بقلم - د. هاشم السيد: يُشكل قطاع العقارات محوراً مهماً من محاور التنمية في الاقتصادات الحديثة لأي دولة، لما يقوم به من دور فعال في دفع عجلة النمو، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحريك النشاط الاقتصادي في العديد من الصناعات والأنشطة الأخرى المرتبطة به، سواء كانت هذه الأنشطة مرتبطة بمرحلة ما قبل الإنشاءات مثل مكاتب الدراسات والاستشارات العقارية والمكاتب الهندسية، وشركات التسويق، أو ما هو مرتبط بمرحلة الإنشاءات مثل صناعة المقاولات، وصناعة مواد البناء، أو ما يرتبط بمرحلة ما بعد الإنشاء مثل شركات التشغيل والصيانة، والصناعات المكملة الأخرى التي يتطلبها هذا القطاع، ومن هنا فإن انتعاش القطاع العقاري يعني زيادة النشاط ودوران عجلة رأس المال في هذه الأنشطة والصناعات. ويُعتبر القطاع العقاري من أهم القطاعات الاقتصادية وذلك لتداخله وتشابكه مع قطاعات أخرى كالقطاع المالي والتجاري والخدمي بجانب أثره الواضح على الاقتصاد بشكل مباشر من ناحية الإنفاق الاستثماري بالشراء أو الإيجار ومن ثم تداول القيمة المادية واستيعاب فائض السيولة، وبذلك يُعتبر مؤشراً حقيقياً لمعدل النمو. كما يمتاز قطاع العقارات بالعديد من الإمكانات التي تؤهله لحل الكثير من المشكلات التي تواجه الدول مثل العشوائيات والبطالة والإسكان، وبضخ المزيد من الاستثمارات المدروسة فيه يستطيع عبور الأزمات الاقتصادية. ويكتسب الاستثمار العقاري أهميته من الأثر الذي يتركه على الاقتصاد بشكل عام، ففي الاتحاد الأوروبي مثلاً عام 2011 حقق الاستثمار العقاري نتائج عالية واستطاع أن يخلق ما يزيد على 4 ملايين وظيفة مباشرة، هذا بجانب الوظائف غير المباشرة التي خلقها في القطاعات المساندة كالبناء والخدمات، وتجاوزت الاستثمارات السنوية فيه أكثر من 250 مليار يورو، كما ساهم في الناتج المحلي للاقتصاد الأوربي عام 2011 بأكثر من 285 مليار يورو. وفي العالم العربي يعد الاستثمار العقاري أحد أهم الحلول للأزمات الاقتصادية خاصة في دول الربيع العربي، حيث يوجد في الدول العربية حوالي 360 مليون مواطن ويحدث زيادة سنوية في حدود 8 ملايين نسمة وهذا يدل على احتياج العالم العربي إلى ما يقرب من 4 ملايين مسكن سنوياً.. كما يشتغل بالقطاع العقاري 4 ملايين فرد بشكل مباشر .. ويؤثر في الاقتصاد العربي بنسبة تتعدى 24% .. وتضم البنوك العربية ودائع أكثر من 2 ترليون دولار علاوة على ما تزخر به صناديق الاستثمار العربية من أموال طائلة، ويعتبر الاستثمار العقاري الملاذ الآمن لهذه الأموال، كما يمكنها من خلال الاستثمار فيه القضاء تماماً على الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها الدول العربية. وفي ظل المنافسة الشديدة لاجتذاب رؤوس الأموال وتوجيهها نحو الاستثمارات المختلفة فإن السوق العقاري يعد من أقوى الأسواق الاستثمارية، ما يجعله يجذب شريحة واسعة من المهتمين بالاستثمار في شركات التطوير أو الوساطة والإيجارات، وبالرغم من أن القطاع العقاري يُعتبر أكثر المجالات الاقتصادية ضماناً للربح فإنه يعاني العديد من أشكال الفوضى وأوجه القصور الشديدة التي تؤثر في مسيرته وتحدد مستقبله ومستقبل دوره في مسيرة التنمية، من حيث حجم الاستثمارات، ومعدل النمو وخلق فرص العمل، وتلبية الطلب على الوحدات العقارية، وهذا يرجع إلى خلل في المنظومة العامة لسوق العقارات.. وتتنوع أشكال الفوضى ما بين أساليب الممارسة المهنية وعدم وجود قوانين ولوائح تحكم وتنظم العلاقات بين أطراف المنظومة.. ويمكن حصر بعض هذه المخالفات كالآتي : عزوف البنوك عن عمليات التمويل وارتفاع أسعار الفائدة وتثمين العقارات بأسعار أقل حتى لا تتحمل جزءاً من المخاطر، كما أن شريحة كبيرة من البنوك تميل إلى التمويل الفردي على حساب تمويل الشركات وهذا يؤثر على حركة الاستثمار في القطاع. إعلان الشركات والمجموعات العقارية الكبيرة عن التخارج من استثماراتها العقارية والتخلص من محافظها العقارية والتوجه نحو استثمارات أخرى مثل الأسهم، بلا شك يضعف الثقة في الاستثمار في قطاع العقارات ويفقده جاذبيته، كما يخلق حالة من عدم الثقة عند المستثمرين علاوة على ما يتولد عنه من تضخم الكتلة النقدية في السوق. تشكل المعارض العقارية أحد أشكال الفوضى أيضاً حيث إن معظمها يعطي بيانات مضللة وغير صحيحة عن حجم المشاركة وجملة المبيعات وعدد الصفقات، كما أن هذه المعارض