افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الفخري لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات صباح أمس، المؤتمر العام الأول لكتاب وأدباء الإمارات، الذي يعقد لمدة يومين في قاعة الرازي بجامعة الشارقة، وتحمل دورته الأولى اسم القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تقديراً لدوره التأسيسي الرائد في بناء دولة التنمية الشاملة . وبهذه المناسبة الثقافية التي تضم كتاب وأدباء الإمارات ألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة مهمة جامعة شاملة لماهية الكاتب وأهميته ودوره في الحياة والمجتمع، مستعرضاً سموه نماذج متعددة من الكتاب وتوجيهاتهم المختلفة، مشيراً سموه إلى احتياجات مجتمعاتنا الناهضة الواقعة تحت ضغوط المتغيرات الاقتصادية والأيدلوجية العديدة لنموذج الكاتب الملتزم الذي دعا سموه إلى أن يكون هذا المؤتمر هو نقطة انطلاق كتاب وأدباء الإمارات نحو تحقيقه . وفي ما يلي نص كلمة سموه: "أيها الإخوة والأخوات . . كتاب وأدباء الإمارات: سيتساءل بعض الناس بعد مؤتمركم هذا . . من هو الكاتب الذي يتحدثون عنه؟ هل هو ذاك الإنسان الذي يحاول دخول ميدان الآداب حيث يدور الحديث حول مواضيع أكثر خطورة: الدين والعادات والتقاليد والسياسة والعلم والتاريخ، وليس لدى ذلك الكاتب الإمكانات العلمية التي تؤهله الولوج في ذلك الميدان؟ وهنا نترك مع ذلك الكاتب وصية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث يقول: "وكن للعلم ذا طلبٍ وبحثٍ وناقش في الحلالِ وفي الحرامِ وبالعوراء لا تنطق ولكنْ بما يرضى الإله من الكلامِ" أم أن كاتبنا هو ذاك الإنسان الذي تزود بالعلم والمعرفة لكن له ناصية كاذبة خاطئة، ويحاول الدخول إلى ذلك الميدان الخطير؟ وهنا يتدخل المشرع لصون الآداب العامة من معتقدات وتقاليد، فالمادة الثلاثون من الدستور تقول: "حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر التعبير مكفولة في حدود القانون"، وعبارة "حدود القانون" التي يفسرها المشرع، يجب ألا تكون سيفاً مسلطاً لتقييد الرأي وحجبه وإنما ينبغي على المشرع أن يضع القوانين التي تستهدف صون الآداب العامة من شرائع وعادات وتقاليد . أم أن كاتبنا مثقف؟ وقد سئلت يوماً من هو الكاتب المثقف؟ هل هو الإنسان الذي كان مكباً على دراسة الماضي القديم وعلى الآداب القديمة، باحثاً عن درس من الحكمة لتطبيقه على زمنه؟ أو أنه إنسان مستقيم لا يبحث في الكتب عن الحكمة، وإنما عن المتعة الذهنية، ويبحث في الآداب من وراء عوارض التاريخ عن صورة خالدة وأبدية للإنسان؟ كان جوابي: الكاتب المثقف هو إنسان له جذور في المجتمع، ويعلم أنه لا توجد حقيقة نهائية، ولكنها تتشكل بالاحتكاك بالرجال وبالأشياء، فهو في الوقت نفسه شاهد على عصره ومرشد له، القاضي يحكم بين الناس بالعدل والكاتب المثقف يبين للقاضي ما هو عدل وما هو ظلم، والجندي يدافع عن الوطن، والكاتب المثقف يعلّمه ما هو الوطن، والمسؤول يحكم الجميع والكاتب المثقف يعلّم المسؤول منبع سلطته وحدودها، وكل إنسان عليه واجبات ينبغي أن يقوم بها في أسرته وفي المجتمع والكاتب المثقف يعلّم كل فرد ما هي واجباته وعليه كذلك أن ينشر فكره وأن يتخذ موقفاً في كل ما من شأنه أن يمس مصير الإنسان، فهو كاتب ملتزم قبل أن يوجد هذا التعبير . ويتساءل البعض: من هو الكاتب الملتزم؟ فأقول: هو ذلك الكاتب الذي يجسد حرية أبدية هي حرية الحكم على الأشياء، ويملك العقل الذي يكشف أكثر الأكاذيب خداعاً، وهو الذي يخفف من الآمال قبل أوانها ويدعم اليقينيات المستندة إلى العقل، وفي مجتمع خاضع لصدمات مختلفة مثل مجتمعنا اقتصادية وأيديولوجية، خاصة التطورات الاجتماعية والثقافية، يبدو الكاتب الملتزم كأنه دخل في أزمة هوية وأزمة مشروعية . يضاف إلى هذه العوامل معطى جديد حاسم، هو طغيان وسائل الإعلام الحديثة، وظهور ما سمي "بالمجتمع ذي الوسائط الإعلامية" والمعربة بالميديا، وبروز الصحفيين والخبراء كشخصيات منافسة للفكر، وإن طغيان وسائل الإعلام الحديثة في نشر الحياة الكريمة والثقافية عامل قوي في حذف شخص المثقف التقليدي، وخضوع الإنتاج الفكري لوسائل النشر المذكورة، بعبارة أخرى، خضوع الكاتب للصحفي يجر قطعاً فقدان الوسط الثقافي لاستقلاله فعندما يسيطر نجاح "الميديا" ورقم المبيعات يفقد الوسط الثقافي السيطرة على العمل الثقافي والحكم عليه وعلى مشروعيته . إن فقدان مركز المثقف نتيجة حضور وسائل الاتصال المكثف في الحياة الاجتماعية هو بتعبير آخر نهاية سيادة المكتوب وانتصار الثقافة السمع بصرية، لا جدال أن وسائل الاتصال وسيادة الشاشة وثقافة الصورة قد نالت من المشروعية الثقافية للمفكر التي زعزعتها من ناحية أخرى سلطة "الخبير" الذي يمكن أن نعتبره "المضاد للمثقف"، يقيم الخبير سلطته على كفاءته في تخصص معين لا تتجاوز تطبيقاتها حدود ذلك التخصص، أما المثقف فبالعكس، يعرف نفسه بتعدد فروع المعرفة، يخرج من حقل مادته ليبدي رأيه في الحياة العامة . أصبحت الأمور السياسية نفسها موضوع تقييم واختبار من طرف "الخبير"، أي نقلت المشروعية من المثقف إلى الخبير، هكذا تنمحي المقاييس التي كانت تطبع الحياة الثقافية وظهرت بإلحاح من ناحية أخرى أزمة هوية المثقف . إنني أدعوكم لجعل مؤتمركم الأول نقطة انطلاق لظاهرة الكاتب الملتزم والالتزام بخاصياته، وهي: الالتزام الجماعي، ليصبح قوة جماعية ومراجعة الأحكام لقضايا كبرى مثل العدالة والحقيقة، والتدخل لحسم كل القضايا التي تفرق بين المواطنين . وفقني الله وإياكم للعمل معاً لتحقيق الأهداف النبيلة لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات" .