كثيرة هي الحيل التي يتبعها الطلاب لإخفاء نتائج الامتحانات عن الآباء، فمنهم من يُخفي شهادات الدرجات ولا يقدمها لوالده، ومنهم من يمتلك جرأة أكبر لتزويرها أو تقليد توقيع ولي الأمر لإعادة تقديمها مرة أخرى للمدرسة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الأسباب التي تؤدي لتفاقم هذه الظاهرة؟ وكيف يكتشف الآباء هذه الحيلة وكيف يتعرفون مع أبنائهم في حال وقوعهم في هذا الخطأ الفادح؟ الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تجدونها في التحقيق الآتي: "هذه الظاهرة موجودة على أرض الواقع ولا يمكن لأحد أن ينكرها" بهذه الكلمات تحدث إبراهيم بركة مدير مدرسة الشعلة عن إخفاء الطلاب درجات الامتحانات، وأكد أن طرق إخفاء النتائج عن الآباء تختلف من مرحلة لأخرى، ومن مدرسة لأخرى، وأضاف: المسؤولية هنا تقع على الأسرة والمدرسة على حد سواء، فالأب الذي يتسم سلوكه مع أولاده بالعنف وعدم التفاهم من الطبيعي أن يكذب ابنه عليه أو يقوم بتعديل الدرجات أو تزوير إمضاء الأب، وهنا لابد أن نوجه رسالة إلى الآباء تحثهم على ثقافة التفاهم والتعامل بالحكمة مع الأبناء حتى لا نزرع بداخلهم الخوف من المواجهة ونعلمهم الكذب منذ الصغر . وعن الطرف الآخر المسؤول عن هذه الظاهرة قال بركة: المدرسة عليها أن تتابع شهادات النتائج وكل الأوراق التي يوقع عليها ولي الأمر وبخاصة أصحاب الدرجات الضعيفة، وإذا اكتشفت الأمر يجب ألا يمر الأمر مرور الكرام ولا بد أن يتم توقيع العقاب على الطالب حتى لا يتمادى في الخطأ، لذلك فنحن في المدرسة حرصنا على استخدام طرق التواصل الإلكتروني الحديثة بين الآباء وأولياء الأمور، حيث تقوم الإدارة بإرسال الدرجات وكل ما يتعلق بالطالب لولي الأمر عن طريق الموقع الإلكتروني للمدرسة أو عن طريق الرسائل النصية . ثم أكد أن معظم أولياء الأمور يهتمون بالتواصل مع المدرسة عبر الموقع أو من خلال الهاتف، لكن ولي الأمر الذي لا يهتم بابنه أو بمعرفة مستواه فلن يتواصل هاتفيا أو إلكترونيا أو حتى ورقياً . اتفق الأستاذ أحمد البستكي مدير مدرسة الإمارات الثانوية الوطنية- مجمع محمد بن زايد، مع هذا الكلام، وأضاف أن بعض المدارس لا تتبع أسلوب توقيع الآباء على شهادة الدرجات، وإنما تعتمد على اجتماعات أولياء الأمور الدورية التي يتمكن من خلالها والد الطالب من معرفة نتائج ابنه ومستواه ومناقشة معلم الفصل في هذه الدرجات دون إعطاء الفرصة لهذا الطالب لإخفاء أو تعديل النتيجة . وأكد البستكي أنهم كإدارة يحرصون على إعطاء أولياء الأمور نتيجة تذكيرية سنوية في بداية العام تضم كل مواعيد الاجتماعات التي يجب عليهم حضورها، وهي مواعيد ثابتة ومحددة وإذا حدث أي تعديل فيها نُرسل لهم رسائل نصية عبر الهواتف النقالة، ورغم أن هذا الأمر مٌكلف مادياً إلا أنه مفيد ومهم لمصلحة الطالب ومستقبله الذي يجب أن تحرص عليه كل المؤسسات التعليمية . وعن رد فعل المدرسة إذا تم اكتشاف أية حالات تزوير في إمضاء ولي الأمر قال البستكي: هناك لوائح مدرجة بها عقوبات لكن أول إجراء نتبعه هو إبلاغ ولي الأمر وطلب حضوره إلى الإدارة، وإذا تكرر الأمر كثيراً من الممكن أن يتعرض الطالب للفصل من المدرسة والحرمان من الدراسة . وعن تجربتها مع هذه المشكلة قالت إيمان بيرقدار موظفة في مركز الشرق للبحوث والدراسات وولي أمر أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية، طبيعة الولد تختلف عن البنت، فالأولاد بشكل عام لديهم نوع من اللامبالاة بعكس البنات، لذلك فالولد يحتاج إلى متابعة دقيقة وبشكل مستمر، وأنا كأم أحرص على هذا وأحرص على التواصل الدائم مع إدارة المدرسة والمعلمين حتى أعرف مستوى ابني التحصيلي، وفي أحد الأيام أثناء متابعتي لمحتويات حقيبته فوجئت بحصوله على درجات