احيت منظمة الحزب الاشتراكي بتعز صباح أمس الخميس الذكرى العاشرة لاستشهاد الفقيد الخالد جارالله عمر الذي لعب دوراً كبيراً في تأسيس تكتل اللقاء المشترك الذي يضم أحزابا (يسارية وقومية وإسلامية). وفي الفعالية تحدث الدكتور عبدالله نعمان عن الفقيد جار الله عمر، مستعرضا نشأة الفقيد الثقافية حيث قال أنه يمتلك ثقافة غزيرة في القصة واللغة وعلم الكلام بالإضافة إلى إطلاعه عن النتاجات في مختلف التيارات الإسلامية،متطرقاً عن تجربة الشهيد جار الله العسكرية. وأشار نعمان الذي عاش ورافق جار الله عمر طوال 3 عقود، إلى أن جار الله عمر رغم اطلاعه وثقافته ظل يدرس الفكر من الآخرين ويطلع على تجاربهم فكان متواضعا ودائم البحث عن المعلومة والمبادئ الأساسية في الفلسفة والاقتصاد وخلافة من بعض العلوم التي كانت تخفى عنه. ونوه نعمان إلى أن الشهيد جارالله عمر من رواد النضال السلمي والديمقراطي مؤكداً انه كان يمثل طاقة إبداع سياسية استطاعت أن تفتح آفاقاً جديدة للعمل السياسي تجاوزت ترسبات الماضي ووقائعه غير السارة, وكان يمثل في الوقت نفسه رمزاً مهماً من الرموز التاريخية لليمن ومفكريه وقادته السياسيين الذين خبرت قدراتهم العالية في ظروف مختلفة مر بها الحزب. موضحاً أن الفقيد تبنى مبادرة لدعم المتميزين من الطلبة اليمنيين الدارسين خارج الوطن وقال نعمان : جارالله عمر لم يكن سريع في قراراته بل لين ويتفهم جوانب القضية او المشكلة قبل اتخاذ القرار. الفقيد في المؤتمر القومي من جانبه استعرض علي عبدالله الضالعي القيادي الناصري في الورقة التي قدمها مرحلة مسيرة الفقيد وانضمامه الى المؤتمر القومي العربي حيث أشار الى ان جارالله عمر انظم الى مؤتمر القومي العربي عام 1993م في مؤتمرة العام الرابع . مبينا ان جارالله كان زاهداً كزهد الصوفي ، ومبدئيا لم يعرف التعصب ومرنا من دون تفريط ،مشيرا إلى ان جارالله عمر كان هامة يمنية وعربية باسقة . مشعل الحرية كما قدم عبدالحافظ الفقيه رئيس المكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح بتعز ورقة في الندوة أشار فيها الى ان جارالله عمر حمل مشعل الحرية والديمقراطية كما حمل مشاريع كثيرة للوطن مبينا أن الشهيد لم يكن اسيرا لأي ظروف او توجهات فمنذ بداية الثمانينات وجدناه ينادي بالتعددية السياسية وقال : ان تبني الشهيد لتعددية السياسية مطلع الثمانينات يدل دلاله واضحة على النضج السياسي الذي وصل اليه الرجل ودعوته الشجاعة التي لا تتوافق مع توجه الحزب في تلك الفترة. وقال: ان دعوته في تلك الايام مثلت أساس للوحدة التي اقترنت بالديمقراطية والتعددية السياسية التي دعا اليها الشهيد جارالله عمر . واشار الفقيه في ورقته إلى أن جار الله عمر حذر مبكراً من تداعيات الأزمة ودعا إلى حوار وطني وإجراء مصالحة وطنية شاملة عقب حرب صيف 94م وما النتيجة السياسات اللاحقة لها لإزالة أثارها وتكريس الديمقراطية والتسامح والقبول بالآخر والتنافس سلمياً لتداول السلطة عبر صندوق الاقتراع. جار الله عمر .. وطنٍ جميل وحالم... إلى ذلك قدم عيبان السامعي سكرتير دائرة الشباب بمنظمة الحزب في تعز ورقة بعنوان "جار الله عمر .. وطنٍ جميل وحالم" استعرض مراحل عدة من حياة الفقيد بدئها بمرحلة استشهاده وحيث اكدت ورقة العمل ان الشهيد عاش مناضلاً ومنحازاً للناس طوال حياته, واتسم بتواضعه الشديد وبساطته ودماثة أخلاقه. فقد نذر حياته من أجل هذا الوطن المُتعَب , وجسَّد في نضالاته وتطلعاته مشروع ديمقراطي تحديثي بديل يتخطى العناوين واليافطات الضيقة إلى محيط الوطن الرحب , كان مسكوناً