مواقع التواصل الاجتماعي توفر مساحات شاسعة أمام شبان غزة للهروب من واقعهم المريرغزة 'القدس العربي' ترى نسبة كبيرة من شبان قطاع غزة الساحلي المحاصر أن مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها 'الفيسبوك' باتت قبلتهم الأولى للهروب من واقع البطالة، والهموم الاجتماعية، إذ يرون فيها ملاذا ينقلهم إلى واقع أكثر اتساعا من تلك المساحة الضيقة التي تحيط بها أسلاك شائكة من ثلاثة اتجاهات، ومياه البحر من الاتجاه الرابع. في سنوات سابقة كانت مقاهي الانترنت تعج بالشبان الغزيين، حينما كان أمر الحصول على جهاز كمبيوتر وخط نفاذ للدخول للشبكة العنكبوتية أمرا غير يسير، لكن الآن ومع دخول أجهزة الكمبيوتر خاصة المحمولة في معظم بيوت العزيين، أصبح ساعات هروب هؤلاء الشبان من واقعهم في عالمهم الجديد أكثر بكثير مما كانت عليه في السنوات الماضية. فلم تبق ندرة فرص العمل التي خلقها واقع الحصار والانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية، حلولا أمام شبان غزة خاصة خريجي الجامعات هم بأعداد متزايدة، سوى الهروب إلى عالم إلكتروني جميل، مليء بالأحلام والأمنيات. وتقدر إحصائيات نسب الفقر في قطاع غزة بأكثر من 35 بالمئة من عدد السكان البالغ عدهم نحو 1.6 مليون نسمة، عدد كبير منهم من خريجي الجامعات والمعاهد، وسبق وأن ذكرت تقارير اقتصادية أن نسبة كبيرة من سكان القطاع يعتمدون في معيشتهم على المساعدات الخارجية. وأثر الحصار الاقتصادي الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ خمس سنوات بشكل مباشر على سوق العمل، وألحق خسائر اقتصادية فادحة في المصانع والورش الصناعية التي أغلقت نسبة كبيرة منها أبوابها. ووجد شبان غزة الهاربون من واقع البطالة وقلة العمل أنفسهم مجبرين على الدوام يوميا لساعات جالسين أمام صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع المحادثات يتبادلون أطراف الحديث مع أصدقاء بعضهم معروف، وكثيرون اكتسبوا صداقتهم من عالم الانترنت الواسع. هيثم عبد الرحمن الذي أنهى دراسته الجامعية منذ ثلاث سنوات يقول أنه لم يفلح ولو لمرة في الإقلاع حسب تعبيره عن 'إدمان الفيسبوك'، ويشير إلى أنه يقضي أوقات كثيرة أمام الكمبيوتر، بتبادل أطراف الحديث والتعليق على أصدقائه، وجني محاصيل 'المزرعة السعيدة' اللعبة الأشهر في موقع 'الفيسبوك'. ولم يخف هذا الشاب الذي لم يعمل في تخصص الكمبيوتر الذي حصل عليه منذ ثلاث سنوات، حلمه بان يمتلك قطعة حقيقة من مزرعته الوهمية التي يقول أنه شيد فيها بيتا جميلا. وبسبب قلة فرص العمل أمام الخريجين، تجد غالبيتهم ممن أتيحت له فرصة العمل إما يعمل في مطعم شعبي باليومية، وآخرين سائقي لسيارات أجرة، في حين الغالبية الكبرى تظل بلا عمل. ويستخدم هؤلاء الشبان مصطلحات جديدة مستوحاة من الوضع الجديد مثل شادي، الذي يرد حين يسأل من أصدقائه عن مكانه بالقول 'بفسفس'، أو 'بفيس' أي جالسا استخدم موقع 'الفيسبوك'. وترتفع في قطاع غزة نسبة التعليم، وفي القطاع الساحلي الضيق تتواجد أكثر من عشرين مؤسسة تعليمية جامعية، تخرج سنويا آلاف الطلبة، في ظل انعدام الفرص في سوق العمل. وليس العاطلون من الجامعيين وحدهم من يداومون على متابعة 'الفيسبوك'، فهناك أعداد كبيرة من مستخدمي الانترنت يلجون يوميا لهذا الموقع، ويجدون فيه مكانا رحبا للتعبير عن أفكارهم، فتجدهم يصرخون، ويعلقون بكثير من النقد على المظاهر السلبية، والأوضاع السياسية في الضفة وغزة. وكان أبرز نشاطات شبان 'الفيسبوك' الاتفاق على تخصيص يوم 15 آذار (مارس) من العام 2011 للخروج في مسيرات في تندد بالانقسام السياسي بين فتح وحماس. ويتفاعل هؤلاء مع الأحداث السياسية الجارية على الساحة ، فمثلا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد غزة، وضع غالبيتهم على صفحة الغلاف صورة للغارات، وحين نالت فلسطين صفة العضوية المؤقتة في الأممالمتحدة، وضعوا صورا لكرسي الدولة في المنظمة الأممية. وتقول منى الناشطة في مجال العمل الأهلية التي تبدل صورة غلافها لتتناسب مع الحدث السياسي الأبرز، أنها تهدف من وراء ذلك إعلام أصدقائها خاصة الذين بالخارج عن الوضع الفلسطيني. وفي حرب غزة الأخيرة 'عامود السحاب' اجتهد مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر صورا، ومقاطع تلفزيونية للغارات الإسرائيلية الدامية التي راح ضحيتها أطفال ونساء ومدنيون عزل.