تحدّي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لأحكام القضاء ورفضها للتوجيهات القانونية من قبل السلطات الثلاث "القضائية- التشريعية- التنفيذية" واصرار على مخالفة القوانين والأنظمة.. كل ذلك يضع العديد من علامات الاستفهام حول الفساد "العالي" وربما يضع النقاط على حروف التدهور الذي يعيشه القطاع الجامعي والاكاديمي في البلاد. "الجمهور" تضع أمام القارئ الكريم قضية جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية كنموذج لما يعتمل في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من انتقائية وممارسات تعسفية ومخالفات صريحة للقوانين والأنظمة. في الجلسة المنعقدة علناً في المحكمة التجارية بأمانة العاصمة برئاسة القاضي نبيل عبدالحبيب النقيب، بتاريخ 3 اكتوبر الماضي، قال القضاء كلمته الفصل في الدعوى المرفوعة من جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية ضد المدعى عليهما المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي. كلمة القضاء منطوق الحكم قضى بالزام مجلس الجامعات ووزارة التعليم العالي على وجه الاستعجال بوقف كافة الإجراءات المتخذة من قبلهما بحق جامعة العلوم التطبيقية تنفيذاً للقرار الصادر عن رئيس الوزراء رقم (13) لسنة 2005م، وباعادة الحال فيما يخص التعامل بينهما والجامعة إلى ما كان عليه قبل صدور قرار رئيس الحكومة المذكور، ومعاملة جامعة العلوم التطبيقية وفقاً لنصوص قانون الجامعات والكليات والمعاهد العليا النافذ. وبعد صدور الحكم ب 3 أيام وجهت المحكمة اعلانا برقم (380) إلى المجلس الاعلى للجامعات بالتنفيذ الاختياري لحكم المحكمة برقم (1346) وخلال يوم واحد من تاريخ الاعلان، ما لم فالمحكمة ستتخذ الإجراءات التنفيذية الجبرية المنصوص عليها في القانون رقم 40 لعام 2002م بشأن المرافعات. تجاهل لتنفيذ الحكم تجاهل المجلس الاعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي لحكم المحكمة ولاعلان التنفيذ الاختياري للحكم، دفع المحكمة إلى توجيه مذكرة إلى رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور بتاريخ 18 اكتوبر الماضي بخصوص الحكم، جاء فيها: "تم اعلان المنفذ ضدهما بالتنفيذ الاختياري للحكم المستعجل في 6/10/2009م خلال يوم واحد وفقا لنص المادة (248) مرافعات، ولكن دون جدوى، وعليه واستنادا إلى نص المادة (487/ب) والى أمر المحكمة الصادر بتاريخ 7/10/2009م والمتضمن مخاطبتكم بحث والزام المنفذ ضدهما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الاعلى للجامعات بتنفيذ الحكم المستعجل الصادر في مواجهتهما خلال المدة القانونية الممنوحة لهما، لكي تتمكن هذه المحكمة من استكمال اجراءاتها التنفيذية وفقا للحكم سند التنفيذ كون ثمرة الاحكام تنفيذها.. لذا تكرموا بالاطلاع على ما ذكر ومخاطبة والزام المنفذ ضدهما بتنفيذ الحكم القضائي المستعجل الصادر في مواجهتهما لصالح طالب التنفيذ وفقا للحكم سند التنفيذ لاستكمال اجراءات التنفيذ في هذه القضية". التحدي بالتشهير وفي تحدٍ صارخ لأحكام القضاء وفي رد فعل رافض لتنفيذ حكم المحكمة الذي جاء لصالح جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية، وبعد مرور 8 أيام فقط على صدور ذلك الحكم، نشرت وزارة التعليم العالي اعلاناً في