ينادي جميع الأطراف الفاعلة في دائرة الإنتاج الدرامي سنوياً بالفكاك من ظاهرة الموسم الواحد، وهو الموسم الرمضاني الذي يدور في فلكه كل الإنتاج الدرامي العربي والخليجي والمحلي، إلا قليلاً، ويلقي كل طرف بمسؤولية ذلك على سواه، لتبقى القضية مثار جدل إعلامي متكرر، دون أن نلاحظ مع تكرارها أي تغيير إيجابي يطرأ على معالجتها. ومحلياً ظل الفنان الإماراتي أكثر المتضررين من هذه الظاهرة، فهو «العاطل عن العمل»، باستثناء تلك الأعمال التي تربطه ب«الموسم الشهر»، فيما الجمهور يرى نفسه مضطراً لمتابعة أعمال تكتسب صيغة «المعاد» و«المتكرر»، حتى إن لم يكن قد تمكن من متابعتها أثناء عرضها، وسط الزخم الهائل للمعروض، وهي تخمة تصيب أيضاً وكالات الدعاية التي تحقق أرباحها الموسمية الهائلة في هذا الشهر. الوقت «مبكراً» قال الفنان أحمد الجسمي، إن ارتباط معظم الفنانين بتصوير أعمال تنتج للعرض في المقام الأول خلال الموسم الرمضاني جعل الكثير منهم يندهشون حينما يرشحون لأعمال في توقيتات بعيدة جداً عن الشهر الكريم، حيث يعقب معظمهم حينما يستدعى للتصوير بأن «الوقت لايزال مبكراً على الموسم». الجسمي الذي لا يخفي سعادته حينما يعلم بأن قناة فضائية ما تنوي الزج بعرض أول لأحد الأعمال التي يقوم بإنتاجها خارج سياق الشهر الفضيل، أكد أن قضية توزيع الأعمال الدرامية التي لاتزال غير عادلة لمصلحة الموسم الرمضاني، تبقى مرتبطة بالإدارات التلفزيونية في المقام الأول. وأضاف «تنتهي مهمة شركة الإنتاج عند تسليم الأعمال في موعدها، وفق الاشتراطات التعاقدية المنصوص عليها، وتبقى فكرة ترشيح وقت معين للعرض غير مطروحة في هذا السياق، وبعض إدارات التلفزيونات لا تخطرنا بالأساس بوقت العرض، إلا إذا كان من قبيل الحث على الإنجاز المبكر للعمل». فرصة أكبر قال مدير شركة ظبيان للإنتاج الفني الفنان سلطان النيادي، إن فرصة الوصول إلى المشاهد خارج سياق الموسم الرمضاني تبقى أكبر بكثير من سواها، لافتاً إلى أن البعض يصف الأعمال التي لا تلحق بالعرض الرمضاني بأنها «خرجت من السباق»، لكني أراها نجت من محرقة درامية تساوي في كثير من الأحيان بين الغث والسمين الدرامي. وأشار النياي إلى ان عرض مسلسل «صمت البوح» على تلفزيون أبوظبي في عرض أول بعيداً عن الموسم الرمضاني يبقى مثالاً مهماً في هذا السياق، مضيفاً «أشك في أن المسلسل كان سيحظى بالفرصة ذاتها من نسب المشاهدة والمتابعة التي حظي بها، في حال وجوده ضمن عشرات المسلسلات الخليجية والمحلية التي تكدست في الموسم الدرامي السابق». ودعا النيادي إدارات التلفزيونات المحلية إلى استكمال مسيرة الحث على إنتاج أعمال تصور للعرض خارج الموسم الرمضاني، مضيفاً «نضج صناعة الدراما المحلية مرتبط إلى حد بعيد بنجاح سياسة كسر نمطية الموسم الواحد». توازن الفن توقع الفنان سلطان النيادي أن تحقق التلفزيونات المحلية توازناً في المواسم المقبلة، بين المعروض الدرامي الرمضاني وسواه، مضيفاً: «قد نكون أميل إلى المبالغة لو طالبنا التعامل مع كل أشهر العام بمعيار واحد، فالدورات البرامجية المختلفة تتطلب استراتيجيات تبقى إدارات التلفزيونات أعلم بها، لكن في كل الأحوال أتوقع مزيداً من الالتفات لذلك». ويبدو أن ثمة جديداً على الظاهرة، التي لم تختف كلياً بكل تأكيد هذا العام، لكنها أصيبت بحالات أشارت إلى أن ثمة نية ما لخرقها، وجاءت أبرز المحاولات من أعمال محلية