بقلم : أنور سلطان ذكر الاخ لطفي شطارة في منشور له على صفحته في الفيس بوك ان صخر الوجيه رفض تحويل مائة مليون دولار دفعتها قطر لصندوق تعويضات العسكريين الجنوبيين المسرحين والمفصولين قسرا، مما اثار خلافا بين هادي والوزير المذكور، وكذلك وقف قطر لبقية المبلغ. هذه الحادثة تعكس جوهر القضية الجنوبية. ما الذي ولد القضية الجنوبية؟ اليس حرب 1994م؟ ما هي النتيجة المباشرة لهذه الحرب؟ اليست النتيجة المباشرة سيطرة الشمال على الجنوب سيطرة عسكرة مباشرة؟ ولم تكن هذه النتيجة لتحدث الا بعد هزيمة الجيش الجنوبي وانحلاله الى افراد عادوا الى بيوتهم وهرب آخرون. لقد سيطر الشمال عسكريا على الجنوب، وانهى سيطرة الجنوب عسكريا على بلاده. بغض النظر اختلفنا مع الجيش الجنوبي في السابق وعقيدته العسكرية ام اتفقنا. فاذا اختلفنا حول الجيش الجنوبي (فرضا) فيجب الا يستبدل الجيش الجنوبي الا بجيش جنوبي، وليس بجيش شمالي. كما انه لا يحق للشمال الاعتراض على السلطة والجيش الجنوبي، لأنه بتوقيع الوحدة اعترف انهم الممثل الشرعي للجنوب. وبالتالي فتسمية الشمال لقواته بقوات الشرعية ابان الحرب يناقض اعلان الوحدة الذي يعد اعتراف بشرعية النظام والسلطة والجيش الجنوبي. ان النظام والسلطة وجيشها في الشمال لا تمتلك اية شرعية فوق شرعية السلطة والجيش الجنوبي، ناهيك ان يكون لها شرعية فوق الشعب الجنوبي. واذا اعتبرنا ان اعلان الوحدة صحيح، اي تمت بعد الاستفتاء عليها، فهناك سلطتان لم تندمجا، اعترفت كل منهما بشرعية الاخرى، وهذا لا يعطي احدهما شرعية على ارض وبلاد الاخر بمجرد توقيع الوحدة. فلا بد من اندماج الشرعيتين باندماج سلطاتهما، لإنشاء دولة الوحدة. وهذا امر لا يكفي بل لا بد من اسس وشروط تضمن الشراكة دون ان تنتج الوحدة استفادة طرف على حساب الاخر، ناهيك عن سيطرته. ولا بد بالإضافة الى ذلك من شروط خاصة تحتاط للاختلاف حتى يزول من اجل ان تنجح الوحدة كما حدث في الوحدة الالمانية. ما تم ليس فقط وحدة خاطئة، بل قفز حتى على مضمون وفكرة الوحدة، الى سيطرة عسكرية مباشرة على الجنوب، وهدم مؤسساته السيادية. هذا هو جوهر القضية الجنوبية. فلم يحصل اساسا تسريح، بل هدم المؤسسة العسكرية والامنية والاستخباراتية الجنوبية بفعل الهزيمة في حرب عدوانية على الجنوب. والذي يُسمى تسريح ليس الا رفض قبول جنود وضباط الجيش الجنوبي وباقي المؤسسات السيادية الذين تفرقوا وذهبوا الى ديارهم في جيش الشمال الذي سيطر على الجنوب. واجراء الرواتب للعسكريين ليس الا مقابل زوال مؤسسة الجيش الجنوبي واعتراف ضمني بشرعيتها، وله اسباب سياسية وعسكرية ايضا. وبالتالي فقبول البعض في الجيش الشمالي ليس حلا للقضية الجنوبية، ومساواة البعض بالشماليين، ومعالجة فروق رواتب التقاعد على مدى العشرين سنة الماضية، كذلك ليس حلا للقضية الجنوبية. هناك سيطرة عسكرية شمالية على الجنوب، وهذه لا ينكرها انسان يحترم نفسه وعقله. ولا نريد احد ان يكرر على مسامعنا العبارة المغالطة ان هذه السيطرة ليست ذنب الشعب الشمالي. نعم جرائم امريكا ليست ذنب الشعب الامريكي, وكذلك جرائم السلطة الشمالية وجيشها واجهزتها وجريمة حرب 1994م واحتلال الجنوب