لا شك أن الأمير الفارس عبدالله بن متعب فاجأ الأوساط الرياضية السعودية والدولية صباح أمس بقراره الترجل عن صهوات الجياد، واعتزال منافسات الفروسية التي سطر في تاريخها مع زملائه صفحات مضيئة كتبت أحرفها بمداد الذهب، وأسس لبطولات عالمية على أرض المملكة من خلال مهرجان الملك عبدالله الدولي لقفز الحواجز. لقد كان هذا الفارس السامق بأخلاقه، المتواضع في علاقاته، الرياضي في طباعه يتطلع إلى مجد زاهر لرياضة قفز الحواجز السعودية، ويعمل على تحقيق انتصارات كبيرة في ميادين الفروسية الدولية التي شهدت لأبناء الصحراء أحفاد عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد بالمهارة والفن والإبداع. قرار الفارس الشاب إذا كان مفاجئًا للأوساط الرياضية فإنه كان متوقعًا للقريبين في وسط الفروسية في ظل الإهمال الذي يجده المنتخب منذ انتهاء مشاركته في دورة لندن الأولمبية عام 2012 وسبق لي أن كتبت عنه في «المدينة» منذ عام وها هو قد حدث، وسيلحق بعبدالله فرسان آخرين، فقد كانت مشاركة الفارس العالمي عبدالله شربتلي في كأس العالم للفروسية مطلع شهر أبريل في مدينة ليل الفرنسية هادئة كهدوء تحضيرات فرسان الذهب لثلاثة استحقاقات كبرى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة هي: دورة ألعاب الفروسية العالمية في مطلع أغسطس في نورماندي الفرنسية، ودورة الألعاب الآسيوية (أنشون) في كوريا الجنوبية، وختامًا كأس فروسية للأمم في برشلونة مطلع أكتوبر والتي سيدخلها فرسان الأخضر بمسؤولية الحفاظ على الإنجازات السابقة فهم أصحاب الذهب في الدورة الآسيوية الماضية بالصين ومن قبلها الدوحة، وأصحاب الميدالية الفضية للفردي في كنتاكي 2010، وأحد أبرز عشرة منتخبات في كأس فروسية للأمم العام الماضي في برشلونة، فضلا عن الحضور اللافت للأنظار في بطولة كأس العالم التي شارك فيها الشربتلي ولم يحقق الطموح في إشارة إلى خفوت ضوء الفروسية السعودية دوليًا وهي التي بدأت الحضور من دورة سيدني الأولمبية عام 2000 ببرونزية خالد العيد، وأكدته دورة ألعاب الفروسية العالمية في كنتاكي عام 2010 بمنافستها لأعرق الفرق وأكثرها خبرة وتجربة بفضية عبدالله شربتلي واحتلال المنتخب المرتبة الثامنة عالميًا من بين 27 دولة.. وفي دورة لندن الأولمبية أثبتت الفروسية السعودية الجدارة ببرونزية الفرق واحتلالها المرتبة الثالثة عالميًا، وكانت قريبة جدًا من الذهب والفضة بالرباعي عبدالله بن متعب، كمال باحمدان، رمزي الدهامي وعبدالله شربتلي، أحفاد الفرسان الذين كانت لهم الريادة، وقصب السبق في تحقيق النتائج المشرفة للرياضة السعودية عمومًا والفروسية خصوصًا والتي ما وطأت أقدام فرسانها أرضًا إلا ورسموا على قمم جبالها لوحات الإبداع في الأداء الرياضي المميز، وكتبوا بإنجازاتهم في سجلات رياضتها أروع الانتصارات بماء الذهب. إنجازات حققها رجال وهبوا أنفسهم لخدمة وطنهم، ورفع رايته على كل سارية، وفوق كل أرض، ومن خلفهم ومعهم وقف رجال يشاركونهم حب الوطن، وحب الفروسية يتقدمهم فارس شهم، وملك كريم هو عبدالله بن عبدالعزيز الذي يعود له الفضل بعد الله فيما تحقق من إنجازات في سيدني عام 2000، وكنتاكي 2010، ولندن 