من البداهات التي يعيها كل متابع أن المؤتمر الشعبي وحلفاءه من خلال أو بعد التوقيع على المبادرة هو الطرف الذي يريد أو يحتاج لتهدئة الحملات السياسية الإعلامية، وكذلك تخفيف وحلحلة الصراعات في الواقع. منذ محطة 2011م فالحاكم أو الحزب الحاكم في أي بلد لم يعد له من قوة أهم وذات تأثير إلا في أخطاء أو خطايا الطرف أو الأطراف المناوئة... ولذلك فالمشترك شريك الوفاق لو تعامل بجدية ومصداقية في تطبيق المبادرة الخليجية ونفذ كامل التزاماته، فالمؤتمر هو أضعف من رفض أي التزام أو الالتفاف أو اللعب على أية قضية تعاطتها المبادرة أكانت هيكلة القوات المسلحة أو غيرها. بمتابعة إعلام المشترك حتى في منابر ووسائل الإعلام الرسمية أو الحكومية منذ تشكيل حكومة الوفاق، يُستشف بسهولة ان هذا الطرف الشريك في الوفاق لا يعيش في الوفاق أو حتى يمارس التعايش مع الوفاق الذي هو شريك فيه، بقدر ما يعيش ويمارس التثوير ضد الشريك في الوفاق حتى وقد بات تثويراً ضد الوفاق. لا أقول هذا من رؤية أو اصطفاف طرف وإنما من أهم أو أوضح حقائق ووقائع الواقع، ومن السهل التأكد من ذلك بالعودة إلى ملفات الصحف أو مواد التلفزيون في الفضائيات الحكومية، والمشترك أصلاً لا ينكر ولا يستطيع إنكار ذلك وكل ما سيعمله هو تبرير ذلك بفلسفة وجدلية أو مجادلة لا تقنع وتحمل أكثر القمع. بعد توقيع المبادرة الخليجية صعدت واقعياً وفي موازاة ذلك ما سميت "ثورات المؤسسات"، والمشترك يبرر مثل ذلك بأنه نتيجة فساد ونحوه، فلماذا لم يحدث هذا إلا بعد توقيع المبادرة؟!! ولماذا لم تأت مثل هذه الأحداث خلال عام من الأزمة أو محطة ما تسمى "ثورة"؟!. التثوير في الإعلام الرسمي وثورات المؤسسات بعد توقيع المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق لا يمكن ان تفهم ولا يمكن ان تكون إلا كأدوات للمشترك كطرف في إدارة الوفاق أو في التعامل مع الوفاق من طرفه. المشترك سار في توظيف الإعلام ثورياً وثورات المؤسسات كخيارات أساسية وسياسية له، ويترك للشريك الآخر المؤتمر العمل والتعامل مع الوفاق تحت سقف مثل هذه الخيارات الأساسية أو السياسية له. لا أدري إن كان المؤتمر الشعبي لم يكن أمامه غير القبول بهذا الوضع والتعامل معه كأمر واقع للوفاق، أم لأنه يرى ان مثل ذلك قابل للمعالجات ومن خلال استمرار وتواصل التعامل والحوار مع الشركاء في إطار حكومة الوفاق أو كأطراف وأحزاب سياسية. إنني لا أدافع عن المؤتمر ولا يعنيني ما يقبل به أو لا يقبل كطرف سياسي ولكنني- وقد سرت في اصطفاف وخيار – أرى أن الحل السلمي بات هو الوفاق بسلامة مساره وباستمراريته. إذا ما يمارسه المشترك هو مخالفات للوفاق قد يرى البعض انها تمثل مستوى من الانقلاب عليه، وإذا قبول وتحمل المؤتمر لذلك لاحتمالية ان يستعمله لتبرير الانقلاب من خلاله على الوفاق، فإنني لست مع الاخلال بالوفاق أو الانقلاب عليه من طرف المشترك أو من طرف المؤتمر. إذا ما تابعنا حملة رئيس حكومة الوفاق على رئيس المؤتمر ورد الفعل تجاهها فالتبرير لمشروعية رد الفعل أكثر اقناعاً من التبرير لمشروعية الفعل. إذا في هذا الفعل ومن ثم رد الفعل ما يمثل انقلاب كل طرف على الوفاق فإنني لست مع مشروعية للفعل ولا لرد الفعل كانقلاب على الوفاق ومحاولة العودة إلى الصراع المفتوح. إذاً ومن موقفي مع الحل السلمي ومع الوفاق فإنني في الأساس لا أدافع أو اصطف مع طرف وإنما أدافع عن الواقع من اصطفاف هو مع هذا الواقع. ولذلك يجدر بالمشترك ان يتنبه أو ان ننبهه بأن