ليست المدرسة وحدها مكاناً للتنافس بين الطلاب لتحقيق المراتب الأولى دراسياً، لأن حب الاجتهاد والمذاكرة في المنزل يدفعان الأبناء لإثبات أنفسهم أمام الأهل أيضاً، وهو سلوك إيجابي الهدف منه التفوق علمياً، وعلى الأبوين تشجيع الأبناء كي يعطي كل منهم أفضل ما لديه من أجل المثابرة وتحويل المنزل إلى بيئة دراسية محفّزة للتفوق . لذا فإن تكاتف أفراد الأسرة كلها مع بعضهم بعضاً إحدى مؤشرات التفوق الدراسي القوية لكل الأبناء . التنافس في أي مجال ليس بالضرورة أن يأخذ طابعاً جدياً مع الأبناء بعضهم بعضاً، هذا ما أكده ماجد محمد "طالب أول ثانوي في مدرسة أحمد بن راشد آل مكتوم في دبي"، وقال: الطالب المجتهد وحده من يتملكه الإحساس بالتفوق على زملائه في الصف، ومن لا يهمه الأمر يبقى في الصفوف الأخيرة ولا يعنيه الدراسة أصلاً، لا في المدرسة ولا البيت، وأضاف: بالنسبة لي فإنني أسعى لأن أكون الأول في الدراسة والعزف على آلة الكمان التي تعلمتها منذ أن كنت صغيراً، وشجعني والداي على أن أختار هذا الطريق، لذلك لا أشعر بأية غيرة من قبل شقيقتي المتفوقة في دراستها وموهبتها في الرسم، بل أتمنى لها التفوق عليّ، للقناعة التي غرسها فينا والدي منذ صغرنا والتي تفيد بأن أي تفوق يحققه أي منا هو تفوق للآخر، لذلك فإننا نثابر لتحقيق التفوق الدراسي وشغل أوقات الفراغ بالهوايات المفيدة ومحاولة التفوق فيها . وأشار إلى أن حضوره ووالده ووالدته إلى المعرض المدرسي الذي شاركت به شقيقته كان له وقعاً كبيراً في نفسها، لشعورها بالأمان وهي تنافس زميلاتها في موهبة الرسم، وبالفعل حققت هذه الثقة لديها درجة كبيرة من النجاح لأنها نالت المرتبة الأولى في المعرض وحصلت على وسام من قبل إدارة المعرض . ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة إلى حسناء عبدالله "طالبة صف سابع في مدرسة عجمان الخاصة" التي أوضحت أنها الابنة الوحيدة، لذا فإن كل طلباتها مستجابة، ولتقارب السن بينها وأخيها الأكبر منها فإن والداها يحرصان على التوافق بينهما حتى في أدق التفاصيل الصغيرة، كي لا يشعر أنه أقل مكانة في قلبيهما . وقالت: من هنا جاء مشوار تفوقنا الدراسي، لأننا نحظى بالاهتمام نفسه من قبل والدينا . وعن العلاقة التي تربطها بإخوتها في البيت أضافت: الحافز على التفوق يتطلب عناية مستمرة من قبل الطالب بدراسته، لذلك عندما أشعر أو أحد إخوتي بأن مستوانا قد تراجع فإننا نعلم بعضنا بعضاً بذلك ونحاول أن نتدارك الأسباب عبر تعاضدنا، وفي أغلب الأحيان نسيطر على تلك الأسباب التي تنحصر بدروس يستصعب استذكارها وحفظها . أما بالنسبة إلى طلبة الجامعة، فالوضع يخالف كثيراً، لأنهم قد وصولوا إلى مرحلة يستطيعون فيها رسم معالمهم الشخصية وحدودها، ولا داع للمقارنة بالآخرين من أجل إثبات ذواتهم، وقال فادي معصوم "طالب سنة أولى تحضيري في جامعة الشارقة": التنافس بين الطلاب في المدرسة والجامعة حالة طبيعية جداً، شرط أن يكون هدفها التفوق العلمي لا أكثر، أما بالنسبة إلى المنزل، فإنه المكان الذي يستذكر فيه الطالب لدروسه، ولا داع لخلق حالة من التنافس مع إخوته، على اعتبار أن كل واحد منهم في مرحلة دراسية معينة أو في تخصص دراسي جامعي معين، ولكل دراسة طبيعتها الخاصة، فلماذا مراقبة الإخوة من أجل التفوق عليهم، لأنه لا يوجد معيار للمقارنة بينهم؟ وأشار معصوم إلى أن تحول المنافسة إلى الغيرة، حالة قد تتوافر لدى البنات فقط، لأنهن شديدات الحساسية ويرفضن أن يكون لأحد معزة أكبر في قلوب الوالدين أكثر منهن، لذلك يستخدمن كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف، ورغم ذلك فإن البنات في السنوات الأولى من الدراسة قد يشعرن بذلك، وبعدها يتفهمن واقعهن أكثر ولن يشعرن بذلك أبداً في المرحلة الجامعية . ولأن الآباء والأمهات هم المسؤولون عن الخط البياني لدراسة أبنائهم فإنهم يحاولون وبشتى الوسائل عدم خلق التفرقة بينهم كي لا يتحول الأمر إلى غيرة، وعن هذا الدور قال حسن خليل "موظف في دبي": إن كانت المدرسة تهيئ الجو المادي والنفسي للطلاب من أجل الحصول على أكبر قدر من استيعاب الدروس، لكن البيت لا يقل منه شأنا للقيام بالواجبات المنزلية واستذكار الدروس، والآباء والأمهات الناجحون وحدهم من يستطيعون تحقيق ذلك عبر تهيئة الجو المناسب وحثهم على الدراسة، بحيث يتنافسون في ما بينهم على التفوق دون أن يكون ذلك سبباً في خلق حالة من الانقسام بينهم وتفضيل المصلحة الشخصية على الآخرين . وأضاف: من واقع تجربتي مع أبنائي الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة في الجامعة والمدرسة استطعت أن أحقق هذه النتيجة عبر التشجيع اليومي لهم ومتابعة مستواهم الدراسي وتوزيع الهدايا عليهم في نهاية السنة الدراسية تقديراً لجهودهم التي بذلوها في سبيل نجاحهم وتفوقهم، ورغم ذلك مازال ابني الصغير يتحسس من إخوته إن كان معدل أحدهم أعلى من معدله، لكن تدخلي ووالدتهم في الموضوع يعيد المياه إلى مجاريها، ونستطيع إقناعه أنه في الفصل المقبل سيحقق نتيجة أفضل إن اتّبع النصائح التي يسدونها له . عماد إبراهيم "موظف في دبي" عودت ابني وابنتي على الدلال المفرط، ولم أشعر بحرج كبير إلا بعد أن دخلوا المدرسة وأصبح كلاهما ينافس الآخر لتحسين صورته أمامي ووالدتهما والادعاء بأنه أكثر تفوقاً، والواقع أن كلاهما متفوقان، ومهما حاولت أن أوضح لهما هذه الصورة إلا أن حالة التنافس بينهما قائمة . رغم الإيجابيات الكبيرة لهذه الحالة بوصفها عاملاً مهماً للمثابرة من أجل التفوق واثبات الذات لكنها دخلت في إطار الغيرة، لذا لم نعد ندري ما الطريقة الأمثل للتعامل معهما، ووجدنا أن أفضل حل يكمن في تخفيف وتيرة الغيرة إلى أن وصلنا معهما في النهاية إلى أنهما متفوقان بالدرجة نفسها ولا يوجد بينهما فرق، بشرط أن يكون الاجتهاد والمثابرة عنوانهما في الدراسة كي لا يتراجع مستواهما . أما راجي محمود، خبير رشاقة بدنية في الشارقة وأب لأربعة طلاب في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي والجامعة، فقد اختار لأبنائه أن يكونوا متلاحمين مع بعضهم بعضاً ويتكفل الكبير بتعليم الصغير وتقديم أية نصيحة يحتاجها . وقال: طبقت هذا المبدأ منذ أن دخلوا المدارس ووجدت بالفعل أن ابني الكبير يعاون شقيقته في إعداد واجباتها المدرسية ولا يفارقها إلا بعد أن يتأكد من أنها أنجزتها كلها، كذلك بالنسبة لابنتي وشقيقها الأصغر منها، لذلك يجد كل واحد منهم نفسه مسؤولاً عن الأصغر منه وليس التخطيط لمنافسته عبر التفوق عليه وتقزيمه أمام والديه . واختتم حديثه: في نهاية كل سنة دراسية وصدور النتائج نحتفل معاً بتفوقهم الدراسي وأحضر لهم الهدايا، لأنهم عملوا بروح الفريق الواحد، الذي ترك أثراً ايجابياً في طريقة تعاملهم مع بعضهم بعضاً في المنزل، من خلال تبادل الأحاديث ومشاهدة التلفزيون سوياً بعد انتهائهم من واجباتهم المدرسية، بعكس بعض الأسر التي سمحت لأبنائها الكبار التعالي على إخوتهم لفارق السن بينهم واللجوء إلى الأصدقاء خارج البيت للترويح عن أنفسهم . الحال ينطبق على أسرة سامية القادري "ربة منزل في عجمان" التي مهدت لابنها أن دخول أخيه المدرسة سيزيده ثقة بنفسه لأنه الابن الأكبر وتقع عليه مسؤولية سلامة أخيه في المدرسة وتعليمه في البيت ليكون متفوقاً بين زملائه، وقالت: بعد أن استطعت غرس هذه الفكرة فيه ارتحت كثيراً لأنه لا يخرج من البيت إلى حافلة المدرسة إلا يكون يده بيد أخيه والأمر نفسه يتكرر في العودة وتعليم أخيه العادات الحسنة في التعامل مع الوالدين والناس، وهو