تصدت لإنتاجها مؤسسة دبي للإعلام، وشركة أبوظبي للإعلام، فيما جاء معظم الإنتاج الخليجي كويتياً، ليفاجأ المشاهد بأن الجديد غير مقتصر على المشاهدة الرمضانية، التي تبقى في الحقيقة سباقاً لإرضاء المعلن وليس المشاهد. من جانبه، يرى مدير عام قنوات مؤسسة دبي للإعلام أحمد المنصوري، أن معطيات كل دورة برامجية هي التي تفرض اتجاه الإعداد لها، مشيراً إلى أن ارتباط الموسم الرمضاني بزخم إنتاج درامي هائل، جاء نتاج تكرار آليات بعينها ظلت ممارسة لعقود، وأن كسر نمطية هذا الواقع، يحتاج إلى وقت طويل لتغيير تعاطي شركات الإنتاج وشركات الدعاية، مع الاتجاهات والأفكار التي تحرض بعدم بلورة كامل المجهود الإنتاجي لشهر وحيد، ارتكازاً على ارتفاع نسب المشاهدة. مدير تلفزيون دبي الفضائية علي الرميثي، يرى أن هناك مصلحة مشتركة لجميع الأطراف في كسر نمطية الموسم الواحد للدراما، مشيراً إلى أنها تبدأ من مصلحة شركات الإنتاج والفنانين أنفسهم، مروراً بمصلحة الإدارات التلفزيونية وكذلك الشركات المستفيدة من رواج الدعاية، وانتهاء بفائدة المشاهد، الذي يبحث عن الجديد والمميز على مدار العام، وليس فقط خلال موسم رمضان. الفنان أحمد الجسمي الذي عرف الطريق لأول انتاج شركته «جرناس» خلال شهر رمضان، واستمر على هذا المنوال سنوات عدة قبل أن يفكر في إنتاج أعمال لا يستوعبها موسم «الشهر الواحد»، أكد ان هناك رغبة جادة من المنتجين الخليجيين عموماً لكسر هذه النمطية، مؤكداً أنه يبذل جهوداً مشتركة مع إدارات تلفزيونات محلية من أجل الخروج بالمعروض الدرامي المحلي خصوصاً، من دائرة موسم رمضان. وأكد الجسمي أن هناك انفتاحاً من إدارات التلفزيونات المحلية وتجاوباً مع الفكرة، معرباً عن توقعه بحدوث انفراجة حقيقية في هذه المعادلة. وأضاف: «يبحث المشاهد عن العمل الجيد، سواء في شهر رمضان أو سواه من شهور العام، لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في ضغوط شركات الدعاية التي تدفع باتجاه تكريس معظم الإنتاج التلفزيوني وليس فقط الدرامي في هذا الشهر، لأغراض تراها ترويجية ومرتبطة بنسب المشاهدة، وهي أمور لا تعد شركات الإنتاج طرفاً فيها». وأحال الجسمي إلى مسلسل «دكة الفريج» الذي أنتجه للعرض على «أبوظبي»الإمارات، خارج إطار الموسم الرمضاني، مشيراً إلى أن عرض المسلسل في هذا التوقيت ضمن له مشاهدة أكبر مما كان يتوقع له أثناء الموسم المتخم بعشرات الأعمال التي تبث في توقيت واحد، فضلاً عن طبيعة الشهر الفضيل وارتباطات المشاهد خلاله. الفنان سلطان النيادي الذي يدير شركة «ظبيان» للإنتاج الفني يشارك زميله الجسمي الرأي في أنه لا مناص من دعم رغبة العديد من الأطراف في الخروج بالدراما المحلية خارج نطاق الموسم الواحد، وهو ما دفع النيادي إلى إنتاج مسلسل «صمت البوح»، الذي عرض أخيراً على تلفزيون دبي خارج الموسم الرمضاني أيضاً. وأضاف «لا يمكن أن تقوم صناعة حقيقية على فكرة الموسم الواحد، وهو ما التفتت إليه أخيراً إدارات العديد من التلفزيونات المحلية، خصوصاً مؤسسة دبي للإعلام، وشركة أبوظبي للإعلام، ما سهل من مهمة شركات الإنتاج لتقدم أعمالاً وهي تعرف أنها لن تصل إلى المشاهد بالضرورة لترى أنها في الأخير تنافس في أجواء غير مواتية وسط عشرات من الأعمال، التي يظلم الجيد منها، حينما لا تتاح له أجواء متابعة مثالية، سواء من قبل الجمهور، أو النقاد والإعلام». الامارات اليوم