ليست ذنب الشعب في الشمال، لا نتحدث عن الشعب الشمالي، بل نتحدث عن جيش شمالي بقضه وقضيضه ومؤسسات امنية عسكرية (كالا من المركزي) سيطرت على الجنوب تتبع السلطة والنظام الشمالي الذي وقع الوحدة، بغض النظر عن حقيقتها قبلية عنصرية ام لا، هذا لا يغير من جوهر الامر، وبغض النظر عن المسؤول الذي اتخذ قرار الحرب اكان علي عبدالله صالح ام كان احد اخر مكانه وقتها. ان خطأ الحرب ونتيجتها المباشرة المتمثلة في السيطرة العسكرية على الجنوب، هو الذي يشكل جوهر القضية الجنوبية، بغض النظر عن طبيعة النظام الشمالي وطبيعة جيشه، وبغض النظر عن الشخص الذي اتخذ قرار الحرب. هذا لن يغير من واقع السيطرة شيئا طالما ليس هناك اقرار بالخطأ ونتيجته وارادة في معالجة النتيجة. سم هذه السيطرة العسكرية احتلال واستعمار او سمها ضم والحاق، او ما شئت. هناك سيطرة عسكرية يجب ان تنتهي. النتائج الاخرى ليست الا اثار جانبية لهذه النتيجة الجوهرية للحرب، وعلى راسها النهب. ولان النظام الشمالي الذي انتصر وسيطر هو نظام قبلي عنصري فان اثار السيطرة كارثية على مختلف الأصعدة، وليت الاثار الجانبية للقضية الجنوبية اقتصرت على النهب غير الضار. وعودة على بدء. ان عجز هادي يعود لكونه لا يمتلك اية قوة حقيقية. فقوته من قوة الشمال واتفاق قوى الشمال الحاكمة. فاذا لم يرد الشمال شيئا لا يستطيع هادي فعل شيء حتى ولو معالجة لبعض الاثار الجانبية للسيطرة الشمالية. وكما نرى هنا، فهادي لا يستطيع ان يفعل شيئا حتى في هذه التعويضات الخارجية المخصوصة. ان هادي ليس بيده سلطة فعلية الا اذا اراد الشمال او كان هناك ضغط خارجي من القوى المؤثرة على الشمال المسيطر تجبره لتنفيذ قرارات هادي. فابسط مسؤول يستطيع ان يضع حدا لهادي طالما كان رؤساؤه الحقيقيون موافقين على فعله، فحتى قائد لواء لا يستطيع هادي توجيه عتاب اليه. (وهذا لا يعفي هادي من المسؤولية). الحل الحقيقي للقضية الجنوبية ليس تعويض افراد عما لحق بهم من ضرر جراء حرب 1994م، فهذا تحصيل حاصل. الحل هو انهاء وضع السيطرة العسكرية من طرف على بلاد الطرف الاخر، انهاء سيطرة الشمال على الجنوب، بعد ذلك يكون حل اثار العدوان ليس الا مسالة فنية،، الحل الجذري هو حل العدوان القائم، بسحب القوات الشمالية من الجنوب، وانشاء جيش مشترك، وتسريح الزيادة في الجيش الشمالي التي جاءت على حساب الجيش الجنوبي ومن اجل احكام السيطرة على الجنوب. اذا انتهت السيطرة العسكرية ، فالباقي تفاصيل جانبية. وحصر القضية الجنوبية في معالجات جانبية نتجت من العدوان هو تفريغ لها من مضمونها الحقيقي، وهو واقع السيطرة الشمالية الذي يشعر به الشعب الجنوبي الذي يجعل مستقبله في كف عفريت الشمال. عندما تنتهى هذه السيطرة العسكرية بإنشاء جيش مشترك يحكمه القانون ولا يتدخل في الحياة المدنية، ويكون الامن والقضاء والسلطة التنفيذية في الجنوب بيد ابنائه كما هو في الشمال عندئذ سيكون لمعالجة اثار واضرار الحرب على الجنوب في هذا السياق معنى، اما في سياق السيطرة العسكرية فليست المعالجة الا مجرد رشوة لإسكات البعض واستمالة البعض الاخر، لتكون بديلا عن الحل الحقيقي. هذا اذا سمحوا بها اصلا. عدن اف ام