يأتي عيدالميلاد القبطي هذا العام بالكثير من المخاوف بالنسبة إلى أقباط مصر في ظل حكم الإسلاميين، وعبرّ البابا تواضروس الثاني عن ألمه من فتوى تحريم معايدة المسيحيين بأعيادهم مؤكدًا أن جمال مصر يكمن في تنوعها. القاهرة: قال أيمن رمزي بغضب، وهو يشتري لابنتيه ملابس العيد، "أشعر بالخوف وعدم الأمان. تصريحات الإسلاميين والجو العام ضدنا"، معبّرًا عمّا يشعر به أقباط مصر في أول عيد ميلاد يحتفلون به بعد استحواذ الإسلاميين على أبرز مكتسبات الثورة. يشكل الأقباط في مصر ما بين 6 و10 بالمئة من عدد السكان، البالغ نحو 83 مليونًا. واندلعت أزمات طائفية بين المسلمين والمسيحيين، عقب رحيل نظام مبارك، خلفت قتلى وجرحى، وخصوصًا في الصعيد والريف. ويحتفل أقباط مصر الاثنين بعيد الميلاد للمرة الأولى في ظل سيطرة التيار الإسلامي على الحكم. فالرئيس محمد مرسي ينتمي إلى جماعة الاخوان المسلمين، والدستور الجديد صاغته جمعية تأسيسية سيطر التيار الإسلامي عليها، وانسحب منها التيار المدني وممثلو الكنائس المصرية الثلاث. وتعتبر الكنيسة والمعارضة المصرية أن المادة 219 من الدستور المصري الجديد تفتح الباب أمام اعتماد أكثر التفسيرات تشددًا للشريعة. وأضاف رمزي (38 عامًا، مهندس) لوكالة فرانس برس، وزوجته تتابع ما يقول بقلق واضح، "أخشى على مستقبل بناتي (...) والحكومة مسؤولة عن تلك التهديدات"، في إشارة إلى تكرار حوادث خطف الفتيات الأقباط. وأصدرت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في مصر، والتي تضم ممثلين من التيارات السلفية، والإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية، أبرزهم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، قبل أسبوعين، فتوى نشرتها على موقعها الالكتروني بعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم الدينية. دعوة للأقباط إلى دخول الإسلام على أبواب الكنائس كما نشرت صحيفة "الوطن" المستقلة الأربعاء حوارًا مع سلفي، قالت إنه مؤسس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال فيها "سندعو الأقباط إلى دخول الإسلام على أبواب الكنائس. والقبطية يجب أن ترتدي الحجاب، حتى ولو كانت غير مقتنعة". وتشيع تلك التصريحات مناخًا من الكراهية والعداء المصطنع ضد الأقباط، الذين اعتاد المسلمون على تهنئتهم من دون قيود. وقالت مادونا ناجي (23 عاما، طالبة) "أنا متضايقة جدًا..الأفكار الرجعية والمتخلفة حولنا في كل مكان"، وأضافت، وهي تدخل إلى الكنيسة، "أتعرّض لمضايقات في الشارع من فترة إلى أخرى بسبب عقيدتي الدينية". وتابعت ناجي، التي وارت صليبًا صغيرًا حول رقبتها خلف قميصها، بأسى، "المشكلة أننا كأقباط شكلنا معروف". بدوره قال ريمون فايز، (38 عامًا، الموظف في شركة طيران) "الجو العام يشعرني بالخوف، ويكبت حريتي كإنسان". وأضاف "أتحوّط كثيرًا للمجيء إلى الكنيسة .. لكنني لن أغادر مصر أبدًا"، لتلتقي كلماته مع ترنيمات جوقة الإنشاد في الكنيسة، وهي تقول "متعلمتش أعيش، وأنا خايف وأعدد في جراحي". هاجرت أخت ريمون وأبناؤها إلى الولاياتالمتحدة خوفًا على مستقبلهم، منضمين إلى الآلاف من الأقباط، الذين غادروا البلاد منذ رحيل حسني مبارك في مطلع 2011. محال التماثيل تتلقى تهديدات في حي شبرا، ذات الكثافة المسيحية الكبيرة في قلب القاهرة، تلقت محال تبيع تماثيل وبراويز خاصة بالمسيحيين رسائل من إسلاميين متشددين، تحذرهم من بيع التماثيل باعتبارها محرّمة. وقال مرقص رشدي (40 عامًا، صاحب متجر)، الذي لا يزال يضع تماثيل للسيدة العذراء والسيد المسيح خارج واجهة محله الزجاجية المكتظة بهدايا أعياد الميلاد، "نتلقى رسائل مثل تلك منذ سنوات، لكنها الآن أكثر جرأة وتخلفًا". وقال بائع كتب وشرائط دينية مسيحية بتلعثم من دون ذكر اسمه "الرب فوق كل مخاوفنا". عاش المجتمع القبطي لعقود في انزواء بعيدًا عن الشارع، وانحصر التعبير عن غضب الأقباط وتظاهراتهم دومًا داخل الكنيسة، لكن كثيرًا من الأقباط شاركوا بشكل واسع في الانتفاضة الشعبية، التي أسقطت نظام مبارك في شباط/ فبراير 2011، أملاً في غد أفضل، وهو ما وجدوا عكسه تمامًا، بحسب أقباط عدة تحدثوا باقتضاب وإحباط عن الثورة. واتهم قادة وإعلاميون منتمون