عاشت مصر، أول من أمس، ليلة مذابح على الطريقة الرواندية، قتل فيها 23 شخصاً وجرح 50 واحرقت عشرات المنازل، وقام غاضبون بتعليق جثث على مداخل بيوت، وآخرون بالتمثيل بها، ونقل جرحى وقتلى على عربات كارو وهي مكشوفة في مشاهد اصابت الرأي العام المحلي والدولي بالفزع. وقال الناشط الحقوقي الأسواني علي يعقوب، ي اتصال هاتفي مع «الإمارات اليوم» « إن الاحداث بدأت الاربعاء الماضي بكتابة شباب من قبلية »الدابودية« (النوبية) عبارات مسيئة، في حق قبيلة »الهلايل«(الهلالية)، على أسوار مدرسة الصنايع في منطقة السيل الريفي بأسوان، انتهت بمشاجرة بين شباب القبيلتين، واستقدام »الهلايل« مئات الشباب من أحيائها مسلحين بالسكاكين، والعصي والهراوات والخناجر، وحاصروا المدرسة واشتبكوا مع الدابودية، ووقعت عشرات الاصابات، وتوقفت المدرسة عن الدراسة، ثم بدا ان الأمر انتهى عند هذا الحد». وتابع يعقوب إن «الهلايل» استكملوا المعركة بعد صلاة الجمعة، فشنوا موجة جديدة من الهجمات في شوارع السيل وحاصروا بيوت «الدابودية» وانتهى هجومهم مع انتهاء آخر أضواء نهار الجمعة بقتل 3 نوبيين واصابة العشرات، وبينما توجهت النساء وكبار السن لدفن الموتى، كان شباب الدابودية النوبي يخطط لموجة انتقام هائلة تكشفت أبعادها صبيحة اليوم التالي«. تعليق الدراسة في 25 مدرسة توقفت الدراسة بشكل رسمي داخل 25 مدرسة في أسوان، حيث غاب الطلاب بشكل ملحوظ عن بقية المدارس التي لم تتوقف الدراسة بها نظرا لمخاوف أولياء الأمور من تجدد أحداث العنف .وقرر محافظ أسوان تعليق الدراسة لمدة يومين في ال 25 مدرسة ومعهد أزهري تقع في محيط الأحداث والمناوشات بين القبيلتين، منها تسعة مدارس ابتدائية و11 مدرسة إعدادية وثلاث مدارس ثانوي وفني، بالإضافة إلى اثنين من المعاهد الأزهرية، مشيراً إلى أن ذلك يأتي كإجراء احترازي للحفاظ علي أرواح وسلامة الطلاب والعاملين بهذه المدارس والمعاهد، بجانب منع حدوث أي مناوشات أو احتكاكات بين الطرفين مرة أخري . ويواصل يعقوب »فجر السبت، قام مئات من الشباب النوبي المدجج بكل أنواع الأسلحة البيضاء والنارية وقنابل المولوتوف بهجوم مكثف على أحياء الهلايل، فقتلوا 14 شخصاً، واصابوا 20، وأحرقوا عشرات المنازل ومثلوا بجثث القتلى، وعلقوا بعضها على المنازل، لتتواصل المعركة حتى مساء السبت«. وأكد يعقوب » ان هناك جذورا للمعركة بين الدابودية والهلايل، على مدى سنوات، لكنها كانت تنتهي بتلاسنات او اصابات محدودة، وشهدت مرة واحدة من قبل سقوط قتيل«. وقال المحامي النوبي محمد عزمي على صفحته على موعع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إن المجزرة بدأت عندما قام شخص يدعى بابو كلمبو بإطلاق نار على الطلبة في مدرسة الصنايع، فأشعل الحادث النوبيين، فانتقلوا إلى إشعال النيران في بيوت الهلايل»، لكن شبابا من الهلايل استطلعت «الإمارات اليوم» رأيهم عن بداية الأحداث رفضوا رواية عزمي «مصممين على أن البداية كانت كتابات عنصرية ومسيئة ومهينىة كتبها الدابودية على جدران المدرسة وعلى بيوتهم». وكشف الباحث بمركز دراسات الجنوب، نصر وهبه، ل « الإمارات اليوم»، أن «وصول الاشتباكات إلى هذا الحد الفظيع بين المجموعتين الجارتين، هو مفاجاة، فالمجموعتان بينهما احتكاكات جيران منذ تهجير النوبيين الأخير بعد بناء السد العالي، والتحامهم بالتجمعات الصعيدية، لكن الاحتكاكات كانت محدودة، فكلا من الدابودية النوبية، والهلايل أو الهلالية، يقدمان نفسيهما إلى المجتمع المدني بوصفهما مجموعات تعاني من تهميش، وبالتالي لا يمكن القول إن أحداهما تملك الاستقواء علي الاخرى، كذلك ليس بينهما مصالح متعارضة