ليس من قبيل المبالغة القول بأن مصر التي وصفها هيرودوت بأنها هبة النيل هي محض واحة تحيطها غلالة صحراوية من كل مكان، ولكن ذلك لا يحول دون رؤية جملة من الحقائق التي تعطي تفاصيل مغايرة لعل أولها أن الصحراوات خصوصاً الشرقية كانت بمثابة محاجر كبرى يستخرج منها الذهب والفيروز والبلور الصخري، بينما كانت الصحراء الغربية بمثابة نقطة اتصال ومرور للعناصر الوافدة من شمال أفريقيا وشبكة متكاملة من الواحات الكبيرة بمحاصيلها من ثمر النخيل والزيتون، وخلال العصر الإسلامي كانت التنظيمات الإدارية تقضي بإفراد الواحات بإدارة مستقلة تعرف بألواح وهي تضم بالأساس الواحات الواقعة في غرب مصر وقد يضاف إليها في بعض الأحيان الفيوم. واحة سيوة من أكبر وأشهر الواحات الواقعة في الصحراء الغربية بمصر، وهي تبعد حوالي 300 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربي من مرسى مطروح وينخفض مستوى الواحة الكبيرة بنحو 18 متراً عن مستوى سطح البحر. وواحة سيوة من أقدم الواحات المعمورة بالعالم إذ اكتشفت بها في العام 2007م أقدم آثار لأقدام بشرية على وجه الأرض، وقدر عمرها بنحو ثلاثة ملايين سنة، وتعد سيوة بمثابة المعبر والمستقر التاريخي لعناصر البربر الأمازيغ بل يراها البعض البوابة الشرقية لبلاد الأمازيغ، ويرون في أهلها أمازيغ مصر الذين حافظوا على هويتهم ولغتهم الخاصة تاسيويت التي تعد إحدى اللهجات الأربع للأمازيغ في شمال أفريقيا. وفي الواحة توجد أطلال البلدة القديمة المعروفة باسم شالي ومنها بقايا معبد آمون الذي زاره الإسكندر الأكبر في شتاء العام 331 ق.م. وطبقاً لروايات المؤرخين الإغريق فإن الإسكندر قصد معبد آمون على حين غرة من كهنته الذين هرعوا لاستقباله بالترحاب الواجب بعدما وصلتهم أنباء تأسيسيه لمدينة الإسكندرية على مسافة غير بعيدة عنهم، وذلك بعد أن كاد يضل طريقه بسبب هبوب عاصفة ترابية لولا نسرين ظهراً بالسماء فأمر المقدوني جنوده باتباعهما لأنهما حسبما أشار رسولا آمون إليه ليصل إلى معبده، ورغم أن البعض يرون أن الإسكندر المقدوني أراد بزيارته لمعبد آمون أن يحصل على اعتراف ديني به كملك ليقبل بسلطانه عامة المصريين فإن الطابع الأسطوري للرواية ينتهي إلى أن أحد العرافين بمعبد آمون قاده إلى قدس الأقداس، حيث أسر إليه بنبوءة مهمة طار بها الإسكندر فرحاً وخرج مسروراً فلما سألها قادته عنها قال إنه لن يبوح بهذه النبوءة سوى لأمه ولكن الإسكندر خرج في غزواته التي وصل بها إلى الهند ليموت هناك بالحمى ومعه سر نبوءة عراف معبد آمون، التي لم يقدر له أن يبلغها لأمه في مقدونيا. وتعتبر واحة سيوة اليوم من المناطق السياحية المهمة التي يقصدها عدد كبير من الأوروبيين سواء لزيارة آثارها القديمة وبعضها يعود لعصور البطالمة أو للانتفاع بفوائد مياهها الصحية في أغراض الاستشفاء. (القاهرة - الاتحاد) الاتحاد الاماراتية