ينشر "اليوم السابع" قصة "غزة"، للكاتبة المصرية الشابة آية الحجار، الفائزة بمسابقة جامعة أم القرى للقصة القصيرة بالمملكة العربية السعودية.. وفيما يلى نص القصة: غزة فى الحى اليهودى: - لعبتى. .. لعبتى وقعت يا أمى. ناولته المدفعية الملونة بالأصفر والأحمر والقنبلة البلاستيكية. - "أمى: هل القدس لنا" "طبعا يا بنى" "هل هذا المكان لنا" "طبعا يا بنى" "هذا ما قالته المعلمة أيضا يا أمى أن وطننا إسرائيل يمتد من النيل إلى الفرات" "المعلمة محقة فى كل ما تقوله" "لكن يا أمى.. لمَ العرب يكرهوننا؟" "لأنهم أشرار" "وأين ذهب أبى" "ذهب ليستعيد القدس" "هل سيستعيدها سريعا" "كلا يستلزم الأمر بعض الوقت" "ومتى سنطرد العرب من أرضنا؟" "حينما يحين الوقت" "أمى" "نعم" "هل سيموت أبى؟" صفعته صفعة خفيفة على يده وقد تولاها الفزع: "لا تقل ذلك"، "حاضر" ثم ذهب بعيدا ليتابع أصوات الأجراس التى انطلقت مرة أخرى، فأقعت أمام مدفعيته وبندقيته ومسدت ساقها، من سيفوز فى تلك المعركة على الأرض؟، الوطن،- وطننا-، إسرائيل، لن نتخلى عنه، تخلت عن الصحون التى فى يدها فوقعت وانكسرت، هذه الأرض لنا، وهيكل سليمان هنا تحت مسجد الأقصى، إن مسجدهم يجب أن يهدم من أجل معبدنا، هؤلاء المسلمون يقفون فوق أراضينا ومقدساتنا، ويعتقدون أنها أراضيهم ومقدساتهم. . - وأمسكت بالمدفعية الصغيرة الملونة لقد أمسك أبوه مدفعية مشابهة وهو ذاهب، إذا كان يجب أن نحصل على وطن لنا بالدماء والقتل، فلا بأس بذلك، لمَ لا؟ إنها أرضنا وهم الذين يرفضون الخروج منها. (حلم آخر ووطن آخر كان يدمر، وحده الوطن اليهودى هو من يقوم على أنقاض الأوطان الأخرى ووحده الحلم اليهودى من يحقق بتدمير أحلام الآخرين). فى منتصف الليل، كانت غزة الطفلة الجميلة الوديعة التى وضعت شريطا أحمر عقدته حول جبهتها البيضاء المضيئة، تجلس بعد أن ربطت لها أمها حجابا صغيرا مرقشا بالزخارف، ثم اضطرت أن تربط لأختيها جنين وبيسان مثله، جلسن على الوسائد التى فرشتها لهن أمهن، فى الرابعة من العمر ثلاث فراشات صغيرات، أفرغت كيس الألعاب أمامهن، حتى تفرغ هى للصلاة، بعد أن أطعمتهن وسقتهن وكستهن، فيما ثنت جنين ركبتها الصغيرة المدورة البيضاء، فكشفت عنها تنورتها القصيرة البنية، حاولت بيسان أن تضع الأكواب فوق بعضها فى بناء، لكن البناء كله انهدم بسبب طرف إصبعها الصغير. - كلا- قالت غزة، وبدأت تلتقط ثلاثة أكواب أخرى-. .. - ليس هكذا - لا أعرف كيف ؟- قالت جنين متذمرة - - هكذا :- بدأت غزة تشرح - - ثلاثة أكواب. . توضع مقلوبة على مقربة من بعضها، انظرى. . - لكننى أريد ان أصنعها بنفسى- قالت وهى تحك صدغها بباطن كفها. . - انظرى لى كيف أصنعها ثم قلدينى. .- أخذت منها بيسان الكوب الذى فى يدها، فتنازعتاه- - كلا. .- كلا. . - انا أولا. . - أنا اريد ان أبنيه. .. - لا تبنيه- قالت جنين- سيهدمه اليهود. غزة :- حينئذ سنبنى واحدا آخر. . - سيهدمه اليهود أيضا. غزة:- سأجعل ابنى يبنى واحدا آخر أيضا. . جنين:- سيهدمه ابن ذلك اليهودى. لملمت بيسان أكوابها الستة ووضعتها فى حضنها:- إذن لنأخذ الأكواب معنا إلى الجنة.. لن يهدمها اليهودى هناك. غزة:- كلا. . لكننى أريد بناءه الآن. أنت خذى أكوابك إلى الجنة. وأخرجت أكوابها الخاصة من كيسها.. اسمعا أنتما الاثنان: ثلاثة أكواب توضع على مقربة من بعضها، بعدها كو بين، فوقها يوضع كوب واحد فنصل إلى القمة. بدأت جنين فى العد: ثلاثة أكواب مقلوبة، فوقها كوبين، فوقها الكوب الأخير وبهذا نصل إلى القمة. فى اللحظة التى ارتدت فيها أمهن شرشفها السادر الطويل للصلاة، بعد وضوء غسل عنها جزعها على الطفلات.. زلزل القصف كيان المدينة بعدما رفعت الأم يديها (الله أكبر)، أرجف القصف بقلبها فتأوهت من فزعها وسقطت، فيما وقعت الفتيات للتو قتيلات، ثلاث فراشات مسجيات بالدم والغبار والرحيل. بعد أن رحلت الطائرات: فى الجوار: مبنى غزة الذى وصلت فيه إلى القمة لم يُمَسّ، ومبنى بيسان لايزال تحت الإنشاء، ومن التلفاز انطلق صوت يجعجع )نحن نشجب ونستنكر ما يفعله اليهود فى أهلنا فى غزة). وحدها إسرائيل وطن ملايين من اليهود قامت على دماء الملايين من دماء المسلمين، وحده الوطن اليهودى، وطن قام على هدم الأوطان الأخرى. انتهت.