يقال إنه "عندما تدور عجلة العقار يسير القطار"، ما يؤكد الأهمية التي لعبها القطاع العقاري ولايزال في كل الأوقات وفي كل الاقتصادات . اليوم وبعد هدوء غبار الأزمة والعودة إلى ظروف نشاط طبيعية وتحسن المؤشرات الاقتصادية جميعها، يبدو القطاع العقاري متخلفاً خطوة عن القطاعات التي نجحت في استعادة أنفاسها في وقت قصير في حين لا يزال العقار متأثراً بالصدمة القاسية التي تعرض لها أكثر من غيره . بعد سنوات الطفرة التي جعلته يلمع أكثر من الذهب والمعادن النفيسة، عصفت الأزمة ببريقه حتى كأنه لم يكن يوماً وبجاذبيته، ويبدو المشهد وكان الجميع قد انصرف عن العقار فجأة، البنوك، المستثمرون، الأفراد وسائر المتدخلين والناشطين في القطاع كأنه مغضوب عليه بعد أن كان الفتى المدلل، فهل تخلى الجميع عن العقار؟ ام انه يمر بفترة نمو جديدة وفق نمط جديد ومعايير مغايرة، ما يفرض وقتاً حتى يتم التعود عليها وعلى تفاصيلها؟ يبدو قطاع العقار في هذه الفترة وكأنه يراوح بين الآفاق العريضة التي يوفرها المستقبل والعوائق أو المكبلات التي تؤجل إقلاعه النهائي مجدداً بسبب الخوف والتردد الذي أضحى العملة الرائجة بين جميع المتدخلين: البنوك الممولة للمشاريع، المطورون والمستثمرون والأفراد الذين فترت حماستهم منذ أزمة 2009 الشهيرة . فهل يتحتم اليوم إقرار إجراءات تحفيزية تخرج بالعقار إلى برّ الامان مجددا؟ ويشترك الخبراء الاقتصاديون في التأكيد على أهمية الدور الذي لعبته الحكومة في أبوظبي في اختصار مدة الأزمة عن طريق الإنفاق الحكومي وشبه الحكومي - من جهة ونجاحها في السيطرة على مختلف المؤشرات الاقتصادية والوقاية من المخاطر وهو ما قامت به الحكومة منذ ظهور الأعراض الأولى للازمة، ما سمح لها بالحفاظ على توفر السيولة في حدود جيدة، وبضخ الاستثمارات الضرورية لاستمرار الأداء بشكل تصاعدي . وبالتوازي تواصلت السياسة العليا في الدولة الداعمة للقطاع بهدف فتح الآفاق أمامه والإحاطة بحركة الاستثمار فيه، وما المبادرات العديدة - مثل قرار إحلال 12500 مسكن قديم بكل من الشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة وأخيراً الفجيرة بكلفة إجمالية تبلغ 10 مليارات درهم، أو المشروع الضخم "مدينة محمد بن راشد"- سوى دليل على الأهمية الخاصة التي يحظى بها العقار في الدولة والحرص على تعزيز حركة الاستثمارفيه وتنميته . رب ضارة نافعة رغم الفترة الصعبة التي مر بها، نجح القطاع في تجاوز مشاكله فارتفعت حركة البيع والشراء والاستثمار وتطورت كل المؤشرات المتعلقة بالقطاع كما يقول الخبير المصرفي أمجد نصر، الذي يستدرك بالقول: "لكن الحيوية الجديدة التي بلغها هذه الايام لا تقارن بحجم الزخم والنشاط المثير الذي عرفناه قبل الأزمة" . ويعزو نصر الأمر بشكل خاص "إلى الدروس والعبر التي تم استخلاصها من الأزمة التي عرفتها كل القطاعات الاقتصادية في كل دول العالم وخاصة القطاع العقاري" ويذكر نصر في هذا الإطار "حمى المضاربة" والتمويل اللاّمشروط من قبل البنوك وتداخل الأدوار بين جمهور المشترين من الأفراد والمستثمرين الفعليين، وغيرها من العناصر التي كانت الأزمة سبباً فاعلاً في الكشف عنها وعن مساوئها التي لا نجد لها أثرا في المسار الجديد للقطاع العقاري اليوم، ما يعطي انطباعا بالسير الهادئ والنمو على أسس سليمة" . ويضيف الخبير قائلاً: "لقد كان للإجراءات المتخذة من قبل المصرف المركزي دورها قس ترشيد سلوك البنوك عند التعامل مع التمويل العقاري ما سرع بعودة الأمور إلى نصابها،كما نلمس اليوم عقلانية أكثر وحرصاً من قبل الاطراف على عدم السقوط في السهولة، فقد ولى مثلا عهد تمويل المشتريات العقارية بنسب خيالية تصل إلى 90%" .