صحيفة "السياسية" الحكومية اعادت نشره ايضا في اليوم التالي في صحيفة "الثورة" الحكومية، يتضمن تحذيرها لكافة الطلاب بعدم الالتحاق بجامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية بزعم انها مخالفة، وان الوزارة لن تعمد الشهادات الصادرة عن هذه الجامعة، إلى آخر ما ورد في الاعلان!!. لماذا "التطبيقية"؟! وللعلم، فان قرار رئيس الوزراء رقم 13 لسنة 2005م والذي تستند إليه وزارة التعليم العالي وتتذرع بمخالفته من قبل جامعة العلوم التطبيقية.. هذا القرار تضمن اغلاق جميع كليات الطب البشري وكليات طب الاسنان والصيدلة والمختبرات في جميع الجامعات الاهلية على مستوى المركز الرئيسي للجامعات وفروعها، كما تضمن اغلاق جميع فروع الجامعات الأهلية في المحافظات وايقاف برامج الدراسات العليا منها.. إلا ان ما ورد في هذا القرار لم ينفذ، فالجامعات الأهلية ظلت تزاول عملها في المحافظات حتى اليوم واعلاناتها تتواصل ليل نهار على شاشات الفضائيات وقراطيس الصحف.. فلماذا منعت جامعة العلوم التطبيقية لوحدها من ذلك؟!.. ولماذا ظلت هذه الجامعة هي الجامعة الوحيدة التي تواجه اعلاناتها باعلانات مضادة من وزارة التعليم العالي؟!.. خصوصا وان توجيهات رئيس الوزراء في مذكرته الصادرة بتاريخ 27/10/2007م إلى وزير التعليم العالي، قد أكدت على الاحتكام إلى القضاء وايقاف أية حملات استباقية للحكم القضائي، وهو الحكم الذي صدر فيما بعد لصالح الجامعة بتاريخ 3/10/2009م.. هذا جانب. الجانب الآخر ان نظيرات جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية من الجامعات والكليات الاهلية في بلادنا تزاول عملها بقوة القانون، الذي يؤكد بأنه لا يجوز اغلاق جامعة أو كلية أهلية إلا بحكم قضائي بات، وهو ما لم يحدث مع جامعة العلوم التطبيقية، بل على العكس فان الاحكام القضائية جاءت في صالحها وليس ضدها. دعوى لا وجه فيها وسبق ان وجه وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ 2/1/2006م مذكرة إلى النائب العام بخصوص ما وصفه ب "عدم التزام جامعة العلوم التطبيقية بقرار مجلس الوزراء رقم 13 لسنة 2005م بشأن اغلاق فروعها في المحافظات وكليات الطب البشري والاسنان والصيدلة والمختبرات على مستوى المركز الرئيسي في الأمانة". وبالمقابل اصدرت نيابة مخالفات شمال الأمانة بتاريخ 2/5/2006م قراراً بألا وجه لاقامة الدعوى الجزائية نهائيا لعدم المخالفة، وبناء على ذلك وجه النائب العام رؤساء نيابات إب وتعز وعدن وجنوب الأمانة بايقاف قرار اغلاق كليات الطب الخاصة بجامعة العلوم التطبيقية. قرار فشنك!! وبالعودة إلى حيثيات قرار نيابة مخالفات شمال الأمانة بألا وجه لاقامة الدعوى الجزائية نهائياً لعدم المخالفة، فسنجد انها قد أشارت إلى ان قرار مجلس الوزراء الذي تستند عليه وزارة التعليم العالي لم يستند في ديباجته إلى أحكام القانون رقم 13 لسنة 2005م بشأن الجامعات الأهلية، وانما استند إلى القانون رقم 18 بشأن الجامعات اليمنية وتعديلاته "الجامعات الحكومية" والذي لم يرد في أحكامه أي نص يمكن تطبيقه على الجامعات الأهلية. أين المخالفات؟! وتطرقت حيثيات قرار النيابة إلى عدم منح الوزارة الجامعة الفترة الزمنية المحددة بالمادة (62) بشأن الجامعات الأهلية لترتيب أوضاعهن، وذلك في استيفاء مكونات بنيتها