إلى التيار الإسلامي المتظاهرين المعارضين لمرسي أمام قصر الاتحادية في كانون الأول/ديسمبر الماضي بأنهم "مسيحيون"، وهو ما زاد من تراكم الخوف والقلق لدى أقباط مصر، وزلزل شعورهم بمصريتهم تحت حكم الإسلاميين. خطفوا الثورة والتحريض ضدنا مستمر في بهو كنيسة "قصر الدوبارة" الواقعة قرب ميدان التحرير، والتي تلعب دورًا بارزًا في علاج مصابي أحداث العنف منذ شهور من دون تمييز، يقول غايس موريس (23 عامًا، مصمم غرافيك) "الثورة شاركت فيها كل الأطياف، وفي النهاية اختطفها التيار الإسلامي". وأضاف موريس، الذي شارك في تظاهرات الاتحادية، "التحريض كان ضدنا في التلفزيون بشكل واضح". وتابع وهو ينظر باتجاه علم مصر المعلق في مكان بارز في قاعة الكنيسة "الإسلاميون يعاملوننا كفصيل، وليس كمصريين لهم الحق في التعبير عن رأيهم". ويقول المفكر القبطي جمال أسعد إن "اختطاف التيار الإسلامي للثورة شجّع التيارات المتطرفة على إطلاق تصريحاتها المتشددة ضد الجميع". وتابع أسعد "المناخ الحالي حتى لو لم يجد مجالاً للتطبيق على الأرض، فقد زاد من الفرز الطائفي، وأصاب الأقباط بالقلق وعدم الأمان". ويعتقد أسعد أن "الأزمة لدى الأقباط تزيد على المستوى النفسي والعصبي، وليس كأمر واقع حالي". حضرت قيادات حزب الحرية والعدالة الاخواني، وعلى رأسهم محمد مرسي رئيس الحزب آنذاك، قداس عيد الميلاد في العام الماضي، لكن أحمد سبيع المتحدث باسم الحزب قال لفرانس برس السبت "سنصدر موقفنا من الحضور في بيان رسمي". وينتظر الأقباط رؤية إلى أي مدى سيتغير موقف الحزب الإسلامي من مناسبتهم الدينية بعد الوصول إلى الحكم. ويقود البابا تواضروس الثاني صلاة عيد الميلاد للمرة الأولى بعد تنصيبه بابا لأقباط مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. الرئيس غير قادر على مواجهة أهله وعشيرته ويعتقد أنطون فاروق (40 عامًا، تاجر) أن "النظام الحالي جعل المتشددين أكثر جرأة"، وتابع ضاحكًا "الرئيس لا يستطيع إغضابهم بسبب الديون الانتخابية". وقال الدكتور عماد جاد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "معاناة الأقباط مصدرها غياب الدولة والقانون"، وتابع "لو كان هناك قانون يعاقب الجميع من دون تمييز لما وجدت تلك المشاعر الغاضبة والقلقة". وأضاف جاد "الاخوان غيّبوا الدولة إراديًا، لأن الرئيس غير قادر على مواجهة أهله وعشيرته.. الحل بسيط إن تتم استعادة دولة القانون.. الحل في دولة المواطنة". بابا الأقباط متألم من تحريم معايدة مسيحيي مصر من جهته، عبّر البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط، عن حزنه إزاء الدعوة إلى تحريم معايدة المسيحيين، داعيًا إلى عدم الرد عليها وعدم التعامل مع المروّجين لها، محمّلاً المجتمع ككل مسؤولية المخاوف التي يشعر بها أقباط مصر. وقال البابا تواضروس في حوار على قناة "إم بي سي مصر" مساء السبت، إن "الفتوى بعدم المعايدة على الأقباط هي أمر يمثل جرحًا كبيرًا لنا". وأضاف "المجتمع لازم يقول لأي حد بيحرم معايدة الأقباط عيب.. وعلى الأقل اصمت". وأضاف إن "من يشوّه صورة المجتمع ومن يقصي الآخر، لابد ألا يتعامل الإعلام معه". وأكد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أن "المخاوف التي يشعر بها البعض هي مسؤولية المجتمع، ويجب أن تكون الرسائل التي تقدم إلينا رسائل طمأنينة"، مشيرًا إلى أن "جمال مصر في تنوعها، ويجب أن نحرص عليه جميعًا". وانسحبت الكنيسة المصرية من الجمعية التأسيسية، التي صاغت الدستور المصري، وسيطر عليها التيار الإسلامي. وأقرّ الدستور المصري في استفتاء شعبي، بعدما وافق عليه نحو 64% من الناخبين المشاركين. وقال البابا تواضروس إن "مواد الدستور المصري لم تأخذ ما تستحقه من مناقشات مجتمعية للوصول إلى اتفاق كامل حولها، وأضاف "إن بعض المواد (..) كانت تسبب إشكالية عند الأقباط". وتابع إن "الدستور هو المخزن، الذي نستمد منه كل حياتنا كمجتمع، لذلك حينما أضع دستورًا في بلد لابد أن أضعه تحت روح المواطنة، دستورًا يجمعنا كمصريين كلنا". وأوضح أن "الكنيسة انسحبت نتيجة لعدم وجود حوار كاف حول مواد الدستور" ، ورأى "أن الأمور تمت على عجلة وعدم احترام للرأي الآخر، وشيء طبيعي أن يحصل الانسحاب".