قبل ان يضيف: "من ميزات الأزمات أنها تضع حدا لممارسات غير معقولة وهو ما حدث فعلا مع التمويل العقاري بشكل عام تحت وطأة الازمة" . وفي تقديره فإن نشاط القطاع العقاري الحالي، في دبي كما أبوظبي "لا علاقة له بالوضع السابق على الأزمة وبما كان سائداً قبلها، ولن يكون كذلك في المستقبل مهما استمر العقار في التعافي، حيث انه من المنتظر أن يستعيد القطاع حيويته تدريجياً ووفق معايير وشروط جديدة تم اعتمادها، ولن يكون ممكناً لا في القريب ولا مستقبلاً العودة إلى مناخ المضاربة، وتمويل المشاريع على الورق وغيرها من الممارسات التي عمقت الأزمة، وفي مطلق الاحوال فإن المشاريع السليمة والناجحة ستواصل الحصول على التمويلات والتسهيلات البنكية التي أصبحت أكثر عقلانية وانتقائية" ويضيف محدثنا "ان المشاريع الجديدة التي تم اطلاقها في الفترة الاخيرة تؤكد ان البنوك لم تنصرف عن القطاع العقاري، لكنها أصبحت أكثر حرفية وانتباها لما يمكن ان يحصل من أخطاء قد تكلف غالياً في حال تكرارها"، ويضيف "اشك جديا في عودة المناخ الذي كان سائدا قبل الأزمة، فقد تغيرت في الاثناء قوانين ومعايير ونظم وظهرت ممارسات جديدة أو عادت اخرى إلى مكانها الطبيعي واختفت سلوكيات، وتم تحديث قوانين ولوائح وتعديل وإلغاء بعضها الاخر، ما يجعل الرجوع إلى الوراء مستحيلاً مهما كان اغراء المكاسب الكبيرة والسهلة" . من جهته يؤكد سري عرار نائب الرئيس التنفيذي - مجموعة الخدمات المصرفية للشركات-بمصرف الهلال "ان حركة القطاع العقاري حالياً لا علاقة لها ولا يمكن تشبيهها بما قبل الازمة، فمنوال النشاط تغير وطبيعة العلاقة بين جميع الناشطين والفاعلين في القطاع شهدت تحولات مهمة" . ويلاحظ عرار أن "السمة الغالبة اليوم على القطاع العقاري هي الهدوء والرصانة بعيدا عن صخب الفترة السابقة، وذلك رغم ان الجميع يعلق على حيوية ونشاط القطاع آمالاً عريضة باعتباره احد المحركات الأساسية للنشاط الاقتصادي عموماً" . ويعيد المصرفي الأمر إلى علاقة العقار بالحركة الاقتصادية عموماً، فيقول "صحيح أن العقارمن أهم محاور تنشيط الاقتصاد، لكنه بدوره يستلهم عنفوانه وقوته من الطاقة التي توفرها له القطاعات الأخرى من خلال نموها، بتطوير الطلب على المساكن والانشاءات بأنواعها وأصنافها المختلفة: سكن، محال، مكاتب، فنادق وغيرها" . ويضيف سري عرار أن القطاع لا يحتاج إلى "جرعة تنشيطية أو تحفيزية جديدة فهو يسير اليوم وفق نمط نمو عادي وطبيعي وأكثر عقلانية وعليه، فإنه مهما كان شكل المستقبل فان المؤشرات تفيد بنمو إيجابي وعلى أسس سليمة، ولكن ذكريات الطفرة تجعله يبدو ثقيلا في نشاطه بدليل ان بعض المشاريع الكبيرة التي تم طرحها في الفترة الأخيرة في دبي مثلاً- إعمار- قوبلت بلهفة تذكر