ترسم معطيات الأحداث المتسارعة في السوق العقاري في الإمارات صورة دقيقة لتوجهات أكثر نضجاً على صعيد سلوك المطور والمستثمر على حد سواء. فبعد تعافي أسواق الدولة وتحديداً السوق العقاري وانتعاشه يتقدمه سوق دبي العقاري، أصبحنا أمام مشهد جديد في كل محاوره بيعاً وتأجيراً فضلاً عن سوق الإنشاءات الرديف القوي للسوق العقاري. "البيان الاقتصادي" يرصد في حلقات ملامح التطور الجديد في المشهد العقاري في عموم أسواق الدولة وكيف يتحرك المطور العقاري وآليات اتخاذ القرار لدى المستثمر (المالك) وصولاً للمؤجر والمستأجر وانتهاءً بأسباب عودة الصفقات العقارية على الخريطة، فضلاً عن محركات تمسك بالعقارات في الإمارات عموماً ودبي على نحو خاص وعدم التفريط بها على خلفية تفرد المناخ الاستثماري المميز للإمارات والعائد المغري للإستثمار. العقار في الإمارات ليس مجرد سقف يأوي الفرد أو العائلة الى جنته وسكينته بل يمتد إلى المزاوجة بين هذه الدلالات والملكية الشخصية بجانبها الإنساني والقانوني و ثبات العقار وتجدد وتطور الإنسان، هذه الرؤية أدت إلى وجوب أن تصب المشروعات العقارية دائماً لصالح القيمة الإنسانية. أجمع مسؤولون حكوميون، ورؤساء شركات معنية بصناعة التطوير العقاري في دبي على أن سوق عقارات الإمارة يتجه خلال العام الجاري لتطبيق استراتيجية نوعية، تستهدف تحقيق أمرين، الأول بلوغ النمو المستدام، خلافاً للأعوام السابقة، التي شهدت قفزات في مؤشر النمو صعوداً وهبوطاً، أما الأمر الثاني فيتلخص بالحفاظ على المستثمر أو المستخدم النهائي على عكس الفترة ما بين 2004/ 2008 التي كان المشهد فيها محكوماً برغبات المضاربين. ورأى هؤلاء المسؤولون أن السلطات المختصة تحركت بحكمة عندما وجهت الدوائر المعنية بضرورة وضع استراتيجية لصناعة التطوير العقاري لضمان المصلحة العليا وتسريع عمليات التنظيم وزيادة رقعة تشجيع الاستثمار، من خلال ردم الفجوات التي تسهل دخول الطارئين على صناعة التطوير، لكن من دون المساس بمفاهيم السوق المفتوحة. وأشاروا إلى أن السوق العقاري يتجه اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحقيق هوية راسخة في الخريطة العقارية العالمية، ليتمكن خلال الأعوام القليلة المقبلة من تحقيق الهدف الغالي، الذي رسمته له القيادة الحكيمة بأن تصبح دبي البيئة العقارية الأولى عالمياً في جذب الاستثمارات والمستثمرين. بيئة قال المدير العام لدائرة أراضي وأملاك دبي، سلطان بطي بن مجرن، إن الدائرة ماضية قدماً في بلوغ الهدف الغالي الذي رسمته القيادة الحكيمة بأن تصبح دبي البيئة العقارية الأولى عالمياً في جذب الاستثمارات والمستثمرين. وأوضح أن الدائرة تركز في الوقت الراهن بعد نجاحها في تنظيم السوق العقاري إلى زيادة استقطاب المزيد من الاستثمارات ذات القيمة المضافة، التي تسهم في نمو اقتصاد الإمارة، مع حرصنا الكبير على ممارسات السوق المفتوحة إلا أننا وعبر سلسلة من التشريعات الأخيرة نسعى إلى سد الثغرات التي من الممكن أن تمثل ممراً للطارئين على صناعة التطوير العقاري، لافتاً إلى أن عدد شركات التطوير العقاري العاملة والفاعلة في السوق كاف جداً، إذ إن العبرة والحكمة ليست بالكم بل في النوع، وهذا ما ترجمته المشاريع الجديدة وشركات