عليه من طرفه في الفترة الانتقالية ألاَّ يلعب بالنار وألاَّ يظل في حماقات الأخطاء والخطايا كصراع، فمثل ذلك لن يكون لصالحه كما يتوهم في أحلام يقظة يعيشها أو يعيش عليها. لا يحتاج الواقع العام للمزيد أو تصعيد المعاناة حتى يثبت ذلك للمشترك، فالواقع العام هو الذي يدفع ثمن الصراعات السياسية من حياته ومعيشته واستقراره، والمشترك بممارساته حتى الآن إنما يثبت المسؤولية عليه. إذا المشترك بات أقدر على تفعيل ثورات المؤسسات في أو من وضع الشراكة ووظف ثقل الإعلام الرسمي لصالح هذا العمل، فذلك من قصر نظر ومن قصور في الرؤية وضعف في التحليل. الأرضية الخارجية لمحطة 2011م هي التي منحت للأطراف المعارضة حق أو استحقاق الحسم الثوري إذا هي تستطيع، وهي التي منعت أي نظام من هذا الحق أو الاستحقاق ولذلك فالهجوم على معسكر الصمع في أرحب ومحاولة السيطرة على مطار صنعاء الدولي ليس إرهاباً بل ثورة وسلمية، بل يكافأ إرهاب الاعتداء على جامع دار الرئاسة بالضغط على الرئيس علي عبدالله صالح بعدم العودة فهذا الضغط هو بمثابة منح المشروعية للارهاب. برحيل علي عبدالله صالح ومجيء رئيس منتخب ومن وضع الشراكة الممارس في الواقع فالمؤتمر يستعيد حقه تدريجياً في الحسم بقدر ما يتطرف الطرف الآخر. المشترك يخطئ بعد انتخاب رئيس جديد والولوج في شراكة الوفاق بأن الحسم يظل حقاً واستحقاقاً له، لتجيء كل تصرفاته الرعناء والحمقاء من هذا الأساس أو لأجله. في محطة سبتمبر 2001م يحس المرء بأن أميركا والغرب استخدمت الأنظمة في المنطقة لقمع الشعوب إلى مستوى الإرهاب وتحت غطاء الحرب ضد الإرهاب، ومن ثم تأتي في محطة 2011م "بعد عقد" لتحرر الشعوب من إرهاب الأنظمة في بلدان بعينها، وتدفعها من مثل هذا المتراكم لتثوير أو ثورات تمارس إرهاب الأنظمة لترحل. إذا في أي واقع أطراف سياسية حاكمة ومعارضة فالطبيعي سعي كل طرف سياسي للاستفادة من تغيير أو متغير دولي، ولكن الطرف الأفضل هو الذي يستفيد بدون تطرف في استهداف الآخر، والأهم ان تكون استفادته كلاعب وليس كملعوب به أو أداة. التثوير والثورة في أفعال وتفعيل الاخوان أو الإصلاح في محطة 2011م ليصل إلى الحكم، فيما هذا الطرف يثور ضد نفسه أكثر من النظام الذي يريد اسقاطه أو اقصاءه.. فالاخوان "الإصلاح" في 2011م انما يثور على فكره وثوابته ومواقفه ومحطاته، فإذا هذا الطرف المرتكز سياسياً على أرضية الدين يقدم لنا إسلاماً آخر موديل2011م فهل اسلام موديل 1994م وما قبله وما بعده كما قدمه لنا لم يكن غير انحراف وتحريف وضلالة وتضليل؟!!. إذاً فهل هذا الطرف الاخوان اكتشف اسلام موديل2011م أم طرف خارجي اكتشفه والطرف الداخلي ينفذ كما اكتشاف الجهاد الاسلامي ضد الالحاد وحروب افغانستان؟!. الاخوان أو "الإصلاح" لم يسير إلى خيار وتفعيل تكتل أو تكتيل المشترك إلا من ثقته بأنه طرف لم يعد مرغوباً في شراكة الحكم، والهدف القريب والمنظور الذي سعى إليه ونجح هو منع الاشتراكي بشكل أساسي من ولوج شراكة كان يحتاج إليه أو ظلت معروضة عليه.. منعه لولوج الاشتراكي في هذه الشراكة هو ابقاء لشراكته ومصالحه الأكبر وإن بأشكال غير مباشرة. إذا المشترك في التفعيل لثورات المؤسسات كأنما يأمل الوصول للحسم الثوري من وضع وأرضية الوفاق، فالمؤشرات تأتي من داخل المشترك وأفعال أو تفعيل أطرافه في اطار الترتيب أو الاستعداد لما بعد الحسم المفترض، فالاصلاح كأنما يسير في استعدادات ان يكون الحزب الحاكم البديل في اليمن فيما الاشتراكي يلوح بورقته