على الرغم من نظام التقويم المستمر الذي تطبقه وزارة التربية والتعليم، والامتحانات الشهرية التي يؤديها الطلاب بشكل دوري، وما يحصلون عليه من درجات تصب في رصيدهم النهائي، فإن بعض الطلاب غالباً ما يجدون أن هناك فوارق في مستواهم العلمي والتحصيلي بينهم وبين أقرانهم، وعلى الرغم من أن عدد الساعات الدراسية، والمناهج، والبيئة الصفية كلها واحدة، فإن هذه الفروق الفردية هي التي تميز المتفوقين عن غيرهم، فالتميز له خطواته المحسوبة التي يضعها المتفوق نصب عينيه منذ بدء الدراسة، لكن هل للأسرة دور في صناعة هذا التفوق، أم أنه لا يأتي إلا بتكامل الأدوار؟ في تحقيقنا الآتي نكشف أسرار التفوق ودور الأسرة في دفع الأبناء نحو تحقيق أهدافهم العلمية ومن ثم تميزهم دراسياً . عن تفوق ابنتها، تقول أم فاطمة الشامسي، الأولى على القسم الأدبي على مستوى الدولة "98 .99%" . ربينا أبناءنا منذ نعومة أظافرهم على روح التحدي، وشجعناهم على بذل كل ما في وسعهم من جهد حتى تتحقق أهدافهم التي رسموها لأنفسهم منذ بداية مشوارهم التعليمي، كما ساعدناهم على تنظيم أوقاتهم، حتى تعودوا على تخصيص أوقات للدراسة، وأخرى للترفيه وممارسة ما يفضلونه من أنشطة . وتضيف: ليس صحيحاً أن الطلاب المتفوقين محبوسون في غرف مغلقة، ومنكفئون طوال الوقت على الكتب، وليس لهم برامجهم الترفيهية أو الرياضية، لكن ذلك يتم في حدود الجدول الزمني المتفق عليه منذ سنوات، ففي العطلات نخرج جميعاً إلى أحد المتنزهات، أو لنزور العائلة، وهناك أيام معروفة للممارسة الرياضة، كما هناك ساعات مخصصة لمتابعة ما هو مفيد في التلفاز من برامج . وتشير أم فاطمة إلى الدور المهم الذي تؤديه الأسرة في مساعدة أبنائها على رسم طريق التفوق، مشيرة إلى أهمية وجود الأبوين في حياة الأبناء لأن الأبناء عند بذل الجهد يكونون بحاجة إلى التشجيع والتحفيز بشكل دائم، وفي حال غيابهم أو حتى انشغالهم، يضيع الطريق من تحت أقدام الأبناء . وتوضح أن المتابعة الواعية للأبناء طوال العام هي كلمة السر في تفوقهم، وليس من المعقول أن يترك الآباء أبناءهم طيلة العام من دون متابعة، ويطلبوا منهم التفوق في آخر العام . وضعت عائشة عبد العزيز، الثانية على القسم الأدبي على مستوى الدولة منذ دخولها الصف الأول الثانوي تقديراً معيناً في ذهنها تود الحصول عليه، وعاهدت نفسها وأسرتها على حصولها على درجة 9 .99% . لتحصل بعد ذلك على معدل 6 .99%، وسافرت لتكمل دراستها في الخارج . تقول: يبدأ يومي الدراسي على عكس المتعارف عليه، بعد المدرسة وليس قبلها، حيث أقوم بعد مراجعة دروسي اليومية بالتحضير لما سأدرسه في اليوم التالي، ووضع بعض الملحوظات على النقاط التي لم أفهمها وأريد استيضاحها من المعلمة، ومن ثم أستيقظ مبكراً للصلاة وأذهب إلى المدرسة، وأحضر دروسي بذهن صاف، وأتفاعل مع الشرح لأتأكد مما وصلني من معلومات، أعود من المدرسة كحال كل الطالبات متعبة، لكن هذا التعب يزول بعد قسط من الراحة وتناول الغداء، ومن ثم تبدأ رحلتي مع المذاكرة . وتضيف: عودتني أسرتي منذ الطفولة تنظيم الوقت وتحمل المسؤولية، لذلك أبقى على بعض الوقت لعمل أشياء مفيدة، مثل