تشهد الكنيسة القبطية في مصر خلافات بشأن آلية اختيار البابا الجديد، وفي الوقت الذي تصر فيه الكنيسة على أن مبدأ القرعة هو "اختيار الرب" إلا أن العلمانيين المسيحيين يرفضون ذلك ويعتبرونه أحد أشكال انتهاك للديمقراطية. تعتبر القرعة الهيكلية أو "القرعة الإلهية"، الفصل الأخير في انتخابات البطريرك في مصر، فبموجبها يختار طفل لا يقل عمره عن خمس سنوات ولا يزيد عن ثمانية، ورقة تحوي اسم واحد من بين ثلاثة مرشحين للمنصب البابوي، هم الأعلى في عدد الأصوات بين المرشحين الخمسة الذين خاضوا الإنتخابات. ويكون هو الفائز بمنصب البطريرك. وبينما يختار الطفل اليوم الأحد، 4 تشرين الثاني (نوفمبر) البابا الجديد، تتعرض القرعة الهيكلية لإعتراضات كثيرة من جانب بعض الأٌقباط، سواء من العلمانيين، أو الإكليروس، أي رجال الدين، معتبرين أنها لا سند لها في الإنجيل، وتنسف عملية الديمقراطية والإنتخابات من الأساس، غير أن رجال الكنيسة، أصحاب القرار، يصرون عليها، مؤكدين أن البطريرك إختيار السماء، وليس اختيار البشر. القرعة الإلهية ووفقاً لائحة 57 التي يتم بمقتضاها إختيار البابا، فإن الإنتخابات تجري بين خمسة أو سبعة مرشحين، ثم يدخل الثلاثة الأعلى في عدد الأصوات منافسة أخرى تعرف ب"القرعة الهيكلية"، نظراً لأنها تجرى أمام الهيكل، وتعرف أيضاً ب"القرعة الإلهية"، نظراً لإعتقاد الأقباط أن البابا إختيار الإله أو الرب. ويكون على طفل صغير لا يقل عمره عن خمس سنوات ولا يزيد على ثماني سنوات، إختيار ورقة واحدة من بين ثلاث ورقات مدون في كل منها اسم واحد من المرشحين للمنصب، ويكون الطفل معصوب العينين، ويصبح من يقع عليه الإختيار هو البابا الجديد. تلقى القرعة الهيكلية إعتراضات شديدة من قبل غالبية التيار العلماني، لأنها تنسف العملية الديمقراطية من الأساس، وتلقى معارضة من بعض قيادات الكنيسة أيضاً، لأنها بغير سند من الإنجيل، ولم تجر إلا ثلاث أو عشر مرات على الأكثر ضمن عملية إختيار 117 بطريركاً على مدار تاريخ الكنيسة القبطية. وصية شنودة البابا شنودة وقيادات الكنيسة كانوا ومازالوا من بعد وفاته يصرون عليها، لاسيما أنه أوصى بعدم الإستجابة للضغوط، وعدم إلغاء القرعة الهيكلية مهما حدث، وإستعادوا حديث له سابق، فأثناء عظة له ليلة 29 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2009، وهو تاريخ يماثل تاريخ إجراء انتخابات خليفته 29 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قال: "لا يمكن التخلى عن مبدأ القرعة الهيكلية، والحديث عن إعداد اللائحة أمر لا يخصنى مباشرة، إنما يخص من يأتى بعدى، وصحيح أنا ساكت لكن فاهم اللعب كله، وعارف الناس بالاسم، وربما هم جالسون الآن ويتساءلون: هل يعرفنا البابا بالفعل أم لا؟ وأنا ساكت ساكت والناس قاعدين يلعبوا"، وهنا قطعت "حمامة" حديثه، فصفق الحاضرون، وأستأنف حديثه قائلاً: "الحمام لا يطير ليلاً، وإنما له دلالة أخرى". وأضاف شنودة: "من يفكر لإعداد لائحة لوضع شخص بعينه يسعى لتجاهل بند القرعة الهيكلية، التى هى تسعى لإقناع الناس بأن البطريرك الجديد من اختيار الله، فبها اختير البابا كيرلس السادس، والبابا شنودة الثالث"، وأضاف: "ونحن لا نوافق إطلاقاً على حذف مبدأ القرعة، الذى ظهر فى أكثر من موقع بالكتاب المقدس". بدون أساس لاهوتي وعلى الجانب الآخر، يرى بعض رجال الدين أنها لا سند لها في تعاليم الإنجيل، ومن ضمن هؤلاء الأنبا بفنيوس أسقف المنيا، الذي ضمن وجهة نظره في كتاب له صدر في العام 2006، بعنوان "النهوض بالعمل الكنسي"، وقال فيه: "عمل القرعة الهيكلية هو اسم مختلق لا أساس له لاهوتياً وعقائدياً، ولا يوجد نص قانوني كنسي يبرر إجراء مثل هذه القرعة، ولا يمكن إيقاف عقلنا عن التفكير السليم الذي يكون بالصلاة وإرشاد الروح القدس، الذي يعمل في إظهار من يحصل على أكثر أصوات للمؤمنين". إهدار للديمقراطية بينما يبرر العلمانيون رفض القرعة الهيلكلية بأنها تتناقض مع عملية الإنتخاب، وقال المفكر القبطي جمال أسعد، الذي يعد من أشد الأقباط إعتراضاً على طريقة إختيار البابا، إن القرعة الهيكلية لا تتناسب مع العملية الديمقراطية التي يمثلها إنتخاب البطريرك، مشيراً إلى أنها تساوي بين أعلى المرشحين في الأصوات وأقلهم، وقد يفوز الأقل في عدد الأصوات بمنصب البابا، كما حدث في العام 1971مع البابا الراحل شنودة، وقال ل"إيلاف" إن القرعة الهيلكلية تهدر مبدأ الإنتخابات". ولفت إلى أن القرعة الهيكلية لا أساس لها في تاريخ الكنيسة، بل تعتبر بدعة ظهرت في العصر الحديث، ودعمها بقوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لأنها تعادل الإستفتاء على اسم رئيس الجمهورية سياسياً. ونبه إلى أن من يصرون على أن القرعة الإلهية تؤكد أن البابا إختيار السماء، لا يستندون على أساس من الإنجيل، لاسيما أنها تتناقض مع الإنجيل في قوله "أنتم تختارون ونحن نقيم"، أي أن البشر أو المسيحيين يختارون البابا وقيادات الكنيسة والرب يبارك الاختيار. إختيار السماء حتى الآن يسير تلاميذ البابا شنودة على نهجه في الإنتخابات، ورفض أعضاء المجمع المقدس إجراء أية تعديلات على لائحة 57، وأصروا على أن تجرى عملية إختيار خليفته البابا رقم 118 وفقاً لها، لكن الأنبا باخميوس القائم مقام البطريرك، أصر على توقيع المرشحين على إقرار بضرورة تعديل اللائحة خلال عام من الجلوس على كرسي مارمرقس. لكن مصدر كنيسي قالت ل"إيلاف" إن هناك معارضة صلبة من قبل أعضاء المجمع المقدس لأية تعديلات تستهدف القرعة الهيلكلية، معتبرين أن لها أساس من الإنجيل المقدس، وأن البطريرك إختيار السماء، ولا يستطيع لأي شخص أو جهة إجبار الكنيسة على مخالفة الإنجيل، مشيراً إلى أن أعضاء المجمع المقدس يستندون إلى أنه من خلال القرعة الهيكلية تم إختيار الرسول الثاني عشر ليُكمل الجماعة، أي تلاميذ المسيح أو الحواريون، بعد انتحار يهوذا الاسخريوطي. وأضاف المصدر أن هناك شبه إجماع بين أعضاء المجمع على أن القرعة الهيكلية هي صمام الإمان للكنيسة من الوقوع في فخ الإستقطاب أو الصراعات حول منصب البطريرك، كما أنها تحول دون تدخل الدولة في الإنتخابات، موضحاً أنهم يعتقدون في أنه في حالة تمكن أحد المرشحين من الحشد لنفسه أو في حالة دعم أي جهات خارجية لمرشح بعينه فإن القرعة الهيكلية سوف تبطل تلك المخططات، لأنه قد لا يصل إلى كرسي مارمرقس. وبين الرافضين للقرعة الهيكلية والمدافعين عنها، يظل السؤال قائماً: هل البطريرك إختيار الرب أم إنتخاب البشر؟