حاصرت مجموعة من القضاة المصريين مكتب النائب العام طلعت عبد الله، وأجبرته على تقديم استقالته، فسددت هذه الاستقالة ضربة قوية لمرسي ولجماعة الأخوان المسلمين، خصوصًا أن عبد الله نفذ أوامرهم واعتقل كل من قبض عليه الاخوان أمام قصر الاتحادية. شكلت إستقالة النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله ضربة قوية لحكم الرئيس محمد مرسي، ولا سيما أنه كان يعول كثيرًا على عبد الله لتطهير القضاء، ولجم المعارضة المشتعلة ضده منذ إصدار الإعلان الدستوري في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وبينما كان مرسي والإخوان يعتبرون أن إقالة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود، ضربة قوية ضد من يصفونهم بالفلول والمعارضة معًا، رُدّت الضربة إلى نحورهم بعدما ثار أعضاء النيابة العامة ضد النائب العام الجديد المحسوب على الجماعة، وحاصروه في مكتبه، ما اضطره إلى إعلان إستقالته. مصير السنهوري وفقًا لمصادر قضائية، اضطر النائب العام طلعت عبد الله للإستقالة بعد حصار أعضاء النيابة العامة لمكتبه، ومنعه من الخروج لساعات طويلة، مشيرة إلى أن بعض أعضاء النيابة العامة هدده بمصير السنهوري باشا، وهو الفقيه القانوني عبد الرازق السنهوري باشا الذي حاصره محتجون بعد ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، وإقتحموا مكتبه بمجلس الدولة وضربوه بالأحذية، فأصيب بشلل نصفي وإعتزل الحياة العامة حتى وفاته. وهذا المصير هو نفسه الذي كان النائب العام السابق عبد المجيد محمود يخشاه، عندما أصدر مرسي قرارًا بإقالته في المرة الأولى ورفض عبد المجيد تنفيذه، معلنًا أنه تلقى تهديدًا بالتعرض لمصير السنهوري باشا. حرج المستشار أضافت المصادر أن النائب العام الجديد يشعر بالحرج الشديد بعد إفشاء المستشار مصطفى خاطر، المحامي العام المسؤول عن التحقيق في أحداث العنف التي وقعت أمام قصر الإتحادية، تعليماته بحبس المتهمين الذين قبض أعضاء جماعة الإخوان عليهم، ورفض تنفيذها، ما أظهره تابعًا للسلطة ولمرسي. وأشارت المصادر إلى أن عبد الله آثر الإستقالة حتى لا يفتح الباب أمام إنقسام القضاة، وحتى يفتح الباب أمام إختيار نائب عام جديد بطريقة صحيحة، من خلال المجلس الأعلى للقضاء. ولفتت إلى أن عبد الله يشعر بالحزن الشديد لمثل هذه النهاية، ويخشى أن تتحول إلى أسلوب جديد في عزل مسؤولي القضاء في المستقبل. بالأسماء والأفعال في السياق ذاته، إتهمت جبهة المحامين للدفاع عن السلطة القضائية أبناء مسؤولين بالقضاء وأقارب النائب العام السابق عبد المجيد محمود بقيادة عملية حصار النائب العام الجديد وإجباره على الإستقالة. وقالت الجبهة في بيان لها نشره المحامي عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، عبر صفحته على موقع فايسبوك: "تلاحظ جبهة المحامين للدفاع عن السلطة القضائية تجمع عدد من السادة الأساتذة وكلاء النيابة أمام مكتب النائب العام اليوم، فى محاولة منهم لاقتحامه والاعتداء على النائب العام، وهذا التجمع بقيادة السادة الأساتذة المحترمين محمد عدنان الفنجري نجل المستشار عدنان الفنجرى النائب العام المساعد للنائب العام السابق، ومحمد السعيد نجل شقيق المستشار عادل السعيد رئيس المكتب الفنى للنائب العام، وشريف الزند نجل المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة، وعمر أباظة نجل شقيقة زوجة المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق، ومحمد عبد العزيز عثمان نجل شقيق المستشار محمد عثمان مدير إدارة النيابات، ومحمد حسين عامر صهر المستشار مسعد التليت وكيل أول التفتيش القضائي للنيابات، وأحمد الأبرق رئيس النيابة ونجل شقيقة المستشار هشام بدوى المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة السابق، ومحمد مجدي الضرغامي نجل المستشار مجدي الضرغامي ووكيل التفتيش القضائي للنيابات، وخالد أبو النصر نجل المستشار محمد أبو النصر محامي عام أول نيابة استئناف المنصورة، وأحمد محمود محمد وكيل النيابة بمكتب النائب العام للشئون المالية والتجارية، وإسلام حمد وكيل النيابة بنيابة أمن الدولة العليا، ومصطفى يحيى وكيل النيابة بمكتب النائب العام". إجراءات بعد إقرار الدستور أضاف سلطان في بيانه أن مسلك هؤلاء "يخالف الدستور والقانون وكافة الأعراف القضائية المستقرة ويطعن العدالة فى مقتل"، مشيرًا إلى أن الجبهة بصدد تقديم طلب لمجلس القضاء الأعلى بشأن الاستفسار وإعادة بحث أوراق تعيين هؤلاء بالنيابة العامة وفقًا للقانون أم بالمخالفة للقانون، وذلك فى ضوء المادة 64 من الدستور محل الاستفتاء التى تنص على الآتي: "يعمل الموظف العام فى خدمة الشعب وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون". ونوه سلطان بأن الجبهة ستضطر آسفةً لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد السادة الأساتذة المحترمين بدءًا من يوم الأحد القادم، حال إقرار الدستور. أرادوه مامورًا في المقابل، رأي قضاة أن إستقالة النائب العام الجديد ضربة موجعة لمرسي. وقال المستشار عبد المنعم السحيمي، رئيس نادي قضاة طنطا السابق، أن إستقالة النائب العام الجديد ضربة لمن جاء به مخالفًا للقانون وجميع الأعراف القضائية. وأضاف السحيمي ل"إيلاف" أن النائب العام لا يعينه رئيس الجمهورية بل يختاره مجلس القضاء الأعلى، حتى لا يكون تابعًا للسلطة التنفيذية، "والسلطة الحالية كانت تريد نائبًا عامًا يأتمر بأوامرها، من أجل تصفية الحسابات مع خصومها السياسيين". وأشار إلى أن إستقالة النائب العام أعادت الأمور إلى نصابها الصحيح، وشدد على ضرورة أن يظل القضاء مستقلًا وألا يتبع أي السلطة التنفيذية، وأن يكون ممثلًا للشعب فقط، يعمل من أجل مصالحه ويسهر على رعاية حقوقه. تصحيح المسار قال المستشار عبد الله فتحي وكيل نادي القضاة إن إستقالة النائب العام ساهمت في تخفيف حالة الإحتقان لدى القضاة. وأضاف ل"إيلاف" أن موقف المستشار طلعت عبد الله موقف محترم، ووهو بمنزلة تصحيح المسار. ولفت فتحي إلى أن هذه الإستقالة ساهمت في حل غالبية خلافات القضاة مع مؤسسة الرئاسة، مشددًا على ضرورة إنهاء حصار المحكمة الدستورية، وعودة قضاتها لممارسة أعمالهم، وعدم التعرض لهم مرة أخرى. كما نبه إلى أن نادي القضاة سيقرر، من خلال جمعيته العمومية، الخطوات المقبلة في ما يخص الإشراف على الدستور في المرحلة الثانية أو العودة للعمل.