سطح البياض على اللوحة، هو ما يحفز الفنانة التشكيلية اللبنانية ماجدة نصر الدين، ويجذبها إلى مغامرة الرسم، والفن بالنسبة لماجدة نصر الدين هو ممارسة لحرية مطلقة تطلق العنان للريشة لتقتنص من خلالها رؤية كانت مخبأة في ثنايا العقل وسراديب الوجدان والذاكرة، هنا يصبح الفن بالنسبة لنصر الدين بياضا وريشة وحرية لون، البياض لأنه صورة ملتبسة رغم الصفاء الذي يعكسه، والحرية لأنها مفتقدة في معظم الأحيان في جغرافيا العالم الشاسع غير المستقر المعبأ بالمفاجآت والحروب والأحزان، واللون لأنه من يغالب الروح ويفتح أي نافذة نحو الحرية، ويرسم لها اطاراً وباباً وسقفاً يظللها بالدفء والحنان . تتعاطى ماجدة نصر الدين مع الفن بوصفه يلقي مسؤولية كبيرة على عاتقها، وهي غالبا ما تصف تجربتها في هذا الميدان بقولها "تدرجت من التعبيرية المصورة إلى التعبيرية التجريدية، حيث كنت في البدء أستعين برسم الأشكال، وأتوسمها للتعبير عن الأفكار التي تنتابني، وقد نوعت في الخامات وتشكيلاتها، فعملت بالزيت لسنوات عدة وبعدها دخلت عالم الأكريليك، وهو مادة العصر لأنه سريع الجفاف ويساعد المرء كي يعبر عن فكرته بشكل أسرع" . لا تكتفي نصر الدين بما سبق وأشارت اليه فهي أسست لوحتها بحثا عن ملمس يعطي المنجز الفني بعداً إضافيا ومختلفاً، ومع الوقت وجدت نفسها تستغني عن الورق لصالح اللون، وقد تطلب منها ذلك ممارسة تجارب كثيرة لكي تصل إلى ما تصبو إليه. الناظر إلى لوحة ماجدة نصر الله يصاب بالدهشة من تلك التجريدات التي تبدو للوهلة الأولى خالية من أي معنى، ولكنّ التدقيق في اللوحة يلمس تلك الآثار التي يتخفّى بعضها، لصالح تكوين بصري مدروس، فهي غالبا ما تعنى برسم عالم ينبض بالحياة تجلله غلالة من اللون، كما تطور من أدواتها تبعا لمنطق التجربة وزمانها ومكانها، ومن هنا يمكن النظر إلى لوحاتها المنجزة في البيئة الاماراتية التي تغلب عليها الألوان التي تناسب ثنائية البحر والصحراء، هي تصف تلك التجربة بأنها انعكاس لتلك "المساحات اللامتناهية من الهدوء الذي يخبىء ألوانه بصمت وعنفوان" . وفي هذا السياق يمكن رصد تجربة نصر الدين في الشارقة، التي توصف بأنها تجربة غنية، مكنتها من الالتقاء بفنانين طالما حلمت بلقائهم مذ كانت طفلة، وقد كان لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية ودائرة الثقافة والإعلام دور أساسي في هذه التجربة، التي تأتي في سياق الأفق الفني والتشكيلي الرائد في المنطقة في الفنون المرئية . لا يخفى على أحد كما تؤكد نصر الدين أن الشارقة كانت سبّاقة في إقامة المتاحف والمعارض السنوية، والكثير الكثير من الأنشطة، التي لا تعد ولا تحصى لجعل الفنون البصرية حالة خاصة يحتذى بها في كل مكان . تندرج تجربة ماجدة نصر الدين في إطار ما يسمى "الفن المعاصر" الذي انضوت تحته كثير من مدارس الحداثة وما بعدها ومن ضمن ذلك المفاهيمية، والمفاهيمية بالنسبة لنصر الدين هي كغيرها من الفنون التي تنطلق من النفس البشرية، وما يحيط بتلك النفس، بل ما يعتمل فيها من توترات وتطلعات وشجون، والمفاهيمية بهذا المنظار تعبر عن "فكرة" أو مفهوم يعمل