كشفت بلدان جنوب شرق آسيا عن مرونة عجيبة وقامت بحملة تعاف اقتصادي متين في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عامي 2008-2009 . ويزيد عدد سكان هذه المجموعة على 600 مليون نسمة ويبلغ إجمالي الناتج المحلي مجمعا 7 .1 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصبح أقطار "الآسيان" ركنا متينا يمكن الاعتماد عليه، في حال باتت قادرة على التعاون على نحو كامل أو حتى الاندماج في كتلة اقتصادية واحدة، ويرى محللون أنه ينبغي على القادة الرئيسين في "الآسيان" فهم المكانة الفريدة التي تحتلها أقطار جنوب شرق آسيا ونظرة النمو الاقتصادي لهذه الاقطار في موازاة النمو الاقتصادي العالمي، كما ينبغي على كل حملة الأسهم أن يظهروا التزاما صارما نحو احتمال قيام اندماج اقتصادي فيما بينها . حددت رابطة أقطار جنوب شرق آسيا نصب أعينها عام 2015 باعتباره الهدف الذي ينبغي تحقيقه لإقامة مجتمع اقتصادي سمته سوق وقاعدة إنتاج واحدة . وفي الوقت الذي يتم فيه التقدم بمفهوم تخفيض أسعار التعرفة الجمركية، فضلا عن تحقيق اتفاقات تجارة حرة وترتيبات للاعتراف المتبادل وتعزيز العمل بإدارة طويلة الأمد لعملية التكامل الاقتصادي الضرورية لإنجاز الأهداف المخطط لها . ولتحقيق هذا التكامل لا بد من توفر إرادة سياسية قوية والتزام معلن عنه من قبل جميع القادة في الإقليم . وهناك قضايا رئيسة تحتاج أقطار "الآسيان" لإيجاد حل لها على نحو جماعي . وفي مقدمة تلك القضايا التعليم وتطوير الإنسان وهي جميعا قضايا تتكامل عند هيكلية مستقبل المنطقة . كما ينبغي على أقطار "الآسيان" الارتقاء إلى مستوى قضايا النمو الناعمة مثل المعايير الصحية والتعليم وحماية البيئة والتطوير المستدام لكي تستكمل عملية التقدم الاقتصادي . أما القضية الأخرى ذات الصلة فهي مسألة مينمار وما تطرح من تحديات وفرص بالنسبة للإقليم . الجدير أن رابطة "آسيان" تتضمن بروني وكامبوديا وإندونيسيا ولاووس وماليزيا ومينمار والفلبين وسنغافورة وتايلند وفيتنام . ويمكن القول إن هذه البلدان لديها الزخم كي تصبح يوماً منافساً حقيقياً للاتحاد الأوروبي . ولكن أمام "الآسيان" طريق طويل للوصول إلى مستوى الاقتصاد الأوروبي الذي يبلغ إجمالي إنتاجه المحلي 16 ترليون دولار . ولكن المعروف أن الصين احتاجت لجيل كامل حتى تم لها التربع على ناصية اقتصادية بارزة . لكن إقليم جنوب شرق آسيا لا يزال مملوءاً بالشروخ،حيث تطغى على الإقليم نزاعات خاصة ما يتعلق بحقول النفط في جنوب بحر الصين الغني بالغاز ويسود في الإقليم الفساد وسوء الإدارة والصراعات الداخلية التي تشكل الجزء الأكبر من المشهد . وتحدث سورين بيتسوان الأمين العام ل "آسيان" عن الوضع في مينمار والنزاعات في منطقة جنوب بحر الصين والأزمة المالية . وقال إن مينمار بدأت تنفتح على العالم ولكن من سيكسب المعركة لإعادة بناء البلاد؟ اللافت أن عدد من العرافين الصينيين تحدث عن العام ،2012 وهو عام التنين الذي سيكون على نحو خاص مضطرباً . ولكن ليس علينا أن نؤمن بالأبراج الصينية حتى نعلم أنه من المرجح أن تكون جنوب شرق آسيا منطقة متفجرة . فهنا أربعة اتجاهات مهمة محتملة وحوادث تلقي سحابة ضبابية على المنطقة وقد ينبع من وسط هذا الضباب حدود فضية ساطعة . ولعل السحابة الأولى التي تلف جنوب شرق آسيا هي توقع تضاعف الغموض الذي يطغى على الاقتصاد مصدره المصاعب الاقتصادية التي تواجهها الأقطار الاقتصادية المتقدمة مثل الأقطار الأوروبية