احمد عبداللاه اكثر شيء يحملك على الحيرة هو وجود خبر هنا او هناك بأنَّ اليمنيين يحبسون أنفاسهم بسبب حدث ما، قد يقع بين لحظة وأخرى. فأهل اليمن اكثر خلق الله حبساً للأنفاس ولطالما حبسوا حتى تورَّمت صدورهم وتشققت أوداجهم... يحبسون الأنفاس لأصوات الانفجارات والرصاص ويحبسون بسبب الحروب المتعددة والقتل اليومي، ويحبسون بسبب الصراع المرير على السلطة ، ويحبسون بسبب تحرر القاعدة من كل القيود وهي تسرح وتمرح بلا مواعيد محددة، تهجم وتهرّب اتباعها من السجون، وتتحرك بحرية اكثر من رئيس الحكومة او من وزراء السلطة... ويحبسون مؤخراً بسبب صراع الرآسة مع الاخوان، وهم درجوا على أن يحبسوا الأنفاس بسبب الانهيار الاقتصادي المتدرج وانقطاع المياه والوقود والكهرباء .. ويحبسون ويحبسون .. وهناك اسباب فاقت الأنفاس المحبوسة.. فكم من الجهد تملك يا حابس الأنفاس كي تصمد رئتاك وسط هذا الدخان العظيم ! الحقيقة لا احد يتمنى أن يرسم صورة قاتمة أو يشمت بالأرض وبالإنسان لاننا كبشر نحب الحياة والسلام، وتؤلمنا اخبار الموت والسقوط مهما كان الضحية لأنه/ لأنهم في الاول والأخير بعضُنا بَعَدوا أَمْ قَرَبوا. لكن المشهد اليمني اصبح متحفاً جُمِعَت فيه كلُّ انواع الصراعات التاريخية والمعاصرة التي دارت وتدور وسوف تدور على الارض الممتدة من مضيق جبل طارق حتى باب المندب، ويمثل نموذجاً مكثفاً يختزل كل أوجاع الأمة العربية والإسلامية في هذا العصر .. وفي اليمن بعض مما في كل بلد، جمع كسري لمصائب الدول مجتمعة . واليمن يُعدُّ في الوقت ذاته أعجوبة العصر ليس في تنوع النزاعات وتعدد جذورها بل في إجتهاده الدؤوب على ان يظل عالقاً بين الحياة والموت واحتياجاته المتواصلة للصعقة الكهربائية لاستعادة النبض المنهوب في كل دقيقة. شعب يتنفس ويحبس وفق إيقاع غير منتظم، يتابع اخبار الموت والحياة كل يوم وكل لحظة دون خطط ودون مؤشرات او تكهنات ودون منطق، بل نزاعات يومية ساخنة وباردة، متنوعة ومفتوحة، قوية ومتوسطة وناعمة. فاليمن تمتلك ترسانة حربية هائلة وغابات من الجند وحشود من المليشيات ووفرة من شعوب القبائل المسلحة وفيها مخزون متراكم من الوقود الديني والسياسي والمعنوي والجغرافي والتاريخي والقبلي... وفيها فقر منقبض الحال وقصور منتفخة وحكايات شهرزاد التي تغافل قاتلها لتأجيل السيف .. وفيها حرائق كبيرة، وحوار خرج للتو نحيلاً حزيناً باهتاً ينشغل المسئولون في تنميق الحديث عن مخرجاته ويعدّون لذلك (المصفوفات) الأفقية والرأسية والمائلة ويبحثون عن مرابط لخيولهم العاثرة، وفيها حكومة تصارع نفسها عند كل صبح وقبل المنام. وبين حين وآخر يطل رأس البنعمر، الحاوي الأممي ممثل مملكة المتجهمين، غليظ المحيّا، الذي يحل كل المصائب بتعويذاته الفرنكوفونية ويدفعها بتميمة الفصل السابع التي تحرس اليمن من غبار شياطينها. لا احد يعلم ماذا سيحل تحت كل شمس يومية، فبين مطلعها والعين الحمئة، هناك حكايات تؤلم ( تنحكي عالربابة كما يقول اهل صعيد مصر) وحكايات تُذهل وحكايات تُخجل وحكايات تشقّ الأفئدة .. كل يوم تعوي الصحافة على رؤوس النائمين والصبح يتعثر في مكان ما، وكل يوم يواصل اليمانيون موتهم البطيء بانتظام تام... وتبقى جذور المصائب تنمو وتتفرع.. تَضِلّ وتُضَلّ ليستتر كنهها الى حين. وإذا لم يتعرّف الخلق على جذور مصائبهم ويعترفون بها ويجمعون على علاجها، فلن يكون هناك شفاء، وتظل الأنفاس محبوسة حتى تتشقق الصدور وتنفجر ويذهب الجميع مع أمِّ الريح ! عدن اوبزيرفر