تكرر نفسها وليس فيها جديد. تفشي ظاهرة الوكلاء العقاريين غير المعتمدين وعقد العديد من الصفقات خارج الإطار التنظيمي، الأمر الذي يضر بالوكلاء المرخصين ويجعل نشاطهم يتراجع وأرباحهم تتآكل بسبب ما يتحملونه من أعباء مالية تضيع هباء بسبب فوضى السوق. يُعتبر سماسرة الباطن من أكثر الفئات إزعاجاً في دائرة الاستثمار العقاري لما يسببونه من مشكلات كبيرة تلقي بتأثيرها السلبي على السوق العقاري، كما يشوهون الوجه الحضاري للعقارات في سبيل الحصول على الأرباح. الكثير من المتعاملين في السوق العقارية يفتقرون إلى الأسس العلمية والمعلومات عن سوق العقار التي تساعدهم على اتخاذ القرار وترشدهم إلى الاستثمار الأجدى والأكثر مصداقية. تعقد الإجراءات البيرقراطية مثل التسجيل العقاري، وطول فترة توصيل المرافق والخدمات إلى أرض المشروع كل هذا يؤثر في سرعة الإنجاز ويحرم السوق من مدخلات جديدة. غياب الشفافية في التعاملات الحكومية، بالإضافة إلى بعض البنود القانونية والتنظيمية التي تنفر المستثمرين. ارتفاع كلفة الاستثمار العقاري بسبب زيادة أسعار الأرض ومواد البناء والأيدي العاملة لا سيما في البلاد التي تستورد هذه المواد ولا تتوافر فيها الأيدي العاملة بصورة كافية. عدم تفعيل نظام التمويل العقاري وعدم استيعاب مقوماته وأهميته كوسيلة لحل الكثير من المشاكل في إيجاد سكن مناسب. المحسوبية والفساد واستغلال النفوذ في تخصيص مساحات كبيرة من الأرض لبعض المستثمرين دون غيرهم، ما يولد حالة من الاحتكار في السوق. عدم الاستقرار السياسي والأمني يحبط همة المستثمرين ويجعلهم يتخوفون من الدفع باستثماراتهم كما هو الحال في دول الربيع العربي التي أصبحت طاردة للاستثمار، وتشهد تراجعاً في ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال. عدم اعتماد سياسة سكنية واضحة تحدد نسب ومستويات السكن (فاخر - متوسط - شعبي) والمناطق التي يمكن تحديدها لكل نوع، وهذا يترتب عليه استغلال مساحات الأرض وفق مصلحة المستثمر وليس لاحتياجات المجتمع. الاهتمام بإنشاء الوحدات الفاخرة والترويج لها دون غيرها على الرغم من تزايد الطلب على الوحدات المتوسطة ذات المساحات الصغيرة وذلك للأرباح الكبيرة المحققة من الوحدات الفاخرة دون النظر إلى احتياجات المجتمع. العشوائية في التثمين العقاري الذي يعتمد على المكاتب العقارية التي لا تستند إلى معايير محددة والتي تبحث عن مصالحها الشخصية. تعطل المشروعات بسبب تقصير المطورين وعدم إلزام هوامير العقارات بقوانين تحكمهم بقيود صارمة لمواعيد وشروط التسليم. الافتقار إلى المعايير والأسس العقارية في الجهات الحكومية التي يتم على أساسها تقييم العقارات، وذلك يؤثر بشكل كبير على ميزانية الشركات. الخلل الواقع في الجهاز القضائي بخصوص تأخير البت في ملفات المقاولات والتأجير وطبيعة الأحكام في العديد من القضايا، ما يشكل عنصراً سلبياً للتحفيز على الاستثمار. العمل بدون دراسات جدوى اقتصادية في إقامة المشروعات العقارية، وعدم التزام المستثمرين بالمخططات العقارية لتجنب المخاطر. البطء في إنهاء المعاملات الحكومية في منح التراخيص للبناء، وكذلك طول الفترة في إدخال الخدمات والكهرباء ما يخلق نوعاً من الفوضى في دخول الوحدات السكنية والعقارية إلى السوق. ومن الاستعراض السابق لبعض أشكال الفوضى والمخالفات التي تشوب قطاع العقارات، وللتغلب عليها لابد من إعادة النظر في الإطار المؤسسي للقطاع العقاري بصفة عامة، وتفعيل مستوى الأداء لدى الأجهزة التنفيذية في المؤسسات العقارية، كما أن الأمر يستدعي بذل المزيد من الجهود سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص من أجل توفير الظروف المناسبة لهذا القطاع من حيث الأنظمة والتشريعات وتسهيل الإجراءات الإدارية ومنح التمويل والتسهيلات للمستثمرين العقاريين وزيادة الحوافز المقدمة لهم، وإنشاء هيئات مستقلة مختصة بشؤون العقار على غرار هيئات أسواق المال، وتوفير مؤشرات تفاعلية وبيانات محدثة بأكبر قدر من الشفافية لمنع التلاعب بالأسعار ولتكون مرجعاً للمستثمر يستخدمها لبناء قراره الاستثماري. وكل هذه الإجراءات ينبغي أن تتم في وقت واحد وبشكل متناغم لأن إصلاح السوق لا يتم بقرار فردي وإنما بمجموعة من المبادرات المتكاملة التي تحفظ هذه الاستثمارات وتنميها لتقوم بدورها في الاقتصاد الوطني. باحث اقتصادي www.halsayed.com جريدة الراية القطرية