منخفضة في الاختبار الشهري، فسألته عن سبب عدم مصارحته لي بالحقيقة فقال خشيت أن أقول لك الحقيقة فيثير ذلك غضبك ما يترتب عليه أن أنال منك عقاباً قاسياً . وعن رد فعلها قالت الأم: قررت أن أتناقش معه بهدوء حتى نعرف سبب هذا الإخفاق ونتفاداه في الاختبارات المقبلة، وفعلاً حدث هذا بكل تفاهم، لأنني أدركت أن السبب الأساسي الذي يدفع أي طالب إلى إخفاء درجات الاختبارات ينبع من القسوة التي يستخدمها الآباء ضد الأبناء والخوف من العنف، لذلك فأفضل طريقة تجعل الابن لا يتبع سوى الصراحة كطريق لإيصال المعلومة وهي التفاهم والتواصل السليم المبني على الاحترام المتبادل . اتفقت تاله محمود ربة منزل مع هذا الرأي وأكدت أنها تعرضت أكثر من مرة لهذا الموقف مع ابنها، فمستواه التعليمي منخفض منذ صغره ودرجاته كذلك، وفي كل مرة تسأله عن نتيجة الاختبارات يخبرها بدرجات وتقديرات وهمية، أما هي فلم تعد تصدقه، لذلك حرصت على التواصل مع إدارة المدرسة بالزيارة المباشرة أو بالتواصل الهاتفي . وأكدت تاله أن الأسرة ليست دائماً هي السبب، فهناك الكثير من الطلاب لديهم موهبة في فن الكذب والتحايل على الآباء بخاصة الطلاب غير المتفوقين أصحاب معدلات الذكاء المحدودة، أما الأسرة فبعد أن توفر الرعاية والتربية السليمة والمدارس الجيدة فهي تفقد الأمل فيهم وفي تحسين مستواهم التعليمي، فلكل طالب مستوى لابد أن نحترمه حتى لا ندفعه للكذب الذي سيكبر بداخله وينمو معه ووقتها يتحول لرجل وأب وزوج كاذب ومزور . الغش أنواع وهذا أخطرها، بهذه الكلمات بدأ منقذ شاهين مهندس، حديثه مؤكداً أن الغش في الامتحانات منبوذ وحرام لكن خطورته أقل بكثير من غش التزوير وإخفاء المعلومة الذي يكون الهدف منه تقديم نتيجة أفضل من خلال طمس الحقائق وتضليل الآباء، وبالطبع تؤدي هذه الفعلة إلى نتائج سلبية تتمثل في أن هذا السلوك سيصبح مسلكاً وأسلوب حياة خاصاً بهذا الطالب . وعن أهم أسباب هذه المشكلة قال: رغم أنني لم أتعرض لمثل هذه الأمور في حياتي الخاصة إلا أنني أجزم أن السبب الرئيس في وجودها هو الخوف، واستخدام العنف والقلق وعدم وجود جسر تواصل بين الأبناء و الآباء قائم على التفاهم والحوار الهادئ الهادف، الذي يستطيع من خلاله الأب أن يشرح لأولاده أن الهدف من التعليم هو فهم المادة والاستفادة منها وليس القفز إلى الدرجات المرتفعة فقط . وعن الأسباب التي تدفع بعض الطلبة للقيام بمثل هذه الأمور قال منصور . أ طالب في الصف الحادي عشر، الخوف من التجريح والإهانة هو أهم ما دفعني لعدم تقديم درجات اختبار الفيزياء لوالدي، لأنه إذا عرف بحصولي على 50% من الدرجة النهائية سيقوم بتوبيخي كما سيقارنني ببعض أقاربي المتفوقين وهذا الأمر يجعلني أشعر بالمهانة . أما صديقه في الصف نفسه محمد . م فقال: الآباء لا يفهمون أن مستوياتنا التعليمية تختلف من شخص لآخر، ويريدون منا الحصول على علامات مرتفعة دون النظر إلى أن قدرتنا مختلفة، وعندما نحصل على درجات نعتبرها نحن جيدة وهم لا يقبلون بها وينظرون لنا باعتبارنا فاشلين . أما سعيد . م طالب الصف الثاني عشر فقال أنا متفوق والحمد لله، لكن في هذا العام صادفتني مواد علمية صعبة ولم يكن عندي متسع من الوقت للانتهاء منها، فحصلت على درجات منخفضة، ولأن والدتي اعتادت أن أقدم لها درجاتي مرتفعة وخشيت أن أُخيب آمالها قمت بإخفاء الشهادة عنها حتى لا تحزن وتغضب، ولأنني نادم على ما قمت به فقد أخذت عهداً على نفسي ألا أكرر هذه الفعلة مرة أخرى . عبدالله . س طالب جامعي، حدثنا عن تجربته قائلاً: الأهل لا يبخلون أبداً على أولادهم في ما يخص متطلبات التعليم، لكن نحن في المرحلة الثانوية نتعرض لمتغيرات كثيرة، فأنا كنت طالباً متفوقاً في المرحلة الإعدادية وعندما التحقت بالمرحلة الثانوية