بهموم الوطن ومستقبل الأجيال حتى آخر لحظة من حياته , مجلياً عن تلك المعاني والتطلعات في آخر كلمة له ( الوصية ) قبل دقائق معدودات من لحظة اغتياله الآثمة.. في صبيحة السبت الموافق 28 ديسمبر من العام 2002م , وأمام أكثر من 4000من قيادات وأعضاء التجمع اليمني للإصلاح وعدد من السياسيين والمثقفين, وعلى مرأى ومسمع ملايين البشر الذين كانوا يشاهدون شاشات التلفزة التي نقلت بالبث المباشر وقائع اغتياله.. انطلقت رصاصات الغدر والحقد والتطرف لتسكن قلبه العامر بالمحبة والنقاء ليفارق الحياة .. واشار سكرتير الشباب الاشتراكي إلى ان حادثة اغتيال جارالله عمر أحدثت هزة عنيفة في وجدان المجتمع اليمني , فعمت مظاهرات ومسيرات ضخمة جابت معظم محافظات اليمن منددة بالعمل الآثم , وسادت حالة من الغضب العارم والرافض لجريمة الاغتيال , حيث شهد الموكب الجنائزي تجمع ما يربو عن نصف مليون مواطن في صنعاء وحدها .. وخرج مئات الآلاف من الناس في غالبية المحافظات في مسيرات جنائزية عبرت فيها الجماهير عن حبها للشهيد, ومثلت حالة من الاستفتاء الشعبي حول رؤى ومشروع الشهيد.. وأكدت في الوقت ذاته على أن عملية الاغتيال في حق مناضل وطني ومفكر تنويري بحجم جار الله عمر جريمة شنعاء لن تسقط بالتقادم , مهما طال الزمن أو قصر .. نعلم من قتل جارا لله عمر ونعلم من يلجئ إلى السلاح والقتل ويعلمون لماذا يقتلونا ونؤكد لهم أننا أمام مشاريع تجير الوطن لهم بالمرصاد. مواقفه السياسية ومساهماته الفكرية وقال السامعي ان المواقف السياسية للشهيد اتسمت أثناء الأزمات التي عصفت بالشطر الجنوبي بأنه كان يسعى دائماً إلى التوفيق بين التيارات المختلفة فكان يدعو إلى التعددية السياسية, وكان حريصاً على رأب الصدع وتجنيب الوصول إلى الصراع والافتراق, حتى أُتهِمَ من قِبل الأطراف المختلفة نتيجة مواقفه التوفيقية تلك بأنه يقف في الوسط وأن هذا الوسط بلا موقف . وتابع : لقد كان الشهيد يدرك بعين الرائي أن الانقسامات التي تحصل في صفوف الحركة الوطنية ستؤثر سلباً على المشروع الوطني برمته, وما يميزه أنه كان ناقداً, متجرداً, غير متحيز في نقده لكل التجارب السياسية بما في ذلك تجربته. وأضاف:لقد دعا الشهيد منذ وقت مبكر إلى اعتماد الديمقراطية والتعددية السياسية داخل الأطر التنظيمية للحزب والنظام بشكل عام, وقدم رؤية عميقة وشاملة أظهر فيها المعاني الجوهرية للديمقراطية المركزية والتعددية الثورية في ضوء المضمون اللينيني لهما .. وأكد على حقيقة أن غياب الممارسة الديمقراطية أدى إلى نشوب الصراعات والخلافات, وساعد على استشراء البيروقراطية المتخلفة داخل الدولة, وشيوع الجمود, مما سبب تراجعاً في مسيرة المشروع الوطني التقدمي الناجز. وإزاء هذا الأمر دعا إلى إقامة تحالفات وطنية عريضة وتكوين كتلة تاريخية من أجل إعادة وضع المشروع التاريخي إلى سكته الصحيحة .. جدلية الوحدة واوضح عيبان السامعي ان قضية الوحدة شكلت أهمية كبيرة لدى الشهيد, باعتبارها حدثاً تاريخياً تتعلق بانجاز مهمة وطنية كبرى تحقق للشعب ميزة امتلاك الكيان الوطني الواحد, وإمكانية أن تشكل نقلة حضارية للمجتمع ترفعه من متاهات التخلف وأدغاله المظلمة إلى أنوار التقدم والانتماء لروح العصر. واستطرد بالقول : لقد نظر الشهيد إلى الوحدة ليس كغاية تُطلب لذاتها, دون مراعاة المضمون الذي ينبغي أن تأتي عليه, والوظيفة التي تؤديها, بل باعتبارها أساساً حقيقياً للنهوض الشامل, ولن تكون كذلك إلا بامتلاك تصور واعي وناضج حيالها بعيداً عن التغني الفضفاض وبعيداً عن الحسابات السياسية. مضيفاً ان