سامي نعمان ظهيرة العيد، التقينا -زكريا الكمالي وأنا- بالصحفية، بجريدة الأخبار اللبنانية، المتألقة في متابعة الشأن اليمني جمانة فرحات بصنعاء التي وصلتها بعد زيارتها عدن وتعز.. سألها زكريا ما إذا كانت قد زارت ساحة الحرية بتعز.. فردت «زرتها بس كانت فاضية، مافيها حدا». اخبرتها أنا أن الساحة في صنعاء لازال فيها شيء يستحق «الفرجة»، فهناك خيام فارغة تقطع شوارع طويلة هي وحدها لازالت تناضل لتذكر العالم بأنه «كانت هناك ثورة».. وهناك سبب آخر لبقائها أيضاً: أنها تظهر أسوأ مخرجات الانتفاضة الشعبية ممثلة بصراعات غبية تفوح منها روائح طائفية ومذهبية نتنة وفقاً لأجندات لا تمت إلى البعد الوطني بصلة.. عام وثمانية أشهر كانت طويلة بما فيه الكفاية لكشف جوهر الانتفاضة والملتحقين بركبها.. بضعة أشهر قليلة اظهرت الأجمل والأنقى، شباب ضحوا بأرواحهم من أجل مستقبل الوطن، وآخرون يتحملون الإعاقة والاصابة ولا يجدون تكاليف الدواء، ويرفض الشيخ عبدالرقيب عباد الاستماع لبعضهم.. للأسف طول الفترة أظهر الأسوأ على الإطلاق: كيف أن الوطن أضحى مذهباً، منطقة، حزباً، طائفة، وربما منصباً أو قطعة أرض أو سلاحاً.. كيف أصبحت وفيرة أسباب الفرقة والاحتراب، عزيزة بواعث الوفاق والحوار رغم زحمة التصريحات المؤكدة عليه من قوى «الموالاة والممانعة».. صراعات ساحة التغيير بصنعاء، والتهافت على السيطرة أو الإمساك بزمام الأمور فيها بين الإصلاح وجماعة الحوثي ليست أكثر من واجهة لصراعات دموية طاحنة تدور رحاها بعيداً عن المركز، كل ذلك في إطار صراع إثبات القوة والحضور بفهلوة وغياب مسؤولية والتزام تجاه الدولة المدنية التي يهللون لها.. أكثر ما يحتاجه أولئك هو قليل من المسؤولية والحياء.. قليل من الحياء يستشعرون معه معاناة الناس، وأن قطع الشوارع بهذه الطريقة، وكل هذه المدة، وبلا أسباب منطقية عدا تلك المصبوغة بطابع المماحكات واستعراض القوة هو ضرب من الهمجية التي ينبغي لها أن تزول نهائياً، وهذا مالا يجوز السكوت عنه.. قليل من المسؤولية والالتزام كافٍ لإنهاء هذه الحالة الثورية العقيمة التي من شأن رفعها أن يكون من أكبر القربات للدولة المدنية وسلوكها وقيمها.. حتى جماعة الحوثي التي تنظر إلى الأمور من زاوية المؤامرة، مشاركة في كل العمليات السياسية الأساسية حتى الآن وأهمها الحكومة ولجنة الحوار، بشكل أو بآخر.. وما كان يقال عن شراكة الإصلاح قديماً في الحكومة حينما كان الشيخ عبدالله الأحمر رئيساً لمجلس النواب، أصبح جلياً وبقوة في الحالة الحوثية والواجهات السياسية التي تمثلها، قدم في السلطة وأخرى في المعارضة، وأعتقد أنه لا داعي للمزايدة والضحك على الذقون بإظهار الحرص على إنقاذ الثورة من أمريكا.. بإمكان «الثوار» الذين طلب منهم الأستاذ محمد قحطان -عقب خروج الرئيس السابق للعلاج في الرياض إثر انفجار جامع الرئاسة- أن يمنحوا اللقاء المشترك مهلة أسبوع إلى عشرة أيام، فضجوا حينها بالرفض، لكنهم كانوا كرماء بما يكفي للنوم أربعة أشهر كاملة خلت من أي فعالية احتجاجية، حتى استيقظوا قبيل عودة صالح بأيام.. بإمكانهم أن يحولوا الأزمة إلى ثورة، إذا تعاملوا بمسؤولية مع مستقبل بلادهم وحولوا تركيزهم إلى الضغط باتجاه التنفيذ المثالي للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وعليهم دعم خيار الدولة الذي إن لم يتأسس في المرحلة الراهنة فلا أمل في تأسيسه على المدى القريب أو المتوسط في ظل دويلات أمراء الحروب الذين ينبغي العمل على سحب نفوذهم وسلطتهم لصالح الدولة الوليدة، عوضاً عن النواح المقرف على سرقة الثورة.. ينبغي على جميع القوى الحية النظر بمسؤولية إلى الفعل الثوري - إن جازت التسمية - وجدوى استمراريته بهذه الصورة الشكلية الهزيلة.. رفع الخيام الفارغة دون مراوحة أصبح ضرورة وطنية، مع الاحتفاظ بحق إقامة فعاليات الجمع الهادفة، والاحتجاج والتظاهر والاعتصام عند أي إخلال أو تلاعب حقيقي بمستقبل البلاد بعيداً عن الحسابات الضيقة التي يحضر فيها الوطن على هامش الأجندات والمصالح الخاصة.. ينبغي التفكير بطريقة أكثر جدوى وفاعلية في الرقابة على تقدم العملية السياسية وتنفيذ التزامات التسوية دون تحايل أو انتقاء بما يخدم مصلحة الوطن لا توجهات الأحزاب والجماعات والأشخاص.. ظروف اليوم غير ظروف الأمس، واليمن أصبحت محط أنظار العالم، ولم يعد بالإمكان الحيلولة دون قيام أي حركة احتجاج متى دعت الضرورة لذلك، وبالتالي ينبغي تركيز الجهد فيما يجدي عوضاً عن إغراق الساحات بالمناكفات الغبية التي لن تجني منها البلاد أكثر من الضياع والمزيد من الصراعات.. - الجمهورية