التطوير التي تقوم بتطويرها على نحو يحافظ على المستخدم النهائي بوصفه رأس المال الحقيقي في العملية الاستثمارية. نمو من جهته أكد محمد العبار رئيس مجلس إدارة إعمار العقارية أن جميع المؤشرات الاقتصادية في دبي جيدة وتدل على تعافي ونمو المدينة بصفة عامة. وقال إن السوق العقاري اليوم أقوى من ذي قبل، ويمضي في اتجاهات تضمن نمواً مستداماً، مشيراً إلى أن انتعاش السوق ولد ثمرة للسياسات الذكية التي جرى تطبيقها أخيراً لاسيما في ما يتعلق بتضييع الفرصة على المضاربين، وفسح المجال للمستخدم النهائي في نيل فرصته في الاستثمار العقاري. إيجارات أما هشام عبد الله القاسم الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي العقارية، رئيس مجموعة وصل، فقد أكد أن السوق العقاري يتفرع إلى سوقين الأول بيعاً.، والثاني تأجيراً. ومن وجهة نظر اقتصادية دقيقة فإن سوق التأجير صورة من صور تعافي سوق البيع، وربما نحتاج في المستقبل القريب إلى إيلاء هذه السوق المزيد من الاهتمام والتنظيم. لافتاً إلى أن تأسيس مركز لفض المنازعات الإيجارية خطوة جبارة على طريق تنظيم سوق الإيجارات، لكن من المهم أيضاً أن يجري تنظيمه وضبطه بإيقاع يتناغم مع التشريعات واللوائح التنفيذية، التي أوصلت سوق التملك الحر تحديداً إلى هذا المستوى من النضج. نضج أشار الرئيس التنفيذي لمجموعة دبي للعقارات القابضة، خالد المالك، إلى أن حجم المكاسب التي تحققت في السوق العقاري تلقي بمسؤولية كبرى على عاتق كبار شركات التطوير العقاري لأنها لا ترسم مشهداً عمرانياً وحسب بل تشارك في التنمية الاقتصادية، ما يعني أن عليها أن تنهض بأعباء جسيمة تتمثل بالمساهمة الفاعلة في تحقيق النمو المستدام. وأوضح المالك أن اللاعبين الكبار في السوق العقاري لديهم المقدرة على دعم صغار المستثمرين سواء بتوفير أراض استثمارية لاستخدامات محددة (كما فعلت دبي للعقارات بطرح أراض لمستثمري القطاع الفندقي) أو عبر تسهيلات في السداد لضمان الحصول على مشروعات نوعية تلبي احتياجات النمو الراهن والمستقبلي من دون مواجهة زيادة في المعروض في هذه السلعة أو تلك، كما حدث في الأعوام الماضية. تفاؤل اعتبر رئيس جمعية دبي العقارية أحمد المطروشي أن عودة طوابير المشترين إلى السوق العقاري أمر يبعث على التفاؤل والأمل، لكنه وصف الطوابير التي لا يقف فيها المشتري النهائي بالعقيمة وغير المجدية. وشدد على أن السوق العقاري لا يرحب بطوابير المضاربين الذين لعبوا دوراً مسيئاً للطفرة العقارية، بعدما رفعوا الأسعار إلى مستويات غير مقبولة. مشدداً على ضرورة التفريق بين المضارب والمشتري النهائي، وتحقيق الموازنة بين مصالح المطور كشركة وبين مصالح المستثمر من خلال قطع الطريق أمام المضارب. وقال، إن أقصر الطرق لتحقيق تلك الغاية تتلخص بوضع شروط تكبح خططه لرفع الأسعار، وإلزامه بتنفيذ بنود تعاقدية (مالية وزمنية) تمنعه من البيع السريع على ألا تتحول تلك البنود إلى أثقال تكبل حركة المشتري النهائي، وهو ما طبقته العديد من الشركات، وفي مقدمتها إعمار العقارية. هوية السوق قال علي لوتاه رئيس مجلس إدارة نخيل العقارية، إن إمارة دبي لا تحتاج إلى طفرة عقارية ثالثة بقدر ما تحتاج إلى نمو عقاري مستدام يعي الأخطاء التي