الشهيد خلال فترة التحاور السابقة للحدث الوحدوي قدم رؤية استثنائية وبرنامجاً عملياً إلى النخبة السياسية من أجل تحقيق مشروع وحدوي حقيقي وواقعي, والذي ينبغي أن يقوم على أساس إيجاد أرضية مادية من المصالح التي تقوي النزوع الوحدوي, وإعادة صياغة المفاهيم والانتقال بالخطاب السياسي من مرحلة المراهنات السياسية المفلسة إلى آفاق أوسع يؤسس لوعي حقيقي يصب في خانة استكمال الهوية الوطنية, وقيم الانتماء. كما ينبغي أن يقوم هذا المشروع كما يرى الشهيد على مبدأ الشراكة الحقيقية والتعددية وحق الاختلاف, وأن ينص دستور دولة الوحدة على الحقوق المدنية ويقر بالمساواة بين الجنسين وكل ما له صلة بصيانة حقوق الإنسان. ويثبت حقيقة الاقتران التلازمي والعضوي بين الوحدة والديمقراطية, ويسعى بكل دأب إلى أن يكون انعكاساً حقيقياً للإرادة الشعبية, يسهر على مصالح الناس ويحافظ على المكتسبات الوطنية والتاريخية, ولن يتحقق كل ذلك إلا في إطار دولة مدنية, دولة مؤسسات, تقوم على مبدأ الاختيار الحر, والمشاركة الوطنية وتقديم الأفضليات, وليس على مبدأ القوة ومنطق الإلحاق والضم. الأزمة والحوار والمصالحة ونوه السامعي الى ان جار الله عمر يوصف بأنه شهيد الديمقراطية والحوار والتسامح السياسي, ولعل هذا الوصف قد أتى كنتاج طبيعي وتعبير صادق عن الدور الذي كان يضطلع به الشهيد في مختلف المنعطفات والمراحل الصعبة. فقد كان يمثل صوت العقل في أزمان التشظي وسيادة لغة العنف. كان يسعى دوماً للحيلولة دون الوصول إلى مرحلة التفجر والاحتراب. وحين تحل لعنة الحرب يكون من أشد الرافضين لها؛ إدراكاً منه للنتائج الكارثية التي تفضي إليها في تمزيق النسيج الاجتماعي, وإحياء نزعات الثأر وروح الانتقام, وتغذية العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية, وخلق القابلية للاستبداد والخنوع, وتكريس قيم سلبية مثل احتراف مهنة الحرب وتمجيد القوة, ومنح المنتصر حق التصرف في شؤون المهزوم دونما حدود, وخلق مجتمع قابل للتحريض على الكراهية وعدم التسامح. واكد ان الشهيد انتهج لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي الحل السياسي السلمي باعتباره حلاً حضارياً يضمن البقاء والتعايش بسلام. فقد دعا منذ وقت مبكر إلى انتهاج الحوار وجعله لغة التعامل والتخاطب بين كافة مكونات العمل السياسي, والوصول من خلاله إلى صيغة لمصالحة وطنية وسياسية تاريخية, تعيد للوطن رشده بعد أن فقده جراء الحرب اللعينة. لكن ثقافة المنتصر المشفوعه بالفيد والنهب والمحاولة المستميتة لطمس هوية الآخر وقفت بالمرصاد ضد هذه الدعوات الحريصة, ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل سعى ذلك النهج الاقصائي الهمجي المتخلف إلى إطلاق أحكامه الجاهزة والقطعية والطعن في وطنية دعاتها. وإزاء هذا الأمر أدرك الشهيد أهمية وضرورة وجود موازين قوى مناسبة تفرض على النظام الحاكم ( السابق ) القبول بها, فقاد حوارات سياسية طويلة ومعمقة مع مكونات الطيف السياسي بالبلد, وأدت تلك الحوارات إلى تأسيس مجلس تنسيق للمعارضة, وتالياً اللقاء المشترك كتكتل أوسع. وتابع بالقول : الشهيد جارالله أقام حوارات كثيرة مع الأحزاب السياسية من أجل ترسيخ العملية الديمقراطية وإزالة آثار الحرب , وأدت تلك الحوارات إلى تأسيس مجلس التنسيق وتالياً اللقاء المشترك كمكون يضم عدداً من أحزاب المعارضة ..وساهم بفعالية في إنضاج الحياة السياسية من خلال موقعه كأمين عام مساعد للحزب, وكانت له مواقف جريئة وحكيمة تشهد له كل الفعاليات السياسية ضد سلطة الاستبداد والاستئثار بالحكم .