المعروفة من موقف افتراض الحسم الثوري أو لموقف ما بعد الحسم الثوري. المشترك كأطراف سياسية تشترك في حاجية المرحلة الأولى للحسم الثوري وكل طرف سيصارع الآخر بعد ذلك الحسم الثوري وفق أهداف كل طرف بمفرده. تموضع الصراعات وتموضع الأطراف السياسية صراعياً فانه ان تحققت حتمية الحسم الثوري باسقاط واقصاء وتصفية النظام، فذلك يعني الانتقال إلى حتمية صراع بين الإصلاح والاشتراكي وكل طرف يتمسك بالحسم الثوري. حين لا يتحقق الحسم الثوري باضطرار كل الأطراف إلى التعامل مع الحل السياسي كوفاق وحكومة وفاق وشراكة أو غير ذلك، فإنه لا غنى للمشترك عن التثوير والحملات السياسية الإعلامية من أجل وفي سياق الحسم الثوري أو حتى دون ربط بذلك بالضرورة. حين حكم الرئيس بوش "الابن" الولاياتالمتحدة فان فترتي حكمه وأدائه فيها لم تربط بوالده الرئيس الأسبق "بوش" وانما بتشكل أو تكتل في اطار الحكم، وذلك لم يكن عيباً ولا عبئاً ونجح الابن فيما أخفق فيه الأب كفترتين رئاستين. في روسيا فالرئيس "بوتين" بعد فترتين رئاسيتين عينه خلفه رئيساً للحكومة، وأي ربط في علاقات لا تؤثر على مشروعية خلفه كرئيس منتخب، وها هو بوتين يعود كرئيس لروسيا من خلال الانتخابات!!. هي مشكلة حين ارتباط طرف سياسي أو زعيم طرف سياسي بعمل غير مشروع كما اتهام مرشح أميركي "ملون" بتمويل حملته الانتخابية بأموال من القذافي أو ربط الإصلاح بالقاعدة والارهاب أو الاشتراكي بالحراك والانفصال. عبدربه منصور هادي رئيس منتخب يمارس صلاحيات المنصب لعامين، وليس من الديمقراطية بل من أسوأ ما في الشمولية كثقافة وتفكير ان تستقبله فضائية "اليمن" والمذيع المزقرع بالثورية ليقول له بتبجح لا يستحي ولا يعرف قيم الحياء "إما ان تكون معنا وإلا فالساحة مأوانا"، هذا خطاب يوجه لأجير أو مستأجر وليس لرئيس جمهورية انتخبه الشعب، فهل باتت الساحة إرهاباً للديمقراطية في ظل زعمها انها هي الديمقراطية أو من يطالب بها؟!!. لو ان هذه السقطة جاءت من ضيف في البرامج الحوارية أو من شاب في الساحة لكانت أهون، ولذلك فالمشترك صوبها في أداء هذا الإعلام الرسمي حيث أكد انه لا غنى له عن مهاجمة الرئيس السابق أو الحالي، وسيظل من خلال السابق يهاجم الحالي وهي مسألة خيار سياسي أساسي وحاجية حيوية للمشترك أكثر منها ربطاً بواقع أو وقائع كما ربط الإصلاح بالقاعدة أو الاشتراكي بالحراك. قبل أزمة ومحطة 2011م وخلال أحداث في الضالع وغيرها لما يسمى "الحراك" عرض مسؤول في الاشتراكي على عناصر في الحراك بياناً سيصدره الاشتراكي عن تلك الأحداث، فقالوا له بعد قراءته لم نعد نحتاج في البيان إلا لكلمة، فقال لهم: ما هي، قالوا: الاحتلال، ابتسم ورد مداعباً: يفترض أن تعرفوا بأن هذا ليس علينا، فردوا: و"نحنا فاهمين". الانفصال أو الاستيلاء على الحكم لا يحتاج حواراً وطنياً ولا هيكلة للقوات المسلحة، والاشتراكي رفض دمج وهيكلة الجيش وصعد إلى حرب1994م، كما اللواء المنشق علي محسن هو من ظل يرفض ويعطل الهيكلة، وكان المفترض من هذه الفلسفة تأجيل الهجوم على المعسكرات وخاصة أرحب وضرب جامع دار الرئاسة حتى اكمال الهيكلة كما ترومون!. حين تصعيد ايصال الواقع إلى انفجار أو تفجير صراعات تمثل تهديداً للاستقرار فعبدربه منصور هادي تصبح له مشروعية أقوى من أي حاكم سبقه وصلاحيات أوسع ولا محدودة داخلياً وخارجياً، ومن حقه ان يحافظ على استقرار وأمن الوطن بكل الوسائل والقدرات وعلى من يعي أن يعي أو يراجع أساسيات واستحقاقات الأوطان في الوعي!.