المادية والبشرية، منوهة إلى ان وزارة التعليم العالي لم تحدد المخالفات التي ارتكبتها جامعة العلوم التطبيقية، لافتة إلى ان "الأوليات المرفقة بملف القضية جاءت خالية وغير مستوفية الإجراءات القانونية الموجبة للاغلاق"!!. شهادة بالالتزام من الطبيعي ان يخلو ملف القضية الذي قدمته وزارة التعليم العالي من أية مخالفات ضد جامعة العلوم التطبيقية، وليس من المستغرب خلو الاوليات المرفقة بالملف من الإجراءات القانونية الموجبة للاغلاق.. فالقاء نظرة واحدة على وثائق تأسيس جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية كفيل بأن يعطي أي شخص انطباعاً عن مدى التزام هذه الجامعة بالقوانين والأنظمة وحرصها على الانضباط بالمعايير واستيفاء الشروط المتعلقة بتأسيس الجامعات الأهلية وآلية عملها، وابسط دليل على ذلك ان الهيئة العامة للاستثمار منحت جامعة العلوم التطبيقية شهادة بتاريخ 27/11/2006م تؤكد فيها ان هذه الجامعة هي أول جامعة مسجلة لدى الهيئة تستوفي رأس مالها المحدد في وثائق تأسيسها بمليوني دولار امريكي (نحو 400 مليون ريال)، وذلك بناء على تقرير اعادة التقييم لأصول والتزامات الجامعة الصادر من المحاسب القانوني بما يتماشى مع المادة (6) من القانون رقم (13) لسنة 2005م بشأن الجامعات والمعاهد العليا والكليات الأهلية. اجراءات باسم القانون!! ما ذكر خلال السطور السابقة يؤكد ان ما اتخذ ويتخذ من اجراءات من قبل وزارة التعليم العالي ضد جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية لا علاقة له بالالتزام بالقوانين والمعايير واللوائح المنظمة للجامعات والكليات الأهلية، وانما له علاقة بشيء آخر.. فما هو؟. إجابة هذا السؤال قد نجدها في ثنايا بعض من صور الوثائق المتعلقة بهذه القضية، والتي تمكنت "الجمهور" من الحصول عليها.. نسردها في التالي: شخصنة * صورة لرسالة مذيلة بأسماء وتوقيعات 42 نائباً في البرلمان، مرفوعة إلى فخامة رئيس الجمهورية جاء فيها: "تفاجأنا نحن النواب في البرلمان بأن الإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة مؤخراً تتخذ في جوهرها طابعاً غير حيادي تمثل في استهداف جامعة معينة وبطرق بدت وكأنها شخصية أو انتقامية إضافة إلى ذلك مخالفتها للقانون". منافسة غير شريفة * صورة لمذكرة بتاريخ 7/9/2005م مرفوعة من الغرفة التجارية الصناعية إلى رئيس الجمهورية، جاء فيها: "نؤيد الحكومة في وجوب اشرافها على تلك الجامعات وقيامها بتصويب ادائها، الا ان ذلك كان يجب ان يتم عبر التصحيح لأوضاع تلك الجامعات اينما وجد الخلل.. ولكن ان تجري الأمور خلافا لكل متطلبات ونصوص القوانين فهذا أمر غير مقبول، ويسبب إرباكاً كبيراً لذا فان ما لمسناه انه قد يكون منحى في عملية الاصلاح لا يخلو من المكايدات دافعه المنافسة غير الشريفة كما يبدو". توجيه رئاسي صريح * صورة مذكرة رسمية بتوقيع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح برقم (5575) صادرة بتاريخ 28/11/2005م موجهة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي نصها حرفياً كالتالي: "تعقيبا على أمرنا رقم (4714) وتاريخ 4/10/2005م بشأن جامعة العلوم التطبيقية، يتم تمكين الجامعة من الاستمرار بالتدريس في كلياتها وفروعها وطبقا لقانون الجامعات الأهلية". تدليس على توجيهات