كان للقهوة وما يزال تأثيرها عند شعراء العامية والفصحى على حد سواء، والقهوة هنا تعني البن اليمني الأصيل وهو نوعان، نوع يأتي من المخا واشتهر باسم ذلك الميناء التاريخي اليمني الشهير، ونوع آخر هو البن اليافعي ويزرع في منطقة واسعة في يافع العليا وتحديداً في مدرجات يهر ولبعوس ورصد وغيرها. وكم تغنى الشعراء أنفسهم بالبن وبشجرته، التي منها يأتيهم ذلك الشراب الجميل المكيف، وتلك القطرات الحمراء المذهلة والجذابة، وكان تغنيهم حتى بحقول البن عامة لخضرة وتمايد شجرة البن فهيا كالعروس الفاتنة. وكانت قهوة البن فيما مضى تمثل كأس الخمرة اليوم في شكلها ومشروبها ومفعولها، ولقد تغنى بها الشعراء الشعبيون وأبدعوا في وصفها تماماً، كما فعل ابو نواس في وصف الخمرة قديماً وكما يفعل اليوم كثير من الشعراء المحدثين في وصف الكأس، وفي ذلك قال الشاعر محمد سعيد جرادة: هذه الكأس تنزت في يدي وعلا في حافيتها الحبب فهي تمثال بكفي قائم وشعاع في فمي ينسكب رحت احسوها فأنست خاطري كل ما ولى وما ارتقب أفأسلوها ومن أحشائها نبع الأنس وفاض الطرب ولقد أحب الشعراء الشعبيون شجرة البن وقهوتها ولذلك ذهبوا في وصف البن كجزء وفي وصف شجرته ككل، ومنهم الشاعر الشعبي كور سعيد من أبين في قصيدته "أنا وشجرة البن"، حيث صور فيها شجرة البن كفتاة حلوة تلبس العقيق وتتزين بالجمال، فقال: وشجرة البن انحنت بعقيقها بتحية الخضر الندي بلونها مرت يزينها الربيع بحسنه وتميل في حمل الثمار غصونها وتلفتت كالظبي يبهره الونى ويزوغ للصياد لحظ عيونها ترنو بعين للبراءة رقة فيها ولون الخصب فيها يصونها يا ويح صب صناع منه صوان لما اصيب بطائشات سهامها وصور الأدباء والشعراء منهم أجمل ما يحبون بحقول البن لخضرتها وجمالها، ونستدل على ذلك بما قاله الشاعر الشعبي د. سعيد شيباني في قصيدته "حقول البن"، وهو يشبه خدي فتاة جميلة انتثرت فيهما حبيبات الشباب بحقول البن، حيث قال: حقول البن في خديك موال جميل تركت الأهل والاصحاب ولك وحدك أميل والحال كذلك لا يختلف كثيرا في محافظة حضرموت حيث أبدع شعراؤها في وصف القهوة ومدحها، وقد قال الشاعر عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس في قصيدة له في القهوة ما يلي: ما لي وللمنطيق والسكيت وكلاهما يرتاح من تبكيت مهلا فسمعي لا يصيخ وناظري لا يرعوي باشارة التمقيت يا لائمي في قهوة علوية في الجام تجلي وهو كالياقوت دعني فلي في شربها شرب صفا لما اعتلى في الملك والملكوت ولعل أشهر قصائد البن في اليمن هي قصيدة "الحب والبن" للشاعر والمؤرخ الكبير مطهر الارياني، والتي أجاد من خلالها في وصف البن وفي زف البشرى لحارس البن باقتراب موسمه في اشارة إلى اقتراب موعد زفافه بحبيبته حيث قال: يا حارس البن بشرى موسم البن داني ما للعصافير سكرى بين خضر الجنان هل ذاقت الكأس الأول من رحيق المجاني واسترسلت تطرب الكون بأحلى الأغاني قال ابشروا بالخبر بشاير أول ثمر ظهر بلون الخضر على خدود الغواني طاب الجنى يا حقول البن بأحلى المغاني يا سندس أخضر مطرز بالعقيق اليماني يا سحر ما له مثيل في الكون قاصي وداني ما أحلى العقود القواني في الغضون الدواني بن اليمن يا درر يا كنز فوق الشجر من يزرعك ما افتقر ولا أصيب بالهوان