2012، وفي الصين، كوريا وقطر، وغيرها من البلاد العربية والآسيوية والأوروبية. إلا أن العين التي دمعت فرحًا بإنجازات هؤلاء الفرسان هنا وهناك، هي اليوم تدمع حزنًا على مستقبلهم، فمن رفعوا بالأمس القريب والبعيد راية بلادهم خفاقة في المحافل الدولية، بدأوا يختفون شيئًا فشيئًا عن ساحات المنافسة، لا لشيء سوى أنهم لا يجدون الدعم الذي مكنهم من تحقيق الانتصارات السابقة فصاحب فضية كنتاكي الأمريكية وأحد فرسان إنجاز لندن التاريخي عبدالله شربتلي المتأهل دائمًا لكأس العالم عن الدوري العربي شارك وخرج من المعترك خالي الوفاض لأنه لم يجد من يدعم برنامجه الإعدادي فصندوق الفروسية على ما يبدو أغلق أبوابه على إنجاز لندن، وكأن المهمة انتهت في العاصمة البريطانية، مع أننا كنا نتوقع أن تكون هي البداية لرحلة طويلة بحثًا عن الذهب العالمي والاولمبي في عواصم العالم، وان البرنامج الذي سار عليه قبل لندن تطبقه الآن منتخبات أخرى أولها الفريق القطري الذي يعمل جاهدًا على اعتلاء منصات التتويج في الاستحقاقات الثلاثة التي سيشارك فيها فرسان الأخضر ومن بعدها دورة ريو دي جانيرو البرازيلية 2016 بشرائه الخيل، واعتماده برامج إعداد مكثفة، فيما فرسان السعودية يبحثون عمن يسأل عنهم فاتحاد الفروسية لا يملك ما يعد به الأبطال، وصندوق الفروسية الذي وجد ليحقق الأمل قبل بضع سنوات توقف عن العمل بعد دورة لندن الاولمبية، واللجنة الأولمبية التي تعلق آمال الحصاد في «أنشون» على الفروسية وألعاب القوى والرماية كقوى ضاربة لا تملك حتى تكاليف نقل الخيل من أوروبا إلى كوريا، ولذلك لا تستغربوا غدًا ذهاب مكان عبدالله بن متعب، كمال باحمدان، رمزي الدهامي، عبدالله الشربتلي، فيصل الشعلان، بدر المسفر ومشعل الحربي في بطولة العالم بنور مندي، الألعاب الآسيوية بكوريا، وكأس الأمم في اسبانيا إلى فرسان آخرين من جنوب إفريقيا أو الدول الشقيقة في الخليج المتأهبة لاقتناص الفرص بدلا من السعوديين كما حدث في كأس العالم الأخيرة في فرنسا، والتي سبقتها في غوتنبرج بالسويد لأن تكون المشاركات المقبلة ستكون أقل تواضعًا من السابق إذا استمر صندوق الفروسية السعودية في سباته وغيابه عن الساحة، وبقي اتحاد الفروسية يراوح مكانه، وأصر القطاع الخاص على تجاهل هذه الرياضة، وهؤلاء الأبطال الذين سطروا بمداد من ذهب اسم بلادهم في كل محفل، وعادت عجلة الزمان إلى الوراء حينما كنا نتأهل للبطولات ونعتذر عن المشاركة، أو نقدم مستويات متواضعة. إن ما تحقق للرياضة السعودية على يد الفروسية في السنوات الأخيرة لهو التحول الذي برهن للعالم على أن الموهبة موجودة في الإنسان السعودي، وأنه قادر على المنافسة والتفوق متى ما هيئت له الظروف، ومنح الثقة، وأحسن إعداده، وأنه لا مستحيل أمام إرادة الإنسان القوية، فأعينوا هؤلاء الشباب المخلصين، كي يحققوا طموحهم، ويشرفوا بلادهم في ساحات التنافس الرياضي الشريف، والأمل كل الأمل في الملك الفارس عبدالله بن عبدالعزيز صاحب الفضل سابقًا في إنقاذ هذه الرياضة من الضياع فليس لها معين وداعم سواه، فهو من أخذ بيدها حتى وصلت إلى قمة المجد، والقادر بعد توفيق الله أن يبقيها في تلك المكانة. صحيفة المدينة