كنت مع صديقي نشاهد فيلمًا غربيًا، وتأثّرنا سويًا بمشهد طفلة ضائعة تلوح بعلم بلادها لتلفت انتباه طائرات النجدة، فقلت وأنا أسترجع ذلك الجدال السنوي في اليوم الوطني وسط تصرفاتٍ مُؤسِّفة من البعض بدعوى حب الوطن: ألا نستحق أن نحتفل بوطننا ولو يومًا واحدًا في العام دون محاولة عِتَاب ذلك الوطن أو اتهام من يُصرِّح بحبه بالنفاق؟! قال: ألا ترى أنك آخر من يجب أن يتحدّث بهذه النبرة؟! أنت كاتب في صحيفة.. وبالتالي مصداقيتك أمر فيه من الشك الكثير! قلت: لعلِّي أريد أن أقف في منتصف الطريق بين النفاق والذم المتواصل.. قل لي أنت ماذا يعني لك الوطن؟! قال: سوق "المدعى" الجميل، ومحلات الأحذية "الزبيرية" التي يخصفها أبناء جلدتي، العمدة العم "عبدالله أبوالريش".. مذياع "فيلبس" العتيق وتصدح منه أغنية: "حاول تزرع أرض بلادك"، ماذا عنك أنت؟ فقلت: الوطن جغرافيا يسكنها الكثير من التاريخ. قال: جميل.. زدني. قلت: هي تلك الأرض التي قد يسيء من عليها لك فتشتمها! ولكن ما أن يُهدِّدها عدو خسيس؛ فإنك تنسى كل شيء وتهب مدافعًا عنها عاري الصدر، قد يكون لديك ما يُعكِّر صفوك وأنت مغادرها.. فإن عشت في جنة غيرها.. لم تلبث إلا وأنت مشتاق إليها. قال ميخائيل جورباتشوف لابنة ستالين التي جاءت تستأذنه الرحيل عن السوفييت: "اسمعي جيدًا يا سفيتلانا، في إمكان الوطن الأم أن يعيش من دونك، لكن أنتِ لا تستطيعين الحياة من دونه". صحيفة المدينة