والولاياتالمتحدة واليابان ومن المرجح أن ينسحب ذلك على الصين أيضاً، وهو تباطؤ نشاطها الاقتصادي . ولا يقتصر الانفتاح على التجارة والمال، اللذين يتدفقان بحرية على العالم، بل إن أقطار جنوب شرق آسيا تتمتع بشبكة إنتاج لها صلة وثيقة بالصين وتنشط هذه الأقطار مالياً وتجارياً من خلال انفتاح الأسواق الأمريكية والأوروبية . وجلب الانفتاح على التجارية والمال لأقطار جنوب شرق آسيا منافع لا تحصى . لكن هذا الانفتاح يجعل هذه الاقتصادات هشة وضعيفة إزاء قيام البعض بنشاط اقتصادي ضخم في حين يتقاعس الآخرون في ظل هذه الرابطة الآسيوية . وعلى زعماء أقطار جنوب شرق آسيا أن يشعروا بالقلق . فهناك احتمالية ذات أهمية كبيرة وهي أن تغرق أوروبا أكبر شركاء المجموعة الآسيوية، وحتى هذه المجموعة في مستنقع الركود .هذا في حال سارت الأمور على أحسن وجه . والواقع فإن مضامين التجارة في هذه المنطقة لا يستطيع أحد أن يخفيها، بل يمكن أن يقلل من قيمتها فقط خاصة في حال أدى الركود الأوروبي إلى الحاق ضربة بالاقتصاد الأمريكي الذي يتعافى ولكنه لا يلبث أن يتوقف . والواقع أنه بات من الصعب التنبؤ بما سيؤول إليه الاقتصاد الأمريكي وما يمكن أن يترك على الساحة العالمية من آثار خطيرة . يشار إلى أن الأسواق المالية العالمية باتت شديدة التكامل حتى أن أي زيادة مفاجئة في الطلب على السيولة في أعقاب أية هزة مؤلمة أو مفاجئة في أوروبا يمكن أن تتركم على نكسة ضخمة على الجانب الآخر من العالم، خاصة منطقة جنوب شرق آسيا . وخلال العامين الماضيين وصلت آثار عمليات ضخ السيولة في الاقتصاد العالمي من قبل المصرف المركزي الأوروبي ومجلس احتياط النقد الأمريكي إلى شواطئ أقطار مجموعة "آسيان"، وهي تبحث عن عائدات مجزية . وكما جاءت هذه السيولة الضخمة من المال فإن بإمكانها أن تتخذ طريقا معاكسا أي يمكن أن تعود حيث أتت محملة بالأثمان العالية . ومن المهم رؤية وضع أقطار جنوب شرق آسيا من خلال تجربة سابقة، ففي أعقاب انهيار مصرف ليمان الأمريكي عام 2008 وفي الآونة الأخيرة، وبحجم أقل، تعرض اقتصاد بلدان "آسيان" لنكسات . ولو تكررت هذه التجربة فإن الصدمة ستنال السيولة وأسعار الفائدة وأسعار صرف العملات وفي النهاية تعرض الاستثمارات والنمو إلى مصاعب من العسير الخروج منها . وتالياً بعض الايضاحات التي تلقي ضوءا على اقتصادات بعض بلدان "الآسيان": ماليزيا حقق الاقتصاد الماليزي على نحو أثار الدهشة نجاحاً كبيراً ففي الربع الثاني من عام 2012 بلغ نمو إجمالي الناتج المحلي 4 .5 في المئة من 9 .4 في المئة في الربع الثاني من العام 2011 . وكان الدافع وراء هذا النمو الطلب المحلي القوي مع لفت النظر إلى نمو قوي على أساس سنوي في الاستهلاك الخاص والعام مع زيادة ملحوظة في تدفق أموال الاستثمار . كما حقق قطاع الخدمات توسعات كبيرة ومشجعة وصلت على 3 .6 في المئة على أساس سنوي . وجاء ذلك النشاط الايجابي على وقع زيادة المشاعر بأن القطاع الصناعي تعرض إلى تباطؤ نتيجة للتطورات السلبية الخارجية . ولكن مع ذلك كان التوسع الصناعي مشجعا وسجل زيادة بنسبة 6 .5 في المئة على أساس سنوي . وفي الوقت ذاته شهد قطاع البناء توسعاً نتيجة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في البلاد وصل إلى 2 .22 في المئة على أساس سنوي . ويشهد ذلك على أهمية إسهام هذا القطاع في النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي وإن كان هذا الاسهام ضئيلا نسبياً . وتدل المؤشرات الشهرية