الذهاب لتحفيظ القرآن، وتعلم الخط العربي، وممارسة السباحة بنادي سيدات الشارقة، كما تعودت ممارسة رياضة المشي مع والدتي لمدة نصف ساعة يومياً . ربطت عائلة شيماء عبد التواب، الرابعة على القسم الأدبي على مستوى الدولة، بمعدل "5 .99%"، تحقيق أحلامها في الحياة بتفوقها الدراسي، فشبت تعشق المدرسة، وتحب مذاكرة دروسها، وتستمتع بمراجعتها . عن ذلك تقول: منذ التحاقي بالروضة علمتني أمي مراجعة ما أخذت يوماً بيوم، ولا أهمل ما تكلفني إياه المعلمة، فكبرت على هذا الشيء، أعود من المدرسة مسجلة كل ما أخذت، ولدي حصيلة كبيرة من المعلومات الجديدة . وتضيف: أتعامل منذ الصف الأول الابتدائي مع كتبي وكأنها للتسلية . وعن طرائق دعم أسرتها لها تقول: وضعت أسرتي منذ البداية طريق التفوق نصب عيني، لأنهم لم يرضوا لي ولأخوتي سوى التفوق، فسرنا على الدرب وأصبحنا من المتفوقين، لا نسأل عن النجاح لأنه عادي، ولكننا عند ظهور النتيجة نسأل عن المعدل . وتؤكد شيماء أن أهمية تنظيم الوقت تتيح لها الاحتفاظ بعلاقاتها الاجتماعية بالأصدقاء، وممارسة الهوايات التي تفضلها، مثل قراءة القصص القصيرة، ورسم الأزياء، وذلك من خلال جدول تلتزم به من بداية العام . وتلخص سلمى بن جرش، طالبة إدارة الأعمال بجامعة الشارقة، والخامسة على الدولة بمعدل 5 .99%، لزميلاتها الطالبات في المراحل المختلفة، قصة نجاحها في كلمة واحدة هي "الهدف" الذي يضعه الإنسان نصب عينيه، ويصنع كل ما في وسعه لتحقيقه . وتقول: بدأت رحلتي في تحقيق هدف التفوق منذ بداية دخولي المدرسة، حيث تدربت على حسن تنظيم الوقت، والتحصيل الجيد، والتركيز الزائد، ومتابعة الدروس، ووضع جدول لدراسة المواد، وعمل الواجبات وأوراق العمل، كل هذا مكنني من التعامل بأريحية مع العدد الكبير من المواد، والتقويمات المستمرة . وتضيف: عندما يراجع الطالب دروسه بشكل يومي، ويضيف إليها جديد ما يأخذ بشكل منتظم، تكون مهمته أسهل عند الامتحان، لأنه يكون مطالباً بالمراجعة فقط، وليس حفظ الدروس من الأساس، وهو خطأ يقع فيه الكثير من الطلاب، إذ يعكف بعضهم على دراسة الواجبات في الوقت الذي أكون انتهيت فيه من المراجعة الأولى، وهو ما أكسبني خبرة كافية في التعامل مع الامتحانات . تدرس بسمة الزحمي، الحاصلة على الترتيب العاشر على الدولة بمعدل "3 .99%"، في كلية طيران الإمارات، قسم إدارة الطيران، محققة حلمها في دراسة هذا التخصص الجديد على الفتاة الإماراتية . وعن مشوار تفوقها ووصفة النجاح تقول: مشواري مع التميز بدأ منذ 12 عاماً، حيث استطعت القراءة والاعتماد على نفسي، في المذاكرة ومراجعة الدروس، وبعد ذلك حققت نجاحات كثيرة، وعندي رغبة في تحقيق المزيد في كل عام . وتتفق الزحمي مع زميلاتها في أهمية متابعة الدروس ومراجعتها أولاً بأول، ووضع خطة زمنية للانتهاء من الواجبات، ووضع ملاحظات على النقاط التي التبست عليها فهماً، حتى تناقشها في اليوم التالي مع معلمة الصف . وتلفت إلى خطأ يقع فيه الكثير من الطلاب بعد عودتهم من المدرسة، ملقين بكتبهم لتناول الغداء ومن ثم النوم، وهو ما وصفته "الاستهتار"، حيث تعودت العودة من المدرسة وتناول الغداء والدخول إلى غرفتها للبدء في العمل المتواصل حتى الانتهاء من مراجعة الدروس الجديدة، ومن ثم الاستمتاع بباقي اليوم، والذهاب إلى النوم مبكراً، حتى تستطيع الاستيقاظ لبدء يوم جديد . من الولاياتالمتحدة تواصلنا مع خليفة الجابري، الحاصل على المركز الرابع علمي على مستوى الدولة بمعدل 62 .98%، حيث يدرس هندسة الطاقة، ليعطي الطلاب بعض النصائح حول كيفية تفوقه ومشواره حتى بلوغ حلمه ودراسة الهندسة . ويقول: بدأ مشواري مع التفوق الدراسي منذ أن التحقت بالروضة، حيث همس والدي في أذني قائلاً: "احرص على أن تكون الأول بين زملائك في كل شيء، ومنذ ذلك الحين ولم تفارقني تلك الجملة، وظلت أسرتي على تشجيعي وتحفيزي حتى أصبحت معروفاً بتفوقي بين الزملاء . ويضيف: من يتابع معدلاتي منذ بداية المرحلة الثانوية يعرف أنني أبذل قصارى جهدي لأتفوق حتى على نفسي، ففي الصف الأول الثانوي حصلت على 90%، وفي نصفه الثاني 92%، أما في الصف الثاني فحصلت في نصفه الأول على معدل 94%، والثاني على 7 .95% . وتابعت التفوق في الصف الثالث الثانوي، وحصلت في نصفه الأول على 5 .96%، والثاني على 6 .98% . ويشير الجابري إلى الدور الكبير الذي قامت به الأسرة في تعويده على تنظيم وقته، حيث تمكن مع الجهد المبذول في الدراسة، من المواظبة على الأنشطة التي اعتاد ممارستها منذ زمن، مثل لعب كرة القدم يومين في الأسبوع مع زملائه وأساتذته في المدرسة، ويوم للخروج مع أصدقائه، وآخر لمشاهدة أحدث الأفلام في السينما . ويلفت الجابري إلى نظرة الاستغراب التي تعتري أصدقاءه المقربين، من كيفية تزامن قيامه بتلك الأنشطة مع تفوقه، مشيراً إلى ان السر يكمن في وفائه بكل التزاماته الدراسية قبل الخروج من المنزل، وتنظيم وقته حتى لا تأتي تلك الأنشطة على حساب مسيرته الدراسية . "التفوق لا يأتي مصادفة"، كلمات بدأ بها محمد مكاوي، مدرس اللغة الإنجليزية بمدرسة عمر بن الخطاب بدبي، حديثه عن البيئة المحيطة بالمتميزين دراسياً، التي حالما توافرت تؤدي حتماً إلى التفوق في نهاية الطريق . ويرى مكاوي أن حصول الطالب على أعلى المعدلات الأكاديمية، هدف وطموح يشترك في تحقيقه عدة أطراف، أهمها تعاون الأسرة والمدرسة، ومن ثم يأتي دور المدرس والبيئة الصفية، وقدرتها على استيعاب وتوظيف قدرات الطالب وتحفيزها، باستخدام الوسائل التعليمية المناسبة لها . ويتابع: الكثير من الطلاب يبحثون عن الطريق الأمثل للتفوق كي يتبعوه . ويضيف: للأسرة دور كبير في تفوق أبنائهم، وليس كما يظن البعض أن توفير اللوازم الدراسية، والجو المناسب داخل غرفة هادئة هو الأهم، لكن يبدأ من فهم القدرات والميزات العقلية والنفسية للأبناء، بمعنى أن كثيراً من الأبناء يكون لديهم النزعة الفطرية في أن يبذل الأبناء أقصى جهد في المذاكرة، وهو ما يتطلب من الآباء الانتباه إلى قدرات الأبناء وتوجيهها وصقلها، وإذا لم يفهم الأهل ذلك فهم يهدرون فرص تفوقهم . ويؤكد مكاوي أن تربية الطالب المتفوق ليست صعبة، وإن كانت كذلك في بدايتها، لكنها بعد تلقينه مبادئ المسؤولية وتنظيم وقته، لا تتطلب إلا الرقابة الواعية من الأبوين اللذين يقومان بمساندة أبنائهم المتفوقين .