عليها الفنان ليرسخها في وجدان المتلقي، بل هي خلاصة ما يود الفنان تحقيقه ويريد أن يصل إلى العالم . والفن المفاهيمي الذي فرض نفسه بقوة في الآونة الأخيرة في الإمارات، هو أمر مستساغ بالنسبة لنصر الدين ويمكن تقبله، لأنه يعبر عن نشاط جميل يمارسه الفنان، وأكثر من ذلك هو نتاج بحث وسعي نحو التميز، وهو ينسجم مع موجبات التطور التي تتمتع بها دولة الإمارات التي تتمتع ببنية تحتية مناسبة للجدل الفني، فهناك بينالي الشارقة للفنون وآرت دبي وآرت أبو ظبي ومجموعة كبيرة من الصالات التي تنفتح على الفنون وتمنح الفنان حرية مطلقة في التعبير من خلال الفن . وضمن هذا السياق تفهم نصر الدين الفن، بأنه نافذة تتيح استثمار كافة الطاقات، فهي لا توفر شيئا، يمكن أن يخدم لوحتها من الناحية البصرية، وهذا يضعها في لب تشكيل اللوحة التي تنفتح على فضاء تجريدي تعبيري، لا يتوسم الأشكال، بقدر ما يعتمد على موسيقا اللون، والاشتغال على السطح، الذي تضجّ أعماقه بعوالم تبدو في البدء مخفية ولكنها موجودة بصلابة وشفافية . ولماجدة نصر الدين تجربة مهمة في استخدام الشعر في التشكيل، وقد قدمت مجموعة من اللوحات التي تداخلت ومجموعة من القصائد التي كتبها مبدعون كبار في فترات زمنية متباعدة، ومنهم: الحلاج وأمل دنقل ومحمود درويش، فجاءت العبارات الشعرية التي انتقتها بعناية، إما محفورة في اللون، أو على شكل كولاج، رصّت حوله الألوان ليصبح من مكوّنات اللوحة في السطح والعمق معاً . في سياق التنويع في التجربة مارست ماجدة نصر الدين تجربة اللوحة الصغيرة جدا، وكان ذلك بمثابة تحد كبير بالنسبة لها، بعد أن اختبرت لسنوات طوال اللوحات والمساحات الكبيرة، وهي تعتبر أن هذه التجربة مفصلية في أكثر من معنى، فليس سهلا بالنسبة للفنان، أن يكثّف روحه أو يختزلها على سطح لوحة صغيرة، لم تتجاوز أحيانا السنتيمتر الواحد طولا وعرضا، وقد شكلت هذه التجربة بالنسبة لنصر الدين، تحديا كبيرا، وهي ما تزال حتى اللحظة مستمرة في البحث في أغوار هذه الأيقونات الصغيرة، كما لا تعتقد أنها ستفلت منها بسهولة . ترفض نصر الدين كل مسوغات انتاج الأعمال من دون مبرر منطقي لها، بل هي تصر على أن فكرة الفن انما تنبع من حاجة ملحة ليست مفصولة بطبيعة الحال عن حرارة الدهشة، ومن هنا، فإن الفن بالنسبة لها هو "عالم جميلٌ من التجارب والمعاناة الصامتة التي يعيشها الفنان بكل جوارحه" . في هذا السياق هي تعتقد بأن الفنان طالما هو مستمر في الرسم، كلما عمل أكثر على تلمس الجمال لمس اليد، فصارت روحه أخفّ وأجمل . لذا فهي تدرك كم هو صعب طريق الفن، وكم هو صعب وصفه وتفسيره أيضاً، خاصة حين يتعلق الأمر بالتجريد، لأن الفنان هنا داخل لا محالة في حلقة من المجهول المطلق . عن مشروعها المقبل تدأب نصر الدين منذ فترة على إنجاز تجربة باللونين الأسود والأبيض، وهي تعتقد أن هذه التجربة ستكون مفيدة لأنها ستدرس في سياق اختبار حساسية جديدة، هي صعبة لأنها ستختبر قدرتها على إنجاز شيء مختلف يراكم على صعيد ما قدمته من أعمال، ولأنه سيختبر في الوقت نفسه فكرة التحدي التي تنبثق منها كل الأفكار والتجارب الجديدة .