كالشجار على ري الأرض، أو المراعي، أو حدود المزارع، أو غير ذلك، إذ أن كل ما بينهما هي علاقة التجاور بحلوها ومرها، واحتكاكات الشباب، هذا علاوة على أن أسوان، المدينة التي تجمعهما عرفت بوداعتها وطيبتها ورقيها وهدوءها، كما انها تعرضت لموجات صهر وحداثة أثناء بناء السد العالي بها، والذي أصبحت خلال فترة تشييده جزءاً من القاهرة، وزيارة مئات الآلاف من السياح إليها، ما حولها إلى مدينة مختلفة عن البناء القبلي الصعيدي إلى حد كبير، وآخر مدينة يتوقع رؤية احداث من هذا النوع على أراضيها». وقال منسق ثورة 25 يناير بالأقصر علاء عبد الهادي «إن سبب الأحداث هو أن السلطات تركت الصعيد منذ 60 سنة، نهباً للجهل، والتخلف، والعصبية، والقبلية، والشعوذة والخزعبلات، والثأر، والجلسات العرفية، وإنها كانت سعيدة للدور الذي يلعبه الأهالي فيما بينهم، بينما متفرغة هي للنهب والسرقة وتكوين الثروات». من جهته، انعكس شبح «التسييس» والاستقطاب السياسي في مصر على الأحداث الأليمة. فقد أعلن الناطق العسكري احمد محمد علي في بيان أول من أمس عن «وجود أصابع اخوانية في الاحداث»، فرد « تحالف دعم الشرعية الموالي للرئيس المعزول محمد مرسي ببيان مقابل ينفي التهمة ويتهم الحكومة بمسؤوليتها عن المجزرة، والتفرغ لأمنها الشخصي وتركها الأمن المجتمعي»، كما قال وكيل وزارة الاوقاف محمد عبد العزيز لبرنامج « الحياة الآن»، أن «الشخص الذي كتب العبارات المسيئة للهلايلة والدابودية واحد، وكتبها بنفس الخط، وهو مدرس ينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية وجاري البحث عنه». وحاول كل من طرفي النزاع، الهلايلة والدابودية، استغلال الأجواء السياسية لصالحه، فتحدث رئيس جمعية بني هلال صلاح حسين، لمحطة «صدى البلد» عن دور الإخوان في الاعتداء عليهم، بينما اتهم ائتلاف «عائدون» النوبي من أسماهم ب «بلطجية الهلايل» بأنهم «أداة أمنية تستخدم ضد المتظاهرين منذ ثورة 25 يناير». وتتواصل المخاوف في أسوان والأقصر وصعيد مصر، من اتساع رقعة الأحداث لتصل إلى مختلف المناطق، بسبب انتشار المجموعتين المتنازعتين وتجاورهما في نقاط أخرى، حيث يتواجد الهلايل في تخوم الاقصر، وأرمنت، وإسنا، خصوصا الضبعية، والمريس، والحدادين، كما يتواجد النوبيون، ممن تم تهجيرهم بعد بناء السد العالي في منشية النوبة بالطود بالاقصر، وفي المدينة ذاتها. وصرح رئيس الوحدة المحلية لمنشأة النوبة بالطود، شعبان عبده لبوابة «فيتو» الإخبارية المصرية «أن هناك حالة من القلق تسود اوساط النوبيين في المنشية، والأقصر، نظراً للتجاور مع الهلايلة، وخوفاً من حدوث احتكاكات، وقد سبق وحدثت في السابق في عهد عبدالناصر، وتم احتواءها لكن زمن عبد الناصر شيء واليوم شيء آخر» على حد قوله. وظهرت دعوات وصفحات عنصرية، تصنف الهلايل بأنهم «بلطجية» و«غجر» بعضها صادر من ائتلاف (عائدون) النوبي، ومن بينها صفحة «يد واحدة لطرد الهلايل من أسوان»، وقد ووجهت هذه الصفحات بالاستهجان من الشارع المصري، وبتعليقات رافضة لها على الانترنت. في الاتجاه المقابل، أصدرت مجموعات صعيدية تنتمي لأحزاب يسارية وليبرالية وحلقات ثقافية، بيانات تطالب النوبيين والهلايل بالعودة إلى ثقافة التعايش والسلام، التي جمعتهم عشرات السنوات، وأصدر حزب« العيش والحرية» بالاقصر، بياناً دعا فيه مواطني المنطقة إلى إطلاق مبادرة وحدة وطنية، تتجاوز الأحداث وتسعى للحفاظ على النسيج الاجتماعي، وقال القيادي في الحزب طارق حسن ل « الإمارات اليوم»، « أن الحزب سيتحرك في حملة طرق الأبواب لجمع كل القوى الحية حول المبادرة لنزع فتيل الأزمة قبل فوات الآوان». الامارات اليوم