الرئيس * صورة لاعلان صادر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي منشور في صحيفة "26 سبتمبر" العدد (1233) بتاريخ 1/12/2005م الصفحة (42)، تعلن فيه الوزارة بأن الاعلانات التي تنزلها جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية عبر الصحف الرسمية والاهلية بصيغة شكر وامتنان لفخامة رئيس الجمهورية، وانه قد وجه باعادة فتح باب التسجيل والقبول واستمرار الدراسة بالجامعة المذكورة وفروعها وكافة تخصصاتها لا اساس له من الصحة".. ووفقا لصورة الاعلان فان توجيهات فخامته برقم (4714) وتاريخ 4/10/2005م "ليس فيها أية إشارة لاعادة فتح الفروع أو الكليات التي تم اغلاقها في المركز الرئيسي للجامعة"!!. تشهير وإغلاق قسري ربما نجد في السطور السابقة اجابات على السؤال: لماذا جامعة العلوم التطبيقية؟.. وتتلخص تلك الاجابات في: استهداف الجامعة بطرق شخصية وانتقامية ومخالفة للقانون.. مكايدات دافعها المنافسة غير الشريفة، وفوق هذا وذاك اعلان كاذب وتدليس فاضح لأمر صريح وواضح من فخامة رئيس الجمهورية من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لكن الاجابة الأشد وضوحا قد نجدها في صورة لمذكرة رسمية حصلت عليها الصحيفة صادرة بتاريخ 8/5/2006م من مكتب رئيس مجلس النواب ومذيلة باسم وتوقيع رئيس المجلس في حينه الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر – رحمه الله- موجهة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، موضوعها "شكوى جامعة العلوم التطبيقية بعدم تنفيذكم لما ورد بالاتفاق مع لجان المجلس حول الجامعة"، وفيما يلي ما ورد في المذكرة نصاً: "اشارة للموضوع اعلاه وحيث ان الموضوع منظور في المجلس وقد حضر عن الوزارة وكيل الوزارة وتم الاتفاق على استمرار الوزارة بتعميد شهادات الطلاب وشهادات القيد حتى يتم استكمال الإجراءات بالمجلس، ولكن الوزارة لم تقم بتنفيذ الاتفاق مع اللجان المختصة وعوضا عن ذلك تتخذون اجراءات غير قانونية ضد الجامعة ومنها التشهير ومحاولة اجبار الجامعة بالاغلاق رغم قرار النيابة بعدم الاغلاق لعدم وجود المخالفة.. وعليه يتم ايقاف أي اجراءات ضد الجامعة وتعميد شهادات القيد وغيرها حتى يتم البت من قبل مجلس النواب". سمسرة صور الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة والمتعلقة بهذه القضية تتحدث عن تعسف كبير وتجاوز لكل القوانين والأنظمة مارسته وزارة التعليم العالي ضد جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية دون وجود مبرر قانوني واحد، وتكشف لنا بجلاء عنجيهة وانتقائية ومزاجية متنفذي التعليم العالي ومعاونيه الذين حوَّلوا الوزارة إلى "سمسرة" خاصة ووضعوا أنفسهم فوق القانون والدستور والقضاء، وفوق السلطات الثلاث للبلد. استجواب هل يستطيع الوزير "باصرة" ان يفسر لنا تحدي القضاء والاستهتار بالأنظمة والقوانين والتدليس والتشهير وغيرها من الممارسات التعسفية بحق هذه الجامعة دون سواها؟!. هل الهدف من هذه الإجراءات غير القانونية هو التشهير ومحاولة اجبار جامعة العلوم التطبيقية على اغلاق أبوابها؟.. وهل لهذا الأمر علاقة بالمنافسة غير الشريفة والعمل لصالح جامعات أهلية أخرى؟!.. هل للموضوع علاقة بتطفيش المستثمرين الوطنيين أو محاولة ابتزازهم أم ان المسألة شخصية بحتة؟!!.