بعصر الطفرة" . ويؤكد عرار "أن الشعور بالبطء اليوم مرده أن النشاط السابق كان يعطي الاحساس بالرخاء والصفقات الناجحة، رغم انها لم تكن دائماً على اسس صلبة، والمهم في تقديري هو أن النسق البطيء علامة على النّضج وليس العكس، والمصارف والفعاليات الاقتصادية تدرك اليوم أنه لا مجال للسعي لتكبير المحافظ وتضخيم الصفقات والنفخ في الفقاعة التي تسببت بها المضاربات، وأصبح واضحا ان الاتفاق بين الجميع قائم على انه لا مجال لتقديم الربح السريع على الثوابت والشروط الموضوعية للنمو السليم والمتوازن" . ويؤكد عرار أنه "حيثما وجد المضاربون اندلعت الحرائق"، متحدثاً عن ما قبل الازمة قائلا: "نعرف جميعاً الدور السلبي الذي لعبته المضاربات في المجال العقاري التي طغت على حركة البيع والشراء والاستثمار قبل الازمة، وكانت النتيجة التي نعرف: فحيث ما حلت المضاربة تأججت حرائق الاسعار في تحد وخرق سافر لقوانين السوق المتوازن بين العرض والطلب، واذا كان الوضع اليوم بهذا الهدوء فمرد ذلك، غياب أو تراجع المضاربين . ورغم انه لا يمكن القضاء نهائياً على هذا السلوك إلا أن ميزة المناخ العام الجديد، تتمثل في تحوله إلى بيئة طاردة وغير مغرية بما يكفي للمغامرين والباحثين عن الربح السريع" . هذا المناخ السليم يجعل سري عرار يتوقع "ان تكون القرارات التي يمكنها ترفيع نسق الاستثمار في القطاع وتأكيد تعافيه على شكل خطوات إجرائية اكثر منها تحفيزية بالمعنى الشائع من نوع تسهيلات بنكية أو اعفاءات مالية معينة أو غيرها، على شاكلة ما تم اقراره من فترة قصيرة مثل ضرورة اسكان موظفي الحكومة المحلية في أبوظبي حصراً، أو أخرى تهدف إلى تشجيع الشركات من القطاعين الخاص والعام على بلوغ اقصى طاقتها التشغيلية، ومن شأن مثل هذه الاجراءات ان ترفع الطلب على العقارات بشكل ملموس واستمرار احترام قاعدة العرض والطلب وضمان نسق نمو عادي للقطاع" . لا شك أن العقار بما له من اهمية اقتصادية ومالية واجتماعية يشكل القاسم المشترك بين فئات المجتمع، ومن الطبيعي والحال كذلك ان تتباين المواقف بتباين موقع كل طرف من الاطراف، بديع رسلان خبير ومدير مشاريع عقارية، لا يتردد في وضع النظارة السوداء عند الحديث عن هذا الموضوع، حيث يقول: "ان الازمة التي شهدها العقار في السنوات القليلة الماضية ناجمة عن تضافر عاملين أساسيين: الازمة العالمية من جهة، والتعامل الخاطئ من قبل الملاك والمستثمرين المحليين من جهة ثانية، فالأسعار التي بلغتها الايجارات في أبوظبي سواء كان ذلك داخل أو خارج الجزيرة، قد بلغت مستويات غير معقولة ولا تعكس حقيقة السوق لاعلى مستوى التأجير ولا على مستوى البيع أوالشراء"، ويرد رسلان ذلك: "إلى تمسك الملاّك وأصحاب العقارات بمستويات سعرية مرتفعة والى تدخل وسطاء عقاريين ليس من صالحهم النزول بالأسعار عند سقف معقول" . ويضيف بديع رسلان: "ان الوضع الحالي للعقارات في أبوظبي يشبه إلى حد بعيد ما حدث منذ أكثر من ثلاثين سنة، حيث يبدو الأمر دورياً، فبعد كل طفرة أو انتعاش يدخل العقار في مرحلة من عدم الاستقرار والتأرجح التي لا تعكس حقيقة القطاع، وهو الأمر الذي نعيشه حاليا في أبوظبي بشكل عام" ويشدد بديع رسلان "ان استمرار مثل هذا السلوك