لا ينكر الغربيون فضل علماء المسلمين على تشكيل وصياغة ثقافتهم، ابن رشد كما ابن خلدون مضمن في ما يدرسونه في بعض تخصصات جامعاتهم، كما أن مناهجهم الدراسية تقر بكل علماء المسلمين وما أضافوه إليهم، وتأتي على ذكر إبداعاتهم بإنصاف ملحوظ. ولعل أكثر تاريخ حضاري قرباً لمشرقنا في الأساس هو التاريخ الحضاري للغرب، والأشبه إلينا من جميع الثقافات العالمية الأخرى، حتى وإن حاول بعض المتشددين التأسيس لفصل تعسفي بيننا وبينهم في متشابهات الإرث الثقافي والحضري بالإصرار على تسميته ب «الغرب المسيحي»، وفي هذا تجاهل قوي لعلاقات الارتباط الروحي للغرب بالشرق وتغييب لحقائق التاريخ أو ممارسة الانتقاء لها، فالمسيحية أصلاً هي سليلة روح مشرقية ولدت في المشرق وانتشرت في أنحاء أوروبا، وفرضت حالها على الإمبراطورية الرومانية حتى تبنتها بعد مقاومة. كانت هناك بين الطرفين تراجم وتأثرات وتأثيرات على المجال العلمي والفلسفي، انفتح المسلمون الأوائل على الفلسفة اليونانية القديمة، ثم قدموا خلاصة فهمهم وأبدعوا فلسفات جديدة، وصلت في ما بعد إلى الغربيين ومكنتهم من بناء منظومتهم الفكرية والفلسفية، ومن خلال الانفتاح والتفاعل تسرب الكثير من طرف إلى الآخر، حتى وصلت إلى حالة متقاربة من التماثل. وفقاً لذلك، فلا إمكانية للفصل بين الثقافتين مهما كانت المحاولات، الشرق المنفصل عن الغرب فلسفياً ودينياً هو الصين والهند، أما نحن والغرب فتعد منطقة حضارية ودينية فلسفية واحدة، وحين نأتي على هذه السيرة فنحن نتحدث عن تاريخ حضاري كامل وليس عن مجرد صراعات سياسية بين الطرفين لم تحمل معها إلا الكوارث والدمار فحسب، هناك اقتداء وتقليد بالغ، وأما الصراعات السياسية فقائمة بيننا نحن المشرقيين أصلاً بما يتجاوز عمرها 1400 عام، وليست بيننا وبين الغرب فقط. من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف بين الشرق والغرب في الوقت الحاضر، خصوصاً أن النظم السياسية بيننا وبينهم متباعدة، فبينما هم استمروا في الأخذ منا والبناء على ما أخذوه تخلفنا نحن، وصار الوضع صعب التلاقي في الوقت الحالي، واتسعت الفجوة كثيراً بين الطرفين ناحية الثقافة والتحضر، ولعل تقدمهم على المستوى السياسي المفقود عربياً كان قد أتاح لهم الكثير من المواكبة والعصرنة على مستويات أخرى، بينما لم نبلغها نحن رغم كل هذه المشتركات القديمة والتشابه. The post رغم التشابه appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية