الدوحة - الراية: أكد الشيخ د.محمد بن حسن المريخي أن الأمن والأمان من أعظم نعم الله عزّ وجلّ على عباده، وأن الدول لو أنفقت ما عندها من أموال وأحكمت قبضتها على كل ثغر ما استطاعت توفير الأمن والاستقرار إلا بفضل الله تعالى وحده. وقال، في خطبة الجمعة أمس بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب: إن المعاصي والذنوب والمجاهرة بها هي أكبر الأسباب التي يغيّر الله تعالى بها نعمة الأمن والأمان ويزيلها عن الدول والأمم، حيث إن أغلب دول الكفر لا تعرف الأمان ولا الاستقرار مع ما تملك من قوة وما وصلت إليه من تطوّر، وما زال مستوى الجريمة فيها يتزايد بشكل مستمرّ. وأضاف : كم كدرت المعاصي والذنوب صفو البلدان واستقرار الأمم في الماضي، قال الله تعالى : "وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون"، وقال أيضًا سبحانه : "لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيّبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور"، فكم أذهبت الذنوب من نعمة، وكم غيّرت من منّة، وكم جلبت من نقمة. الأمر بالمعروف وتابع : ثمة عمل صالح جليل يديم الله تعالى به الأمن والأمان على العباد والبلدان، وتطيب به الحياة وتكثر الخيرات والبركات ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبه تستقرّ البلدان وتدوم النعم وتدفع النقم وينعم العباد، لذلك أمر الله تعالى به على سبيل الإلزام أمرًا صريحًا، فقال سبحانه : "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"، كما وصف الله سبحانه المجتمع الإسلامي بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبهذا وغيره رحمهم الله تعالى وجعلهم أمة مرحومة. وقال : ولأهمية الموضوع وخطورته في نفس الوقت أمر الله تعالى به المؤمنين رأفة ورحمة بهم، فإن وراءه أسرار السعادة والرضى والنجاة من العذاب، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهميّة الأمر بالمعروف فحثّ الأمة عليه وأمرها به مغلظًا عليها لتنجو وتفوز وتسلم من سخط الله وعقابه، حيث قال صلى الله عليه وسلم : (كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا (أي تلزمونه به إلزامًا) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم - يعني بني إسرائيل -) رواه أبو داوود والترمذي. وقال المريخي : إن الأمر بالمعروف لأهميته أمر الله تعالى به الولاة والحكام وجعله من مهمّاتهم، كما جعله سبحانه من مهمّات المُرسلين والنبيين، ومن شؤون العلماء وطلبة العلم، لذلك لما قصر فيه أحبار اليهود والنصارى ووقع أتباعهم فيما لا يرضاه الله تعالى وجّه الذم لعلمائهم لتقصيرهم فقال: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون". سبيل النجاة وتابع : إن الأمر بالمعروف لا بدّ لمن رام النجاة في هذه الدار والدار الآخرة، ألا ترون تخبّط الأمم وما ينزل بها من سخط الله وعذابه، إنه ضروري كضرورة الأكل والشرب بل أكثر من ذلك، لأنه أمان واستقرار وراحة للنفوس وحماية للممتلكات والأنفس، وإلا فإن الخائف لا يستطيع الأكل والشرب وإن كان الأكل بين يديه، لأن الأكل مع الخوف ليس هنيئًا والنوم مع الخوف كدر وقلق، وإذا غابت شعيرة الأمر بالمعروف فإن الدنيا تتحوّل إلى دار يملأ الخوف أرجاءها، وإن الذين رأوا الخوف وتكدر الأحوال والجوع ونقص الثمرات وذهاب النعم يدركون تمامًا حاجة المجتمعات الإسلاميّة إلى شعيرة الأمر بالمعروف ويفهمون مقاصد الله ورسوله عندما يأتي الأمر بالإلزام على إقامة هذه الشعيرة وجعلها من مهمّات الرسل والأنبياء والولاة والآباء. وإن أصحاب البصائر ليدركون أن ما أصاب كثيرًا من بلاد المسلمين من جهل بالسنن والواجبات والوقوع في البدع والمحرّمات وتأخرهم عن إقامة أكثر شعائر الدين إنما يرجع إلى غياب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخلو مناهج التربية والتعليم في تلك البلاد من ذكر شعائر الدين والهدي المستقيم وملئها بالبدع والخرافات والشعوذات التي يتصوّرها أهل الصوفيّة والطرق، والغلو في الصالحين والميتين. وأضاف : إن أكبر الضرر الذي يحلّ بالمجتمعات أن تتعطل هذه الشعيرة، ويدكّ حصنها ويحطم سياجها ويترك الناس سدى، لأنه بإقامة الأمر بالمعروف ترتفع رايات الدين ويعلو صوت الحق المبين وتموت البدعة وتعلو السنّة ويندحر أهل الباطل ودعاة الضلالة، ويظهر الحلال ويندحر الحرام ويأمن الناس في مجتمعاتهم، وإذا كان الأمر كذلك فإن أهم أمر في هذا الموضوع أن نعلم أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجًا رسمه رسولنا الكريم ينبغي اتباعه، لأن القضية حساسة تحتاج إلى حنكة وخصوصيّة وعلم ومعرفة ووقوف على هدي السلف في الأمر بالمعروف في معالجة الأمور، لأن الأمر بالمعروف في أمره بالمعروف إنما يحاول فصل شهوات ونزوات عن نفوس متمسكة بها وقلوب متعلقة بحبالها، ومدافعة عنها، فلا بدّ من البصيرة في الأمر والروية، وملازمة المنهج النبوي، وإلا لو ترك الباب لكل من هبّ ودبّ لضاعت المجتمعات كما نرى ورأينا من الاعتماد على الذات والتصرّف الفردي الذي يأتي بنتائج عكسيّة تضرّ بالقريب والبعيد، يقول عليه الصلاة والسلام : "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم في صحيحه. فتغيير المنكر درجات ثلاث لا يجوز للآمر أن يتحوّل من درجة إلى درجة إلا إذا كان لا يستطيعها، فإذا رأى منكرًا ينظر في نفسه هل له طاقة على تغييره بيده مع الأخذ في الاعتبار بالنتائج المترتبة عليه بعد ذلك، مثل هل يزداد المنكر أو هل له ضرر على الأمر بالمعروف على نفسه وولده وأهله وماله، فإن كان الضرر موجودًا ويمكن أن يزداد المنكر فعليه ألا يُقدم على التغيير بيده فليترك هذه الدرجة لأنه ليس من أهلها وليتحوّل إلى الثانية وهي التغيير باللسان مع أخذ المقاييس السابقة ثم إذا عجز فلا بدّ منه من الإنكار بقلبه ولا يعذر مسلم من الإنكار بقلبه فمن لم ينكر بقلبه فهو كمن فعل المنكر لرضاه عنه والعياذ بالله، وهذا معنى قوله (فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وغالبًا ما تكون الدرجة الأولى للولاة والسلاطين الذين يملكون التغيير باليد والقوة والدرجة الثانية للعلماء والمُصلحين الذين يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ويُجادلون بالتي هي أحسن، والثالثة لكل نفس مسلمة. جريدة الراية القطرية