رافقت أعوام 2002 / 2008، ويحتويها ويستبدلها بتوجهات أكبر وأنضج تخدم بروز السوق مجدداً على نحو يلبي توجهات القيادة، ويساند جهودها لبلوغ مرتبة عالمية متقدمة لاسيما على صعيد الممارسات والأنشطة المستدامة في إطار الاقتصاد ككل، والتطوير العقاري بوصفه القاعدة الرئيسة لذلك النوع من الاقتصاد. دورة من جهته، قال خالد بن كلبان العضو المنتدب وكبير المسؤولين التنفيذيين لشركة دبي للاستثمار: «لقد بدأت دورة النمو في السوق العقاري في دبي هذا العام. وتستمر دورة النمو الخاصة بالعقارات بشكل عام لمدة خمس سنوات، ونحن لا نزال في بداية السنة الأولى، لذلك لا يزال أمامنا أربع سنوات من النمو، وتظهر جميع المؤشرات أن هذا النمو سيكون مستداماً. وبطبيعة الحال، سوف يوفر للسوق العقاري وللشركات الفاعلة والعاملة فيه والتي لديها تاريخ قوي وسجل ناصع من الإنجازات فرصاً كبيرة. متفرد وقال رجل الأعمال سالم الموسى إن دبي انتهجت أسلوباً متفرداً في تجهيز البيئة الاستثمارية للنمو العقاري الجديد، فقد حددت له أن يكون مستداماً وأن يستهدف المستثمر النهائي، إذ إن التجربة السابقة كانت تنطوي على معطيات تجريبية لم يكن من الممكن معها أن تمثل الصورة النهائية لما يجب أن يكون عليها السوق العقاري. وأوضح الموسى الذي يرأس مجلس إدارة مشروع فالكن ستي أوف وندرز، أن سوق عقارات الإمارة ينحى باتجاه أكثر تطوراً لا سيما بعد جنيه دروساً ثمنية للطفرة السابقة وأصبح اليوم قادراً على التعامل مع التحديات مهما بلغ حجمها ونوعها. لافتاً إلى أن البنية التشريعية للسوق العقاري أصبحت جاهزة للتعامل مع استحقاقات النمو سواء النمو الذي خططت له الإمارة في إطار استراتيجيتها أو في إطار متطلبات التعامل مع الطلب المتوقع لمشاريع معرض إكسبو 2020، أو لما بعد الحدث العالمي. صعود قال الرئيس التنفيذي لديار للتطوير العقاري سعيد القطامي إن السوق العقاري المحلي يواصل منحنى التحسن والنمو بخطوات ثابتة ومستقرة في الوقت نفسه بعيداً عن القفزات السعرية الكبيرة، كما وصلت البنية التشريعية إلى مستوى نضج لا يتطلب معه إصدار قوانين جديدة في الوقت الراهن بقدر ما يحتاج إلى ترسيخ معدلات النمو المستدام. لكن القطامي أشار أيضاً إلى أن المستجدات والتطورات المستقبلية قد تفرض تعاملاً في حينه لتشجيع الاستثمار كما حصل مع قطاع الضيافة الذي نال أخيراً جرعة من التشجيع الحكومي بهدف زيادة معدلات نموه. مستويات مقبولة أجمع رؤساء الشركات العقارية على تراجع المضاربة في السوق العقاري في دبي حالياً إلى مستويات مقبولة إلى حد ما، في الوقت الذي أوجد المطورون مقاييسهم الخاصة من أجل الحد من ممارسة المضاربة في المشاريع الجديدة التي وضع مطوروها شروطاً وضمانات مثل شركة إعمار التي تمنع إعادة بيع العقار قبل تسديد 40%، ونخيل التي تستخدم نظام الشيكات المؤجلة التي من شأنها التخفيف أو منع عمليات المضاربة. وذكروا أن أسعار العقارات في دبي شهدت خلال السنة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً بعد تفجر الفقاعة العقارية في 2008، ويوفر في الوقت نفسه عوائد جيدة للمستثمرين الذين بات يقع على عاتقهم القيام بواجباتهم على أكمل وجه ودراسة أي توجه استثماري يرغبون فيه. البيان الاماراتية