القنوت في صلاة الفجر سُنّة نبوية ماضية البعض يقول إن القنوت سنة مؤكدة، والبعض يفعله ولا يعرف ثوابه، والبعض يتركه لأنه ليس من أساسيات الصلاة، والبعض لا يعتدّ بصلاة الفجر إلا به وكأنه فريضة.. فما مدى مشروعية القنوت وما ثوابه، وهل هناك أوقات يزيد فيها فضله؟ توجهنا إلى دار الإفتاء بالسؤال: ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ فأجابت دار الإفتاء ما نصه: القنوت في صلاة الفجر سُنّة نبوية ماضية قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين فَمَن بعدهم مِن علماء الأمصار، وجاء فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا"، وهو حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه –كما قال الإمام النووي وغيره– وبه أخذ الشافعية والمالكية في المشهور عنهم؛ فيستحب عندهم القنوت في الفجر مطلقًا، وحملوا ما رُوي في نسخ القنوت أو النهي عنه على أن المتروك منه هو الدعاء على أقوام بأعيانهم لا مطلق القنوت. قال الإمام الحافظ أبو بكر الحازمي في كتابه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (3/90-91، ط. دائرة المعارف العثمانية): "وقد اختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح؛ فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فَمَن بعدهم مِن علماء الأمصار إلى إثبات القنوت... وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا مِن شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعًا ثم نُسِخ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث تُوهِم النَّسخ" اه. والفريق الآخر من العلماء يرى أن القنوت في صلاة الفجر إنما يكون في النوازل التي تقع بالمسلمين، فإذا لم تكن هناك نازلة تستدعي القنوت فإنه لا يكون حينئذٍ مشروعًا، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة. فإذا أَلَمَّتْ بالمسلمين نازلة فلا خلاف في مشروعية القنوت في الفجر عند الجميع، وإنما الخلاف في القنوت للنازلة في غير الفجر من الصلوات المكتوبة؛ فمِن العلماء مَن رأى الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر؛ كالمالكية، ومنهم مَن عَدَّى ذلك إلى بقية الصلوات الجهرية؛ وهم الحنفية، والصحيح عند الشافعية تعميم القنوت حينئذٍ في جميع الصلوات المكتوبة، ومثَّلوا النازلة بوباءٍ أو قحطٍ أو مطَرٍ يَضُرُّ بالعُمران أو الزرع أو خوف عدُوٍّ أو أَسْرِ عالِمٍ. فالحاصل أن العلماء إنما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل، أما في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر واختلفوا في غيرها من الصلوات المكتوبة، ولا يخفى على الناظر ما تعيشه الأمة الإسلامية من النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها من كل جانب وما يستوجبه ذلك من كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى عسى الله أن يرفع أيدي الأُمَم عنّا ويرد علينا أرضنا وأن يُقِرَّ عين نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بنصر أمته ورَدّ مقدساتها؛ إنه قريب مجيب. ومِن العلماء مَن قال بتواصل النوازل وعدم محدوديتها؛ وهذا يقتضي مشروعية قنوت الفجر في هذا العصر، ولا يتأتى عدم القنوت حينئذ إلا على قول مَن قال بمحدودية النازلة ووَقَّتَها بما لا يزيد عن شهرٍ أو أربعين يومًا. وعليه فإن الاعتراضَ على قنوت صلاة الفجر بحجة أنه غير صحيحٍ اعتراضٌ غير صحيح، واتهام القائل به بعدم فهم النصوص أو بالجهل هو في الحقيقة سوءُ أدبٍ مع السلف الصالح القائلين به، وإذا أخذ المسلم بقول مَن قَصَر القنوت على النوازل فقط فليس له أن يُبَدِّع غيره مِمَّن يقنت في الفجر على كل حال، ولذلك فعندما ارتضى العلاّمة ابن القيم الحنبلي القولَ بقصر القنوت على النوازل فقط وصف القائلين بذلك بأنهم [لا يُنكِرون على مَن داوم عليه، ولا يَكرَهون فعلَه، ولا يَرَوْنه بدعة، ولا فاعله مخالفًا للسنة. كما لا يُنكِرون على مَن أنكره عند النوازل، ولا يرون تَركَه بدعة، ولا تاركه مخالفًا للسنة. بل مَن قنت فقد أحسن، ومَن تَرَكَه فقد أحسن] اه من "زاد المعاد" (1/226، ط. مؤسسة الرسالة). وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأمر مبنِيٌّ على أن مَن قنت في الفجر فقد قلّد مذهب أحد الأئمة المجتهدين المتبوعين الذين أُمرنا باتباعهم في قوله سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ومَن كان مقلِّدا لمذهب إمامٍ آخر يرى صوابه في هذه المسألة فلا يحق له الإنكار على مَن يقنت؛ لأنه لا يُنكَر المختلف فيه، ولأنه لا يُنقَض الاجتهاد بالاجتهاد. والله سبحانه وتعالى أعلم،،،