غير المبرر يجعل أسعار الايجار مثلاً في أبوظبي في بعض الاحيان أعلى من الأسعار المعمول بها في عدد من العواصم والمدن الأكبر في العالم مثل لندن أو باريس وفرانكفورت وغيرها، وهو ما من شأنه تأخير عودة القطاع إلى نسق نمو عادي وطبيعي، ما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة يمكن بفضلها لجم الزيادات السعرية العشوائية" . استقرار في انتظار التعافي الفعلي: "شخصياً أتوقع أن يتمكن القطاع من تحقيق الاستقرار نهائيا في آخر السنة المقبلة، قبل ان يتعافى بعد فترة قد تتراوح بين السنة والسنتين" هكذا يلخص الخبير المصرفي والمالي زياد الدباس نظرته للقطاع العقاري، حيث يؤكد أن الحيوية الجديدة التي تشهدها العقارات اليوم لا يمكن لها "ان تحجب عنا حقيقة انها محصورة في بعض المناطق دون غيرها وعلى صنف من الاستثمار دون البقية، ما لا يسمح بالحديث عن حالة عامة تمس القطاع" ويعتقد زياد الدباس ان: "السبب في هذا الوضع يعود إلى عنصرين أساسيين، أولا التمويل، حيث يتواصل حذر البنوك في التعامل مع مشاريع الاستثمار العقاري، وثانيا محدودية الاقبال حيث لا يزال العرض يتفوق على الطلب بأشواط نتيجة لاستقرار النمو السكاني في أبوظبي" . وعليه يقول الدباس "لابد من اتخاذ إجراءات تسمح بتنشيط الطلب على العقارات على ان يكون ذلك شاملا لكل الاصناف، بتطوير قدرة أبوظبي على استقطاب سكان جدد بأعداد مناسبة، ويمكن في هذا الاطار لقرار مثل الزام موظفي الحكومة بالإقامة الحصرية في الإمارة أن يشكل خطوة اولى،على ان تتبعها خطوات أخرى، ذلك ان هذا الإجراء قد لا يكون كافيا، وربما يكون له اثر آخر جانبي مثل نقل الثقل السكاني من امارة إلى أخرى دون ان يكون حاسما على مستوى التدفق الجديد من خارج الدولة مثلا على الإمارة" . وعلى عكس المتدخلين السابقين يرى مسعود العور الرئيس التنفيذي لشركة "تسويق" المتخصصة في خدمات تسويق واستشارات القطاع العقاري، ان الأمر برمته يتعلق بطريقة التعامل الخطأ مع قطاع العقار: "فقد طغت على الوضع السمة الانطباعية المتسرعة، العقار تراجع، العقار تطور، من دون الاستناد إلى مؤشرات أو معطيات واقعية على الأرض تؤيد هذا القول أو ذاك"، ويضيف مسعود العور "اعتقد أن العقار في أبوظبي قطاع على مسافة قريبة من النضج التام، حيث يغيب عن البعض انه إذا كان القطاع العقاري محركاً أساسياً للحياة الاقتصادية، إلا انه في نفس رهين تطور ميادين أخرى تجعله أما يبلغ عنفوانه أو يدخل في حركة تراجع، والناظر إلى أبوظبي اليوم يقف على حجم الآفاق العريضة المتاحة لنمو وتطور القطاع العقاري، من خلال المشاريع الضخمة والعملاقة التي يجري تنفيذها، وهي مشاريع ستعطي العقار دفعة وجرعة قوية من النشاط بمجرد دخولها حيز الاستغلال، وعليه فإن الوضع لا يستدعي إجراءات خاصة اضافية، لأن الأمر ببساطة غير مطروح، لكن في المقابل هناك ما يمكن القيام به بهدف تعزيز حيوية قطاع العقار في الامارة، ومن أبرز المجالات التي يتحتم التركيز عليها: تفعيل التشريعات المنظمة والمعمول بها وتحديد الصلاحيات وتوزيع الادوار بين المتدخلين في القطاع بدقة أكبر" . ويؤكد العور "أن توضيح الاختصاصات وتوزيع الادوار بين المتدخلين في القطاع مثل دائرة النقل أو البلدية والتخطيط وغيرها من الأطراف من شأنه تحفيز المستثمرين أكثر، وضمان حقوقهم سواء كانوا مستثمرين محليين أو خارجيين، كما أن توضيح الصلاحيات عند حدوث خلافات مثلاً - هل يتم التقاضي في المحاكم العقارية؟ المدنية العادية؟ وغيرها من الإجراءات التي تعكس في مجملها ثقافة جديدة، تستند إلى شفافية ووضوح اكبر - من شأنه تطوير جاذبيته وقدرته على استقطاب الاستثمار الداخلي والخارجي" . ويضيف العور قائلاً: "من شأن هذه الإجراءات أن تضفي ميزة تفاضلية اضافية على العقار في الدولة وتساهم في تعزيز مكانة أبوظبي في كامل المنطقة، وهي المتميزة اصلا بإطارها القانوني والتشريعي من حيث الشفافية في المعاملات والحوكمة، والأمن والأمان التي تجعل من الإمارات قبلة للاستثمار في كل المجالات، أن هذه الميزات بالإضافة إلى الدور الكبير الذي لعبته حكومة أبوظبي في مجال الاستثمار في البنية الاساسية وتطوير المشاريع العملاقة، كلها مؤشرات تدل على حجم التطور والنمو المتوقع للقطاع العقاري في السنوات القليلة المقبلة، وهي نفس الاسباب التي جعلتنا في "تسويق" مثلاً من كبار المتحمسين والمؤمنين بمستقبل العقار في الامارة، حيث نستعد في الفترة للإعلان عن تفاصيل استثمارات نعدها استراتيجية في مناطق وقطاعات تعكس التوجهات العامة في أبوظبي، من خلال مشاريع في جزر الريم، الصوة وياس وتشمل قطاعات الضيافة والسياحة والترفيه والسكن" . ويعلق مسعود العور على أهمية العقار بالقول "لقد تطور عدد البشرية ليصل إلى أكثر من 7 مليارات نسمة، لكن الأرض بقيت نفسها منذ آلاف السنين، وعليه فإن العقار لا يمكنه الا ان يكون استثماراً مجزياً، بسبب الطلب المتنامي، وحتى ان حدثت مشكلات فإن قيمة العقار لا تنهار بشكل درامي بل تسجل تراجعا بسيطا يسهل تعويضه في فترة قصيرة" . الثابت حسب هذا الرؤية ان العقار إذا لم يكن قد باشر بالتعافي، فإنه على الأقل قد استقر عند منطقة يمكن ان نسميها بمنطقة التوازن، وعليه فان مصطلحات الازمة، والتراجع والانهيار التي تزخر بها التقارير لا معنى لها في ظل المعطيات التي تنفيها على الأرض، أو كما يعلق على ذلك الخبير المصرفي سري عرار فيقول "ان التقارير لا تعني في ذاتها شيئاً ذلك أنك- في نفس الوقت وربما في نفس اليوم- قد تطالع التقرير ونقيضه، هذا يهلل والآخر يحذر" . إن المتأمل اليوم في مسيرة القطاع العقاري لن يصعب عليه ادراك حقيقة أن القطاع يمر بمرحلة انتقالية عادية بلغ بموجبها ما يتفق أغلب الخبراء على تسميته بمرحلة النضج والعقلانية، رغم الازمات التي هبت عليه في السنوات الماضية . وإذا كان لابد من تفسير النظرة السلبية الحالية للقطاع، فإنه قد يحن إلى الماضي القريب الذي كان على درجة عالية من الإغراء ما فتح الباب امام المضاربين والدخلاء على القطاع حتى كادوا ان يأتوا عليه، لكن صرامة التدخل السياسي والمالي من جهة وسلامة الإجراء والمعالجة الحاسمة للعاتيات التي قامت من دون سابق إنذار من جهة أخرى سمحت للقطاع بعد هدوء العاصفة بالعودة إلى نسق نموه العادي، وكشفت معدن القطاع وأنه صلب ثابت وقادر على التأقلم مع المتحولات، وخاصة الافادة من التجربة الصعبة بما يضمن عدم تكرارها، على الأقل على المدى المنظور .