استبعد الخبير في شؤون الشرق الأوسط براء ميخائيل أن يكون سقوط نظام الرئيس بشار الأسد بات وشيكا، لأنه ما زال متماسكا وقادرا في الوقت الراهن على تكذيب التكهنات الغربية بقرب سقوطه رغم نجاح المقاتلين المعارضين في تنفيذ هجمات في قلب دمشق وسيطرتهم على أجزاء واسعة من البلاد. ويقول ميخائيل، الباحث في المعهد الجيوسياسي الاسباني، إن النظام السوري "لا يمكن أن يسقط سوى بانقلاب أو تدخل خارجي أو من خلال زيادة هائلة في الدعم اللوجستي الذي تقدمه الدول الأجنبية للمقاتلين المعارضين في سورية". ويضيف أن ثمة "تصريحات دبلوماسية قوية لكن لا يجدر تقديرها بأكثر مما هي عليه لأن النظام ما زال يحافظ على الهيكلية العسكرية والمؤسساتية رغم انه يفاجأ في بعض الأحيان" بهجمات من المقاتلين المعارضين، كالتفجير الأخير في غرب دمشق الذي أدى إلى إصابة وزير الداخلية السوري محمد الشعار. وكانت مواقف دولية عدة قد ألمحت إلى قرب سقوط نظام الرئيس الأسد، فقد أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي انديرس فوغ راسموسن الخميس أن النظام "قريب من الانهيار الذي هو ليس سوى مسألة وقت"، بينما اعتبرت واشنطن أن "يأس النظام" يزداد. وفي موقف هو الأول من نوعه، لم يستبعد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الخميس أيضا انتصار المعارضة في النزاع المستمر منذ 21 شهرا، مشيرا إلى أن النظام يفقد السيطرة "أكثر فأكثر"، وهو موقف سارعت موسكو الجمعة إلى التراجع عنه. سبب تصريحات سقوط الأسد ويضع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن سلسلة فرضيات لهذا السيل من التوقعات بسقوط نظام الأسد. ويقول عبد الرحمن "إما أنها بداية إجماع دولي لوضع حد للنظام أو أن الدول الغربية على تواصل مع مجموعة مهمة ومؤثرة في الجيش النظامي يمكن أن تنقلب على الأسد، أو أنهم يزيدون من ضغطهم لدفع الأسد إلى المغادرة لتفادي انهيار تام للدولة". لكن مدير المرصد، الذي يتخذ من لندن مقرا له ويعتمد على شبكة واسعة من الناشطين في كافة المناطق السورية، يؤكد أن "الجيش النظامي ما زال قويا وقادرا على حماية أجزاء واسعة من الأراضي الممتدة من دمشق إلى المناطق الساحلية"، حيث تتركز الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد. لكن الأكيد، كما يقول المراقبون، أن الحضور العسكري والأمني تآكل في مناطق عدة. وأضاف هؤلاء أن تكرار التفجيرات في دمشق لاسيما التي استهدفت مناطق أمنية آخرها قرب وزارة الداخلية، والذي رجح مصدر امني سوري أن يكون نتيجة "خيانة"، يظهر أن الأمن لم يعد خاضعا للسيطرة كما كان الوضع قبل انطلاق الاحتجاجات المطالبة بسقوط الأسد منتصف مارس/ آذار 2011. ويشير خبير عسكري غربي في بيروت إلى انه "من المؤكد أن المقاتلين المعارضين حققوا تقدما ويبدون جريئين لكن في الوقت الراهن ما زال الجيش النظامي يحافظ بشكل عام على تماسكه ويدافع عن المدن الكبرى". ويضيف "رغم الانشقاقات وأعداد الجنود القتلى، يضم الجيش النظامي أكثر من مائتي ألف عنصر من كل الطوائف، وهو لم يزج بكل وحداته في النزاع، بل ما زال يتصرف كجسم واحد لديه مهمة لتنفيذها". وقال الخبير الذي رفض الكشف عن هويته إن الجيش النظامي السوري "كان في وضع غير مريح مع بداية النزاع عندما طلب منه إطلاق الرصاص على مدنيين عزل، لكن الأمر بات أسهل في مواجهة مقاتلين مسلحين". وتحول الرئيس الأسد الذي كان قبل عامين يقدم على انه البديل العصري للبلاد، إلى شخص منبوذ من المجتمع الدولي، بينما يحظى معارضوه في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة بمزيد من الاعتراف، ولاسيما بعد مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الذي عقد في مراكش قبل أيام. لكن النظام ما زال يعتمد على دعم ثلاثة حلفاء هم إيران وروسيا والصين، علما أن الأخيرتين استخدمتا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور أي قرار يدينه. وكانت موسكو قد أكدت بعد التصريحات المفاجئة لبوغدانوف، أن موقفها من الأزمة السورية لم ولن يتغير. ويعتبر خبير، فضل عدم ذكر اسمه بسبب تردده الدائم على دمشق، أن "كل هذه التصريحات تشير إلى أن المفاوضات بدأت فعلا بين الولاياتالمتحدة وروسيا للتوصل إلى حل للأزمة. وقال إن "الأمر يتعلق بفرض ضغوط نفسية لإرغام النظام على توقع مساومات مؤلمة". واستطرد قائلا "لكن الإعلان على الملأ أن النظام سيسقط قريبا قد يكون غير منتج، لأنه في حال عدم حصول ذلك في الأيام أو الأسابيع المقبلة، يمكن للنظام أن يقول انه اقوي من أن يكون مضطرا إلى تقديم تنازلات". يذكر أنه بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى الذين سقطوا جراء العمليات العسكرية التي تنفذها قوات النظام والاشتباكات مع المعارضة قد تجاوز 42 ألف شخص منذ مارس/آذار من العام الماضي.