يبقى الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز آل سعود الرجل الأقوى والأهم في منطقة الشرق الأوسط، إذ علم كيف يجنب مملكته تداعيات الربيع العربي، وعزز مكانته الاقليمية والعالمية. ويتحضر لخلافته رجال أشداء على أميركا أن توثق علاقتها بهم. روب سبحاني: قبل أيام قليلة، ظهر الرئيس المصري محمد مرسي على غلاف مجلة تايم الأميركية، وارتسمت على محياه نظرة حائرة. وصفته المجلة بالرجل الأهم في الشرق الأوسط، لكن يبدو أن تايم أخطأت. فمرسي ليس الأهم في هذه المنطقة من العالم، وهذا اللقب ما زال خاصًا بالعاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وسّع أفق موقعه لا بد من الاعتراف أولًا بأن أهمية السعودية، مهد الإسلام وموطن الحرمين الشريفين، بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم أكبر من أهمية مصر. فملوك السعودية يحملون لقبًا آخر، هو لقب "خادم الحرمين الشريفين"، إلى جانب لقب آخر لا مناص من ذكره، لقب "ولي أمر أهم حقول النفط في العالم". فعلى الرغم من طفرة الوقود الأحفوري المقبلة في الولاياتالمتحدة، إلا أن السعودية تبقى أكبر مصدر للنفط الخام، وبالتالي أهم محرك للاقتصاد العالمي. من هنا تنبع أهمية ملوك السعودية. أما الملك عبد الله، فقد نجح في توسيع أفق الموقع القوي الذي يشغله محليًا وإقليميًا وعالميًا، مع التغييرات التي أجراها على السياسة الداخلية، ومشاركته الفعالة في صنع السلام في المنطقة، إلى جانب جهده الحثيث لدحر النفوذ الإيراني المتنامي. على مدى السنوات السبع الماضية، غيّر الملك عبد الله أمته بطرحه مجموعة من المبادرات الإصلاحية التي خلقت مناخًا جديدًا من الحوار والانفتاح، وتحدّى سلطة رجال الدين المحافظين، ووسع هامش حركة النساء، وعمل على تحرير الاقتصاد. حقق الملك عبد الله هذه المكاسب ببطء وبشكل منهجي، بعيدًا عن التبجّح الاعلامي، إذ أحاط به مجتمع محافظ دينيًا. شعبيّة منيعة مسّت ثورات الربيع العربي، التي هزت المنطقة خلال العامين الماضيين، السعودية طفيفًا. أبدى الكثير من المحللين آراءهم في سبب عدم وصول هذا الربيع قويًا إلى المملكة، وكان الرأي الأكثر شيوعًا يقول إن الحكومة السعودية رشت شعبها ليبقى خاضعًا لأمرها، من خلال طرح الحوافز المالية الضخمة وتعزيز حزم الانفاق الاجتماعي. هذا التحليل يهين جميع السعوديين، إذ يقزّمهم ويصوّرهم أتباعًا عمياناً للملوك. غير أن السعوديين لا ينقصهم الذكاء، وهم قادرون على التمييز بين حاكم جيد وحاكم سيىء. ومتى ولّي عليهم من لا يريدونه، لا شك في أنهم سينضمون إلى إخوانهم العرب المنتفضين، التائقين إلى الحرية. كما لعبت شعبية الملك عبد الله الواسعة دورًا بالغ الأهمية في منع اندلاع انتفاضة سعودية خطرة. إلى ذلك، ما زالت السعودية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبين أهم حلفائها في العالم. وفي الوقت الذي يواجه فيه العالم العربي اضطرابات واسعة، أميركا بحاجة إلى يد ثابتة تمسك بزمام الأمور في السعودية. ملوك مستقبليون لجميع هذه الأسباب، على خلف الملك عبد الله أن يكون شخصية حيوية ومهمة لمستقبل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والأمن القومي الأميركي واستقرار الاقتصاد العالمي. يقال إن الملك عبد الله يبلغ 89 عامًا من العمر. بكل المقاييس، ولا يزال في صحة جيدة على الرغم من آلام ظهره التي أدت إلى خضوعه لعمليتين جراحيتين. الخليفة المباشر هو الأمير سلمان، وزير الدفاع الحالي، الذي ينظر اليه على أنه اصلاحي. وسلمان، كما عبد الله، هو ابن مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، الملك عبد العزيز الذي توفي في العام 1953. وولاية العهد السعودية محصورة إلى الآن بأبناء عبد العزيز، تذهب من أخ لأخيه وفق الأقدمية، وتتجاوز الأقل قدرة في كثير من الأحيان. وقد توفي معظم الاخوة، فيما يبلغ الذين ما زالوا على قيد الحياة السبعينات أو الثمانينات من العمر. الأمير سلمان هو الأوفر حظًا في خلافة عبد الله، ما يثير السؤال الرئيسي: متى ستنتقل الملَكية إلى الجيل القادم من الأمراء أحفاد الملك عبد العزيز، إذ يشغل هؤلاء عدة مناصب هامة في المؤسسة الأمنية والاستخبارات، وهي ساحة جيدة لمِران ملك المستقبل. مناصب وسمات بين أولاد وأحفاد عبدالله، تشغل الشخصيات الآتية مناصب رئيسية مهمة: الأمير متعب بن عبد الله، الرئيس الحالي للحرس الوطني، هو ابن الملك الحالي ويحظى بتقدير كبير كزعيم لتنظيم عسكري يتألف من جميع القبائل في المملكة والمحافظات. الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية الجديد، هو ابن الأمير نايف الذي توفي أخيرًا، ويحظى بتقدير كبير لدوره في دحر تنظيم القاعدة في السعودية وقيادته الفعالة في مكافحة التطرف. الأمير بندر بن سلطان، وزير الاستخبارات الجديد، هو ابن وزير الدفاع الراحل سلطان، ومعروف في واشنطن بأنه سفير سعودي سابق نشيط وفعّال. منصبه الجديد يضعه على رأس الجهود السعودية لدحر النفوذ الإيراني الخبيث وإدارة الربيع العربي. الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية، والمرشح الأوفر حظًا ليحل محل الوزير الحالي الأمير سعود الفيصل، الذي شغل هذا المنصب طويلًا وبفعالية وتعامل مع ملفات هامة، كالملف السوري. لكنه يعاني من المرض، وهو مستشار قريب من والده، الملك عبد الله. توثيق الأواصر من بين الأمراء أيضًا، الأمير متعب بن عبد الله والأمير محمد بن نايف، وهما مفتاحا استمرار الاستقرار في السعودية. وإن كانت واشنطن مهتمة باستمرار سياسة الملك عبد الله من بعده، فمن الضروري أن تسعى الى توفير علاقات وثيقة مع الأمير متعب بن عبد الله. وإن كانت الاستخبارات الأميركية تعمل وثيقًا مع نظرائها السعوديين لإحباط هجمات المتطرفين والجماعات الارهابية المدعومة من إيران، ينبغي أيضًا تعزيز علاقات واشنطن مع الأمير محمد بن نايف. سيكون العاهل السعودي المقبل زعيمًا مهاب الجانب. ولهذا، من المهم بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة أن توثق أواصر التعاون بينها وبين الجيل القادم من صنّاع القرار السعوديين.