عبد الكريم بن عمر الخطيب - تريم يحتفل العالم الإسلامي في كل أصقاع المعمورة، بالذكرى المجيدة لدخول السنة الهجرية الجديدة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. تلكم الرحلة العظيمة إلى المدينةالمنورة، والتي شيد بها الإسلام أركانه، وقوى بها ساسه وأساسه، وتقدم الرسول بخطاه الحميدة، وبمساندة الأنصار ذوي الأنفس الكريمة ليبين للأمة أهمية دينه، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذا كانت الهجرة هي الانطلاقة الراشدة لإصلاح البشر، فخلد ذكرها، وشاع فخرها وتختلف كل بلد وأهلها في الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة والتعبير عن فرحتهم، وفي مدينة تريم تكون الاحتفالات مرتبة وعجيبة، مستمدة من فعاليات البلاد، وتقاليد الأجداد، وإذا اقتصرنا على الجانب التراثي فنستطيع القول: أن الاحتفالات تبدأ من ليلة الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة، حيث يتركز الاحتفال على وجبة العشاء، وتكون هذه متميزة عن بقية ليالي السنة. ويقدم في هذه الوجبة (الفقر) العمود الفقري للأغنام ( والضدح) نوع من الخضار يشبه الملوخية.. وهذا تقليد يتضمن فألاً حسناً، حيث يعني أكل "الفقر" خروج الفقر من البيوت مع السنة المنصرمة، لتبدأ السنة الجديد بالعيش الرغيد، أما أكل (الضدح) فيعني خروج (الضّدَحْ) وهو (الكسل) من الأبدان مع خروج السنة، لتبدأ السنة الجديدة بالنشاط والعمل المثمر أما تركيز الاحتفالات فيكون عصر آخر يوم من السنة المنصرمة، حيث ينتشر الأولاد الصغار والبنات في الشوارع، حاملين معهم (الكبيدي) وهو عبارة عن : حزمة صغيرة مكونه من خوص النخيل، ويضاف إليه جزء من بعض الأشجار، كشجر الرمان، والليمون، والفلفل، وبعض الأعشاب الخضراء ذات الرائحة الطيبة، وتعطي هذه الحزم منظراً خلاباً وجميلاً، يدهش الزائرين عند رؤيته.. وعند حمل الأولاد للكبيدي، يرددون أناشيد جميلة بأصوات حسنة بريئة تعبر عن الراحة والسعادة، ومن هذه الأناشيد قولهم: كبيدي على راسي وجبته من الوادي وبعته بخمسيه ولا جاب عشويه أما احتفال ربات البيوت فيكون عند عمل العشاء في تلك الليلة عصرا بالأهازيج والطبول، وترديد بعض الأدعية والأناشيد الممتعة كقولهن: دخلت السنة بركه بالصلح والفكه وعيالنا يسلمون لا شافوا الشده وتسمع دقات الطبول في الشوارع لتعطي السامع مقاطع فنية رائعة، تبعث الفرحة والسرور. ويجعلون فوق قدر العشاء (خبرة النخيل) المصنوعة من سعف النخيل وفي داخلها كتاب يدل على دخول السنة بالعلم الديني، ومسبحة تدل على الصلاح، وشيء من النقود والذهب، تفاؤلاً بدخول السنة بالعيش الرغيد، وأحزمة من العيدان تفاؤلا بتماسك الأسرة وكثرة أفرادها، وشيء من مبنى حيوان (بالخير)- حيوان يشبه حيوان الذبر مختلفا في اللون فقط- تفاؤلا ببناء البيوت من الحلال الصرف، و(مثمر) مكان وجود التمر في النخل ويدل على زراعة مثمرة، و(كراع) احد رجلي خروف ويدل على تربية الحيوان والاهتمام بها وقمة الاحتفالات تكون في وجبة العشاء، المتميزة عن أية وجبة عشاء طوال ليالي السنة، حيث يحضر الخبز (المفتوت) أي البر المطحون، ويضاف إليه شيء من الأبازير مع (المحشي) وهو عبارة عن لحم يحفظ خصيصاً من لحم الأضاحي، التي تذبح في عيد الأضحى، حيث يقطع ويجعل في (المخظ)، أي الأمعاء الكبيرة للحيوانات بطريقة فريدة مضاف إلية الخل وغيره، ليشكل ذوقاً طيباً.. وقد وصف كثير من الكتاب والشعراء وأصحاب الفن هذا الطعام الفريد، بكلمات ووصفات يطول شرحها، منها قول الشاعر: محشي لذيذ مطبوخ في وسط مخضه منفوخ أحلى من المشمش والموز والخوخ أما الرجال فيكون احتفالهم في عصر أول يوم من أيام السنة، بالألعاب الشعبية مثل الرزيح، والشبواني، وبني مغراه، ومنهم من يجتمع داخل البيوت لتشيكل جلسات أدبية، أو مسامرات شعرية. إنها احتفالات رائعة عفى عن بعضها الزمان، وتراث مائل إلى الانقراض، فهل من مجيب لتوثيقه وحفظ أصول قواعده، فأمة لا ماضي جدير لها حاضرها هش.. أملي بالمعنيين كبير حتى لا ينقرض تراثنا. [email protected]