ما انعكس ايجاباً على دراستهما، لأنهما يدرسان رفقة وينهيان واجباتهما المدرسية باكراً ويقضيان بقية أوقاتهما في متابعة التلفزيون والألعاب الالكترونية عبر الإنترنت . وبالنسبة إلى إيجابيات هذه الحالة بالنسبة إلى الوالدين أضافت: الوصول إلى قلب الطفل يتوجب على الكبار النزول إلى مستواهم الفكري والتعامل معهم باللغة التي يفهمونها، وليس خلق حالة من التنافس غير البنّاء بينهم عبر تحريضهم ضد بعضهم بعضاً للتفوق وبالتالي خلق حالة من الغيرة تنعكس على حياتهم كاملة وطريقة تعاملها مع بعضهم بعضاً في البيت وخارجه والتدخل بينهم لحل مشكلاتهم التي لن تنتهي، وطبعاً في نهاية السنة يكون الموعد مع نتائجهم المدرسية التي ستثبت بلغة الأرقام مدى تراجع أبنائهم دراسياً . من جهتها أشارت شريفة عبدالغفور "ربة منزل في دبي" إلى أنه قد ينظر بعضهم إلى هذه الحالة بنظرة سلبية . وقالت: بالنسبة لي حصلت عبرها على نتائج إيجابية من خلال تفوق ابنتاي وابني على زملائهم في صفوفهم، إضافة إلى تحريض ذاتي من قبلهم للعودة إلى كتبهم ودفاترهم بعد العودة من المدرسة والتخطيط الجدي للتفوق، وهذا يتوقف على طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم في البيت كي لا يتحول هذا التنافس بينهم إلى حالة من القلق المستمر خشية تراجع مستوى أحدهم مقارنة بأخوته . ولتحقيق تلك النتيجة اقترحت على الآباء والأمهات تهيئة بيئة صحية للدراسة من حيث الهدوء وتأمين متطلبات أبنائهم الدراسية في وقتها ومتابعة مستواهم الدراسي وعدم التفكير بأن تراجع مستواهم سيترك أثراً في مستوى محبة والديهما لهم، بل على العكس لأن الاطمئنان يولد عامل ثقة وبالتالي النجاح والتفوق . أما منى شوشان "مرشدة أسرية واختصاصية نفسية" رأت أنه على الأم أن تحدد موقفاً واحداً من أبنائها، والذي يتمحور في تشجيعهم على النجاح والتفوق، وهم بدورهم سيكملون النهج . وقالت: لنفترض أن الأكبر بينهم متفوق، فعلى الأم في هذه الحالة أن تحث الآخرين على أن يكونوا مثله، لا أن تقارنهم ببعضهم بعضاً، لأن قدراتهم العقلية مختلفة من واحد لآخر، وعليها أن تعلم أنه هناك من هو ذكي في الحفظ وآخر شخصيته جدية أو هزلية أو أية صفة أخرى . وأضافت: إن كان لدى أسرة سبعة أبناء فرضاً، وواحد فقط منهم متميز عن الآخرين، فإنها لن تستطيع أن توجههم كلهم إلى منحى معين وأن تخلق فيهم الصفات التي ترغب بها . وتابعت: وإن قارننا هذه الحالة بالمعلم الذي يشرف على تعليم الطلبة في المدرسة لوجدنا أنه يحاول أن يشرح لهم الدرس بالمستوى نفسه بالنسبة إلى كل الطلاب، لا أن يميزهم عن بعضهم بعضاً، لذلك المعلم لديه خبرة أكبر في التدريس من أي شخص آخر . واختتمت حديثها: لتطبيق نظريات علم النفس على الأطفال معرفة جدواها، يجب تطبيقها في البيت بحيث نبعدهم عن المشكلات التي قد يقعوا فيها ونتبع معهم نظام التشجيع لتقييم مستواهم . فاطمة سجواني "اختصاصية نفسية في منطقة الشارقة التعليمية" بدورها أوضحت أن التفوق يعود لمعيارين، أولهما القدرة العقلية عند الإنسان، لأن بعضهم يكونون أذكياء بفطرتهم ويحصلون على التفوق ولو كانت مذاكرتهم للدروس ومتابعة أهلهم قليلة، أما المعيار الثاني فهو القدرة الذكائية المتوسطة أو الأعلى من المتوسطة، بحيث تكون لدى الطالب أسرة تهتم به وبالتالي يحصلون على التفوق . وقالت: من التجارب التي حصلنا عليها من الطلاب وجدنا أن الأسرة التي تهتم بأبنائها يكونون متفوقين، وتكون أمورهم آمنة ومستقرة والأسرة متماسكة . وإن كان لدى الأسرة أكثر من طفل متفوق، اقترحت أن يشاركهم الأهل في المسابقات التربوية والتعليمية للتعبير عن تفوقهم ومواهبهم، وبالتالي تحويل روح المنافسة لديهم إلى منحى إيجابي عبر تشجيعهم وعدم توجيههم إلى الحقد والكراهية.