسبة للتنظير لما يسمى بهيئة حماية الفضيلة، فقد سبقت الإجابة عليه بما يكفي، وأنا شخصياً لم أسمع تنظيراً باسم الإصلاح في هذا الاتجاه. بالنسبة لكتاب "حتى تستقيم الخطى" للأستاذ اليدومي, فهو يتضمن مفاهيم روحية لها أصولها الشرعية لا تتنافى مع منهجية الإصلاح في قضايا الحقوق والحريات، بل إن هذه المفاهيم جزء من عملية إصلاح النفس كمفاهيم روحية، وهي تنطلق من اعتقاد صحيح لفهم الإسلام، ولكن لا يعني أن هذه المفاهيم هي كل مفاهيم المشروع الاستراتيجي السياسي للإصلاح. لو اطلعت على كثير من مقابلات اليدومي ومحاضراته لوجدت الكثير من المفاهيم الاستراتيجية الحضارية التي تعبر عن المضمون الحضاري للمشروع الإصلاحي. ثم إن أدبيات الإصلاح وتجاربه وطريقة أدائه السياسي وتفعيله لتجربة اللقاء المشترك، تدل على سلامة هذا الأداء، بمنهجية شاملة متكاملة، بأبعادها الروحية التربوية والسياسية.
المشروع السياسي والديني داخل الإصلاح
* (مقاطعاً) لكن الواضح أن المشروع الديني أعلى وأكثر قوة من المشروع السياسي الحديث في حزب الإصلاح؟
- الموضوع على هذا النحو ينم عن قضية أساسية لا زالت غامضة لدى البعض، وهذه القضية هي تحديد المفهوم الديني بمعزل عن المفهوم السياسي، لأن الدين، بمفهومه الصحيح، يشتمل بكل تصورات الحياة.
المشكلة أن البعض ينظر إلى الدين باعتباره مجموعة شعائر، في حين كل الجهد الإنساني، الذي يحقق العدالة والمساواة ويكرم الإنسان بمختلف عقائده، يسمى ديناً أيضاً، والدين يقر هذا الجهد الإنساني، ويعتبره جزءاً من حلقاته، ويبني عليه الجزاء والثواب في الآخرة.
المشكلة الآن أنه لا يوجد مفهوم ديني كهنوتي بمعزل عن الإنسان وحقوقه السياسية، ولهذا لا أقول بأن سقف الدين في الإصلاح يعلو فوق سقف السياسة، ولا أقول بأن السياسة تعلو سقف الدين.. لا يمكن النظر إلى أحد هذين المفردين بمعزل عن الآخر، وهذه قضية تحتاج حواراً ثقافياً فكرياً، لا يزال له أصوله في جملة من المفاهيم لدى ما يسمى بالعلمانيين وجملة من المفاهيم لدى ما يسمى بالإسلاميين، وسبب هذا هو الفهم المغلوط للتصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة. ولو وجد مثل هذا الحوار لتصحيح هذا المفهوم لما احتجنا لمثل هذا السؤال.
* أنت تتحدث عن مفهوم الدين فيما سؤالنا كان عن أسباب قوة الجناح الديني على الجناح السياسي في الإصلاح.
- قلت لك إنه لا يوجد عندنا مفهوم جناح ديني. لا يوجد في الإصلاح جناح ديني، ولا يوجد حتى في الإسلام طبقة دينية تدعي أنها مفوضة من الإله على نحو من الكهنوتية. بل الإسلام يمثل حاجة للإنسان، بكل مفرداته، حتى لغير المنتمين له.
* هل هناك تيارات داخل الإصلاح؟
- داخل الإصلاح هناك رؤى قد يكون فيها قدر من التباين، ومنشأ هذا التباين هو الفهم المختلف لطبيعة الحقيقة الواحدة، وذلك يشكل، أحياناً، حالة التدين المغلوط الذي أشرت إليه سابقاً. هذه الرؤى تظل رؤى محترمة ومقدرة، وإذا اتصلت بشأن تنظيمي أو سياسي تحسم من خلال أغلبية الرأي الجماعي.
* هل هذا التباين في الرؤى عائد إلى كون الإصلاح تجمعاً يضم إخواناً مسلمين وسلفيين وقبليين تقليديين وتجاراً..؟
-ممكن يكون ذلك. الإصلاح إذا أصبح كحزب سياسي ممثلاً لكل المصالح الاجتماعية ومجمل التباينات، فهذه من عوامل قوته وليست من عوامل ضعفه. أعتقد أن هذا الواقع، إن وجد أو هو موجود، هو الذي مكن الإصلاح من التعامل مع المشروعية الوطنية بكل آفاقها وتبايناتها، وهذه تحسب له وليس عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.