حتى أغسطس / آب العام 2012 أن الانتاج الصناعي الماليزي يمكن أن يشهد المزيد من الانكماش في الأشهر المقبلة . وتراجع المؤشر الصناعي 8 .1 في المئة وهو الأول الذي يشهده هذا القطاع منذ سبتمبر/ أيلول العام 2009 . كما تراجعت الصادرات على أساس سنوي إلى 5 .4 في المئة، ويأتي ذلك على خلفية تراجع الصادرات في دول "الآسيان" . وطبقا لأوضاع التجارة والثقة في القطاع الصناعي فقد تدهور هذا القطاع إلى حد ما ويمكن أن يشهد المزيد من التدهور . إندونيسيا وصفت تقارير خاصة بالاقتصاد الإندونيسي لعام 2012 بأن هذا الاقتصاد مشرق، ولكن هل من المملكن استدامة هذا الوضع؟ كشف الاقتصاد الإندونيسي عن مرونة عالية في مواجهة الأزمات العالمية المتوالية منذ العام 2008 حيث حافظ الاقتصاد الإندونيسي على استدامة نموه بمعدل 6% منذ العام 2008 وحتى العام 2011 . وعلى الرغم من استمرار تدهور النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي ومواصلة الأسواق المالية العالمية تخبطها، فإن إندونيسيا بقيت إلى حد كبير بعيدة عن التكامل مع السوق العالمية ولذلك فإن الاقتصاد الحقيقي تأثر بالتطورات العالمية بشكل محدود . وينبغي ألا ننسى أن الاقتصاد الإندونيسي لا يزال يعتمد بقوة على السوق المحلية وبشكل أقل على الصادرات والاستثمارات الخارجية ويسهم الاستهلاك المحلي بنسبة 60 في المئة في إجمالي الناتج المحلي . وبينما تضاعفت الصادرات المعتمدة على المصادر الطبيعية بنسبة 42 في المئة فإن صادرات إندونيسيا من المنتج المحلي الصناعي تراوح ما بين 35 إلى 20 في المئة . ويشار إلى أن قطاع الاستثمارات في إندونيسيا حصل على تصنيف بي بي بي من وكالة فيتش العالمية للتصنيف الإئتماني . وبينما هناك فرص كبيرة فلا بد أن هناك تحديات أيضا ولا بد من علاج هذه التحديات بزيادة الاستثمارات في القطاع الصناعي وتحسين التنافسية الصناعية، ويمكن لإندونيسيا أن تطلق الاصلاح باللجوء إلى خطوات لن تكلفها كثيراً . سنغافورة يتوقع أن ينمو الاقتصاد السنغافوري خلال العام 2012 بنسبة 5 .1 إلى 0 .3 في المئة في العام 2013 . وتكشف التقديرات المبكرة أن الاقتصاد في سنغافورة نما بنسبة 3 .0 في المئة في الربع الثالث من العام ،2012 وجاء ذلك في أعقاب نمو بلغ 5 .2 في المئة في ربع سنوي سابق . ولكن الاقتصاد تعرض للانكماش بنسبة 9 .5 في المئة على أساس ربع سنوي . وتوقعت وزارة الصناعة والتجارة السنغافورية أن يواصل الاقتصاد الاستقرار والثبات على ماهو عليه حتى نهاية العام 2012 . تايوان بلغت نسبة نمو الاقتصاد التايواني في العام 2012 08 .2 في المئة من 03 .3 في المئة كما كان متوقعا في شهر مايو/ أيار الماضي . مع نمو حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي وصل إلى 20290 دولار . وذلك طبقا للإدارة العامة للميزانية . وقالت هذه الإدارة: "أزمة الديون السيادية القائمة في أوروبا مسؤولة عن هذه النظرة المستقبلية الكئيبة، فالنمو الذي كشف عن ضعف أكثر من المتوقع في الولاياتالمتحدة وباقي الأسواق الصاعدة الأخرى أسهم بقوة في تراجع الاقتصاد" . وتوقعت الإدارة أن يطرأ تقدم على الصادرات التايوانية بنسبة لا تزيد على 07 .0 في المئة في 2012 إلى 5 .308 مليارات دولار مع تعرض الواردات للانكماش بنسبة 54 .0 إلى 9 .279 مليار دولار . ويتوقع أن تبلغ نسبة الاستهلاك السنوي 77 .1 في المئة 26 .0 نقطة في المئة أي أقل بنسبة 26 .0 في المئة نقطة أقل من تقديرات مايو / أيار الماضي .