تعرفت إلى أصدقاء سوء فتأثرت دراسياً، ومن ثم تراجع تحصيلي وأيضاً درجاتي، وهنا بدأت مرحلة الكذب على والدي، إلا أن إدارة المدرسة اكتشفت الأمر وأبلغته، ووالدي رجل تربوي، لم يستخدم العنف أبدا معي لكنه تقرب أكثر مني ونصحني بهدوء حتى أبتعد عن أصدقاء السوء وبالفعل استجبت له حتى تحسنت علاماتي والتحقت بالجامعة . البنات أيضاً لديهن تجارب في هذا المسألة، فتحدثنا حصة . س، أنها اضطرت في أحد الأيام إلى أن تقوم بتقليد توقيع والدها على شهادة الدرجات، عندما حصلت على درجة أقل بكثير مما تستحق ومما توقعت، ولأن والدها كثيراً ما يعاقبها بالعنف والضرب فقد فضلت أن تقلد التوقيع هرباً من الإهانة . أما خلود سيف فقالت: أمي اعتادت دائماً أن تكافئني منذ كنت في الابتدائي في نهاية كل فصل دراسي على علاماتي، لذلك عندما حصلت على علامات منخفضة قمت بتعديل الدرجات حتى لا تغضب مني، ليس بحثاً عن المكافأة لكن تقديراً لمشاعرها لأنها لا تقصر معي أبداً في أي شيء، وأنا لا أبرر فعلتي فأنا أعترف أنها غش وتزوير لذلك لن أكررها . فن الغش تؤكد عايدة عايش المشرفة الإدارية بمدرسة ابن خلدون أن أكثر حالات تزوير توقيع الأب أو إخفاء درجات الامتحانات تكون في المراحل الإعدادية والثانوية وتحديداً في الصف الحادي والثاني عشر، لأن تلميذ المرحلة الابتدائية لازال عمره صغيراً لا يؤهله لاتباع أساليب ملتوية، وعقله لا يجيد فن أساليب الإخفاء والغش التي يتبعها الكبار، لذلك فحيلهم بريئة جداً لا تكاد تُذكر . وأضافت المشرفة الإدارية أن هذه الأفعال لا يقوم بها إلا الطلاب أصحاب المستويات والدرجات المتدنية لأن الطالب المتفوق عندما يتسلم درجاته لا يريد سوى الذهاب لأسرته ليشاركهم فرحته بتفوقه، وحتى نتلافى حدوث هذه الأفعال في المدرسة فكل معلمة فصل تعطيني لائحة بأسماء الطالبات أصحاب العلامات المتدنية لأتواصل هاتفياً مع الآباء وأخبرهم بدرجات بناتهم . وأكدت عايش أنها في أثناء اتصالها بأولياء الأمور غالباً ما تفاجأ بأن الطلاب أخبروهم أن المعلم لم يعطهم الشهادات واحتفظ بها لنفسه، و هنا يبدأ أولياء الأمور في توجيه الاتهامات للمعلمين، لذلك على كل مدرسة وإدارة أن تحرص على إيجاد وسائل اتصال مباشرة مع الآباء . أساليب ملتوية يعلق الدكتور علي الحرجان اختصاصي الطب النفسي قائلاً: هذه الظاهرة تعكس شرخاً في علاقة الوالدين بهذا الطالب، وافتقارهما لتحمل المسؤولية أو اتباعهما أساليب تربية غير صحيحة قائمة على الترهيب والعقاب بشدة، كما أن هناك مجموعة من الآباء تحمل الطالب أكثر من طاقته عندما يطلبون منه الوصول إلى الدرجات النهائية، رغم أن مستواه الدراسي و إمكاناته الذهنية والعقلية لا تؤهله لذلك . وأضاف الحرجان أن من ضمن أسباب هذه المشكلة أيضاَ الجانب العاطفي لدى الطلاب وحبهم لذويهم، الذي يمنعهم من تقديم أوراق النتائج المتدنية للأم بشكل خاص حتى لا تبكي وتغضب، وسبب آخر مهم لا يمكن أن نغفله وهو "حب المكافأة" فالطالب يظل طوال العام منتظراً الهدية أو المكافأة التي وعده بها الأهل إذا حصل على تقديرات مرتفعة، ولكن خيبة أمله في هذه الدرجات تدفعه لتزوير النتيجة أو عدم تقديمها من الأساس . حب النجاح و التميز و التفوق من الأسباب الأخرى المتسببة في هذه المشكلة من وجهة نظر الحرجان، الذي أكد أن الغيرة من الأصدقاء المتفوقين سبب آخر لاتباع الطلاب أساليب ملتوية شريفة وغير شريفة حتى يثبت للجميع أنه متفوق، لذلك فعلى كل المؤسسات التربوية المتسببة في هذه الظاهرة ضرورة العمل على الوقاية قبل البحث عن العلاج، والوقاية لن تتم إلا باتباع الأساليب التربوية والتعليمية السليمة والبعد عن أساليب التخويف والترهيب من قبل الآباء أما المدرسة فعليها خلق نوع من المنافسة الشريفة بين الطلاب .